الأخبار

تفاصيل 6 ساعات أجهضت تمرد «قضاة الزند»

6

 

 

 

الدولة تفرض كلمتها على نادى القضاة وتنهى ظاهرة استئذانه فى تعيين وإقالة وزير العدل

– التلويح بعقد جمعية عمومية عجل بصدور قرار الإعفاء.. والزند أراد كسب مزيد من الوقت لحين إجراء التعديل الوزارى

– تدخلات العقلاء خففت نبرة مؤيدى الزند فى لحظة حرجة.. وجمهور القضاة: «لا دخل لنا بمسألة سياسية»

عاشت الأوساط القضائية وقتا عصيبا مساء أمس الأول، على مدى 6 ساعات، من الرابعة عصرا عندما تلقى وزير العدل المقال أحمد الزند اتصالا من رئيس الوزراء شريف إسماعيل يطالبه فيه بالاستقالة، وصولا إلى رضوخ القضاة المقربين من الزند لإرادة الدولة وتوقفهم عن الاعتراض على القرار والتمسك بالزند، والتسليم بأن قرار إقالة وزير العدل هو قرار سياسى تختص به السلطة التنفيذية وحدها.

وضعت هذه الساعات الست بتفاصيلها التى استقتها «الشروق» من مصادر قضائية وحكومية موثوقة، حدا لظاهرة تحكم نادى القضاة فى هوية وزير العدل، وتدخله فى قرارات إقالة أو تعيين الوزير، وهى الظاهرة التى تفاقمت بعد عزل الرئيس الأسبق محمد مرسى والإطاحة بحكم جماعة الإخوان، وتحولت إلى أمر واقع، فى ظل قوة شخصية الزند كرئيس لنادى القضاة، وقوة تربيطاته وعلاقاته مع قضاة الأقاليم وأعضاء الجهات والهيئات القضائية الأخرى.

وفرضت أحداث الساعات الست واقعا جديدا فى الوسط القضائى، يرى قضاة كثيرون أنه الأصل والطبيعى، وهو أن يكون قرار إقالة أو تعيين وزير العدل شأنا سياسيا وتنفيذيا خالصا، لا يؤثر على أعمال القضاة فى محاكمهم، فلا يجزعهم أو يسعدهم، فى إطار من الفصل الكامل بين السلطتين التنفيذية والقضائية، وهى القاعدة التى يرى مراقبون وقضاة لا ينتمون لمعسكر الزند أنها «تآكلت بشدة فى السنوات الثلاث الأخيرة».

«بداية النهاية»
كان الزند يعتقد أنه نزع فتيل أزمة تصريحه التليفزيونى عن «حبس النبى» بمجرد استغفاره عقب النطق بهذا اللفظ، وبمجرد خروجه فى برامج «التوك شو» المسائية السبت الماضى، موضحا موقفه ومعتذرا عن الخطأ، باعتباره مجرد «زلة لسان» وفى صباح أمس الأول الأحد توجه الزند بصورة عادية إلى ديوان الوزارة حيث مارس عمله الطبيعى، وعقد أكثر من اجتماع مع مساعديه، وترأس أكثر من لجنة نوعية.

وفى خضم العمل، أصدر الأزهر بيانا يعبر فيه عن استيائه من النيل من قيمة ومقام الرسول الكريم، تداولته وسائل الإعلام، وفور وصول هذا البيان إلى مكتب الزند، ساد التوتر والقلق، فالرجل ومساعدوه يجيدون قراءة تتابع الأحداث، وتوقع بعضهم أن يحدث الأسوأ خلال ساعات.

وبالفعل، وفى تمام الرابعة مساء، وقبل مغادرته مجلس الوزراء، أجرى رئيس الحكومة شريف إسماعيل اتصالا بالزند، احتج فيه بشدة على تصريحاته عن النبى بصفة خاصة، وعلى تكرار الظهور الإعلامى للزند بصفة عامة، وهو ما رد عليه الزند بقوله إنه «حريص على كل كلمة يصدرها، وأنه عندما أخطأ لوهلة استغفر الله على الفور، وأن الموضوع تم تصحيحه بالفعل بمداخلات عديدة فى وسائل الإعلام».

غير أن رئيس الحكومة، وبناء على توجيهات رئاسية، عاجل الزند بمطالبته بإصدار بيان رسمى بالاعتذار، أو تقديم استقالته، فرفض الزند الخيارين، واحتج بشدة على مطالبته بالاستقالة، معتبرا أن «الأزمة خلصت» وأن «الحملة الموجهة ضده لا تعدو كونها مدبرة من الإخوان وجماعات المعارضة غير الوطنية».. فأجابه رئيس الحكومة بما مفاده أن غضب الشارع ليس مقتصرا على هؤلاء، وأن المواطن البسيط يشعر بجسامة ما قاله الزند.

«استقالة أم إقالة؟»
وجد الزند نفسه فى لحظة أمام أمر واقع، فإما يقدم استقالته أو ينتظر الإقالة خلال ساعات، ربما فى صباح اليوم التالى على أقصى تقدير.

وبالنظر لحالات الإطاحة بالوزراء خلال السنوات الثلاث الأخيرة، فجميعها تم تقديمها للرأى العام على أنها «قبول استقالة» وليس «إقالة» بما فى ذلك وزير الزراعة السابق المتهم بالرشوة صلاح هلال الذى طُلب منه تقديم استقالته وخرج ليتم القبض عليه فورا، وكذلك وزير العدل السابق محفوظ صابر الذى كانت زلة لسانه أيضا سببا فى مطالبته بتقديم استقالته ثم قبولها.

وربما لم يشأ الزند المعروف باعتداده بذاته أن يوضع فى مقارنة بوزير الزراعة السابق المتهم، أو بسلفه صابر الذى قدم استقالته فور طلبها منه إيثارا لإنهاء الأزمة بأسرع وقت.

فكانت النتيجة أن رفض الزند أيضا تقديم الاستقالة، ومن الطبيعى أن يثير هذا استغراب – وربما غضب ــ رئيس الحكومة الذى يعمل بتوجيهات الرئيس شخصيا.

وكمحاولة أخيرة للتسوية «الودية» على وضع يحافظ على صورته، طلب الزند إرجاء الإطاحة به إلى التعديل الوزارى المرتقب قبل إلقاء الحكومة بيانها فى البرلمان، فإدخال الزند فى التعديل الوزارى يضمن عدم صدور قرار منفصل بإقالته، أو قبول استقالته، ويمنحه مزيدا من الوقت لتحسين صورته أمام الرأى العام، وربما المشاركة فى رسم مستقبل الوزارة، وتحديد هوية الوزير القادم، انطلاقا من حقيقة أنه مازال الرجل الأقوى والأكثر شعبية فى الوسط القضائى.

غير أن طلب الزند قوبل بالرفض، مما جعله يدرك أن النهاية التى يأباها آتية لا ريب فيها.. ووفقا لمصدر واحد من المصادر التى تحدثت لـ«الشروق» فإن رئيس الحكومة أمر الزند بمغادرة مكتبه على الفور.

وبصورة مفاجئة ترك الزند مكتبه، واستقل سيارته متجها إلى منزله بالتجمع الخامس، وتواصل فى الطريق مع عدد من مساعديه وأعضاء مكتبه الفنى الذين لحقوا به فى المنزل، وبالتوازى مع ذلك، اجتمع أعضاء مجلس إدارة نادى القضاة الذين ينتمون لقائمة الزند الانتخابية، برئاسة المستشار عبدالله فتحى، بمقر النادى بوسط العاصمة، فى انتظار ما سيحدث.

«خطة مضادة»
بعد وصول معلومة طلب رئيس الحكومة من الزند تقديم استقالته إلى الصحافة والوسط القضائى، وجد أفراد دائرة الزند أنفسهم فى موقف لا يحسدون عليه، فإبعاد الرجل بهذه الصورة وبعد 10 أشهر فقط من توليه الوزارة لم يكن متوقعا، بل كان من المنتظر أن يبقى الزند والمقربون منه فى إدارة الوزارة لسنوات قادمة.

وذكرت مصادر بوزارة العدل أن الزند كان قد حصل على تطمينات ببقائه وعدم إبعاده فى التعديل الوزارى القادم، ارتباطا بعمله المستمر فى الملف التشريعى وملف بناء وإصلاح المحاكم ودور العدالة.

وإزاء هذا التغيير المفاجئ فى موقف الدولة، والذى ارتأى الزند والمقربون منه أنه «ليس منطقيا، ومبنيا على غضب افتراضى بمواقع التواصل الاجتماعى» ظن بعض هؤلاء المقربين أن بإمكانهم عرقلة قرار إبعاد الزند، بواسطة تصريحات صحفية أو تحركات على الأرض دعما له.

بدأت هذه الخطة المضادة فى الساعة السادسة من مساء أمس الأول، بإعلان عقد جلسة طارئة لمجلس إدارة نادى القضاة «لرفض ما تم تداوله إعلاميا عن استقالة الزند، وإعلان التمسك به».

وعلى مدى ساعة ونصف الساعة تقريبا، توالت التصريحات من قضاة مقربين من الزند فى وسائل الإعلام، بأسمائهم أو كمصادر مجهلة، عن رفض القضاة المساس بالزند، وتهديد القضاة المنتدبين بوزارة العدل بالاستقالة من عملهم الإدارى بالوزارة، وكذلك التلويح بعقد جمعية عمومية للنادى لإعلان التمسك بالزند.

وهذا التلويح الأخير بعقد جمعية عمومية، ربما يكون الأخطر، والأرجح أنه القشة التى عجلت بصدور قرار إعفاء الزند من منصبه.

فأنصار الزند فى القضاء قادرون على الدعوة لجمعية عمومية فى صباح اليوم التالى، وقادرون على حشد مئات القضاة فيها، بما كان سيرسم صورة غير مسبوقة لصدام حتمى وشيك بين القضاة والدولة، على خلفية رفض إقالة وزير للعدل.

فسيناريو «عقد جمعية عمومية بنادى القضاة، يحضرها ممثلون لأندية قضاة الأقاليم، تشهد إعلانا صريحا بالتمسك بالزند، فى ظل تردد السلطة فى اتخاذ إجراء حاسم معه» يصعب كثيرا موقف الحكومة، ويظهرها مناوئة لجموع القضاة.

«سوابق فى الذاكرة»
طالما كانت المداولات حول شخصية وزير العدل بعد ثورة 30 يونيو، محور شد وجذب بين الشخص المكلف برئاسة الحكومة وبين نادى القضاة، ورسخت قاعدة منذ ذلك الحين مفادها أنه لا وزير عدل بغير موافقة نادى القضاة.

البداية كانت درامية بعض الشىء، فعند تشكيل حكومة الدكتور حازم الببلاوى، تم تكليف المستشار محمد أمين المهدى، رئيس مجلس الدولة الأسبق، بوزارة العدل كأول وزير للعدل ينتمى لمجلس الدولة منذ نحو 40 عاما، مما أثار حفيظة نادى القضاة برئاسة المستشار الزند آنذاك، باعتبار أن الوزير يجب أن يكون منتميا لجهة القضاء العادى التى تشكل أكثر من 70% من عدد القضاة المصريين، وليس مجلس الدولة الذى يعتبر أقلية عددية، بغض النظر عن أهمية كل من الجهتين كجناحين للسلطة القضائية.

ورغم أن الببلاوى كان قد حسم أمره تماما باختيار المهدى، وكذلك الرئيس المؤقت عدلى منصور، إلا أن تهديدات من نادى القضاة بالتصعيد أدت إلى استدعاء عاجل لوزير العدل ورئيس مجلس القضاء الأعلى الأسبق المستشار عادل عبدالحميد وإسناد حقيبة العدل له، واستحداث حقيبة وزارية جديدة هى «العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية» وإسنادها للمستشار أمين المهدى، إنقاذا للموقف وتقديرا لشخصه وتاريخه.

وتكرر السيناريو بشكل أقل حدة عند تشكيل حكومة إبراهيم محلب، فقد كانت المؤشرات تدل على تولى المستشار حسن بسيونى، عضو مجلس النواب الحالى المعين، حقيبة العدل، إلا أن اعتراضات – سرية هذه المرة ــ من نادى القضاة، نقلت الحقيبة إلى المستشار نير عثمان الذى كان بعيدا عن العمل الإدارى تماما لكنه معروف بعلاقته الوطيدة بالزند.

كما كان للحشد وتعبير أوساط القضاة المؤيدة للزند عن رغبتهم فى توليه المنصب، هو العامل الرئيسى فى تعيينه وزيرا بعد تصريحات سلفه المستشار محفوظ صابر.

وفى المقابل، اتسمت علاقة الدولة بالقضاة بالتوتر الشديد فى عهد الرئيس الأسبق محمد مرسى، نتيجة إسناد وزارة العدل لشخصيتين غير مرحب بهما من إدارة نادى القضاة الحالية، هما المستشاران أحمد مكى وأحمد سليمان.

«تحرك سريع»
على ما يبدو، فإن هذه السوابق لم تكن بعيدة عن ذهن الدولة فى تعاملها مع أزمة إقالة الزند مساء الأحد، فلم تمنح النادى مساحة إضافية للتحرك.

فرغم إصدار بيان منسوب لمجلس إدارة النادى وأندية الأقاليم (تبرأ منه بعض رؤساء أندية الأقاليم فيما بعد علنا) يعلن التمسك بالزند ويرفض الإطاحة به، اعتبرت القيادة السياسية أن رفض الزند تقديم استقالته وتباطؤه فى التراجع عن ذلك بمثابة إبراء لساحتها، وأصدر رئيس الوزراء فى تمام الساعة السابعة والنصف مساء قرار إعفاء الوزير من منصبه.

نزل القرار على مؤيدى الزند مفاجئا، وقاطعا أى أمل فى كسب الوقت أو تجميل مشهد النهاية، وخرجت التصريحات الأولى لأعضاء نادى القضاة للصحافة وبرامج التوك شو؛ عصبية وغاضبة، واصفة الإقالة بغير اللائقة، وأنها الجزاء غير الملائم لرجل «وقف فى وجه الإخوان، وكان من أسباب نجاح ثورة 30 يونيو»، على حد وصفهم، وبلغ الأمر أن اعتبر أحد مسئولى النادى القرار «كاشفا عن نية مبيتة للتخلص من الزند».

«تدخل للتهدئة»
بينما كان مجلس إدارة نادى القضاة مجتمعا فى جلسة مغلقة للتباحث حول الموقف، بالتواصل مع الزند ومساعديه فى منزله، ثار قلق فى الأوساط الرسمية من تصعيد نادى القضاة، وإفلات زمام الموقف.

ودفع ذلك بعض المسئولين والقضاة المتعقلين لإجراء عدد من الاتصالات بنادى القضاة لاحتواء الأزمة، وتهدئة الموقف، وإقناع إدارة النادى بأن الإقالة باتت أمرا واقعا، وأن التصعيد سيرتد بالسلب على القضاء.

وبمجرد انتهاء هذه الاتصالات، اتصل عدد من مسئولى النادى بالقنوات والصحف ليعلنوا موقفهم الجديد، بالتأكيد على احترام اختصاص السلطة التنفيذية وعدم التدخل فيه، وأنهم يعترضون فقط على طريقة الإقالة، وأن الزند سيكون رئيسا شرفيا للنادى مدى الحياة.

وبحلول العاشرة مساء، كانت التدوينات الأبرز على صفحات القضاة الشخصية على موقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك» تدور فى فلك فصل منصة القضاء عن ديوان الوزارة: «فلتعين السلطة التنفيذية من تريده وزيرا وتقيل من تشاء إقالته، فلا دخل لنا بهذا أو ذاك».

الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى