الأخبار

بعد تجميد 7 سنوات.. المجلس الملي يخرج من «الثلاجة»

أنشأه بطرس باشا غالي ودخل في صدام مع البابا كيرلس الخامس.. جمده البابا كيرلس السادس وأعاده البابا شنودة «تحت السيطرة».. ولم يتضح موقف البابا تواضروس منه

منذ استصدر بطرس باشا غالي غالي قرارا من الخديو إسماعيل في فبراير 1874م، بإنشاء المجلس الملي العام للكنيسة القبطية الأرثوذكسية، ولم تكن علاقة هذا المجلس برأس الكنيسة على ما يرام، فقد دخل في عداء مع البابا كيرلس الخامس، ثم اتفق مع المجمع المقدس على عزل البابا يوساب الثاني عام 1956، ثم تم تجميده تماما في عهد البابا كيرلس السادس، وأعاده البابا شنودة مرة أخرى لكن تحت السيطرة بضمان من يتم انتخابهم للمجلس، وانتهت مدة المجلس الملي الأخير في أبريل 2011، والذي عاد للظهور مؤخرا عبر بيان يندد بمهاجمي البابا تواضروس، ثم اجتماع مع البابا منذ يومين.

وبعدا انتهاء مدة المجلس الملي، ظل المجلس الأخير يسير الأعمال طوال فترة اختيار البابا الجديد، ثم لم يتم تعديل لائحة عمله وتغيير اسمه، كما كان مقترحا مع تولي البابا تواضروس الثاني، في 18 نوفمبر 2012، رغم قيامه بتجديد وتطوير اللوائح الكنسية الحاكمة لكثير من القطاعات، واستصدار لوائح جديدة، إلا أن هذا التطوير لم يشمل المجلس الملي، ولم يتضح ما هو موقف البابا من وجود المجلس الذي يرأسه البابا بنفسه ويتكون من «علمانيين» أي من غير رجال الدين.

تأسيس المجلس وأزمته مع قيادة الكنيسة

مهمة المجلس الملي وفقا للائحة عمله هي النظر فى كل المصالح الداخلية للأقباط، حصر أوقاف الكنائس والأديرة والمدارس وجمع حججها ومستنداتها، وتنظيم حسابات الإيراد والمنصرف وحفظ الأرصدة، إدارة المدارس والمطبعة ومساعدة الفقراء، حصر الكنائس وقساوستها والأديرة ورهبانها والأمتعة والسجلات الموجودة بهذه الجهات، النظر والفصل في منازعات الزواج والطلاق وما يتعلق بما يعرف الآن بالأحوال الشخصية للأقباط.

وذكر الكاتب والمفكر كمال زاخر في كتاب «العلمانيون والكنيسة» الصادر في 2009، أن «هذه اللائحة قوبلت برفض المطارنة، وعلى رأسهم البابا البطريرك كيرلس الخامس، وأصدروا بيانًا بهذا المعنى، أكدوا فيه أن هذا المجلس يعد مخالفة للأوامر والنصوص الرسولية». مما جعله محل نزاع مع رأس الكنيسة منذ نشأته.

وأوضح أن فكرة نشأته بدأت عام 1872م، حين دعا الأنبا مرقس، مطران البحيرة، بصفته قائمقام البطريرك وقتها، بعضًا من شعب الكنيسة للمشاركة فى إدارة شئونها، حيث بلورت تلك المشاركة الحاجة إلى آلية تقننها وتنظيم يضبطها، الأمر الذي ترجم في صدور الأمر العالي بتشكيل ما عرف بالمجلس الملي لطائفة الأقباط الأرثوذكس.

وأضاف أنه في 16 يناير 1874، تشكل أول مجلس ملي وانتخب بطرس باشا غالي وكيلا له، حيث تنص لائحته على أن تكون رئاسته للبابا البطريرك، وبدأ المجلس فى أداء مهامه في فبراير من نفس العام، بعد أن اعتمد الخديو إسماعيل تشكيله وأصدر قراره بذلك، وفي عام 1875 يختار المجلس الأنبا كيرلس الخامس للبطريركية، الذي رأى في صلاحيات المجلس ما يمثل اعتداء على سلطاته كبابا وبطريرك فحل المجلس، الذي لجأ بدوره للدولة، شاكيا ومعترضا ومستجيرًا، حتى صدر الأمر العالي بتشكيل المجلس مرة أخرى في 13 مايو 1883، ويعاد انتخاب بطرس باشا غالي مرة أخرى وكيلا له، لكن سرعان ما دب الخلاف مجددا بين المجلس والبابا حول الاختصاصات والصلاحيات.

محطات بين التجميد والسيطرة

تمتع المجلس الملي منذ نشأته بالندية مع رأس الكنيسة، وبعد فترة من العداء اتفق المجلس الملي والمجمع المقدس على عزل البابا يوساب الثاني في 1956، وحين جاء البابا كيرلس السادس قرر تجميده تماما، وعدم انتخابه، ثم جاء البابا شنودة وقرر إعادة اختيار المجلس عام 1973، لكن بالسيطرة على من سيتم انتخابه، وهاجم الطريقة التي اختير بها المجلس وقتها الأنبا إغريغوريوس أسقف البحث العلمي بعد ظهور ما يسمى بـ«قائمة البابا».

فض الاشتباك

يوضح الموقف المتذبذب بخصوص المجلس الملي، شكل الأزمة التي تعيشها الكنيسة وتعريفها على أنها «جماعة المؤمنين» أي أنها تشمل الأكليروس من الكهنة والعلمانيين من غير الكهنة، وفكرة الاشتراك في إدارة المؤسسة، حيث انفرد بكل الأمور الأكليروس ولم يتركوا المساحة للعلمانيين للمشاركة في إدارة الكنيسة، وهو مبدأ وضعه تلاميذ السيد المسيح، وذكر في سفر أعمال الرسل بالكتاب المقدس، حين قرروا اختيار (7 شمامسة) لمساعدتهم في خدمة المائدة والأرامل والفقراء، والاهتمام بالشئون الاجتماعية، حتى يستطيع التلاميذ التفرغ للعمل الروحي وخدمة الكلمة والكرازة.

أي أن مبدأ المشاركة وضعه بالأساس تلاميذ ورسل السيد المسيح أنفسهم، وفيه تم الفصل بين العمل الروحي والخدمة، وبين الدور الإداري والمجتمعي لجماعة المؤمنين «الكنيسة».

في الأربعين سنة الأخيرة من عمر الكنيسة، ورغم إعادة البابا شنودة المجلس الملي للعمل من جديد، إلا أن المجلس لم يتمتع بأي صلاحيات حقيقية، بل كان أقرب لـ«الصوري»، وتلخص عبارة الراحل الدكتور ميلاد حنا الوضع حيث قال «تم اختزال الكنيسة في الأكليروس (الكهنة) الذين تم اختزالهم في الأساقفة الذين تم اختزالهم في البابا».

وربما يوضح هذه النظرة، ما ذكره الأنبا رفائيل أسقف كنائس وسط القاهرة، في تصريحات صحفية سابقة، بسؤاله عن مشكلة الأحوال الشخصية، ولائحة 1938 حيث ذكر «أنها لائحة وضعها المجلس الملي من قبل علمانيين، وليس المجمع المقدس وتخالف الكتاب المقدس».

وأصبح طالبو الطلاق والزواج الثاني، مشكلة تفجرت في وجه الكنيسة منذ عام 2008، بشكل كبير، بعد تعديل أجراه البابا الراحل شنودة الثالث على لائحة 1938، الخاصة بالأحوال الشخصية، حيث ألغى الأسباب التسعة التي تسمح بالطلاق في اللائحة، وترك سببا وحيدا فقط هو «الزنى».

ويوضح هذا التصريح كيف ينظر الأكليروس للنصف الثاني من الكنيسة، وتحتاج الكنيسة إلى أن تناقش بشكل هادئ تفاصيل وشكل العلاقة بين مكوناتها أي «جماعة المؤمنين من الأكليروس والعلمانيين» ودور كل منهم.

التحرير

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى