الأخبار

تصفية حسابات مؤجلة

 

66

 

نظرة إلى تركيا. نرى أن المشروع سقط. وفى طريقه لاتخاذ مسار جديد. مشروع أسلمة المنطقة تهاوى. هناك تظاهرات ثم قمع ثم ظهور القضاء ليحقق فى قضايا فساد نظام أردوغان وأولاده. صورة طبق الأصل لما حدث لمرسى قبل عزله. لكن هناك فى أنقرة سيستقيل أردوغان تاركًا الحياة السياسية، معلنًا عن فشل التجربة، وفى الطريق نظام جديد يناسب الخطة البديلة الثانية.

أردوغان سيخرج وفى يده آخرون فى المنطقة التى تتشكل من جديد بمغادرة الأمريكان فظهر الغرب فرنسا وألمانيا وروسيا، يتسابقون لالتهام ما تبقى، ولا بد أن تكون مصر بعيدة عن التشكيل مشغولة بالداخل حتى تنتهى الترتيبات وبعدها تظهر مصر.

فى كل ترتيب وتشكيل جديد للمنطقة يدخلونها فى مشكلات داخلية لتبتعد عن الصورة، وحديثها الآن هو كل من كسر كوبًا من الماء فى 25 يناير لا بد أن يدفع ثمنه والأدق أن كل من تعمد لغرضٍ ما فى نفسه كسر كوب من الماء سيدفع ثمنه غاليا.

الأمة لا تنسى ثأرها أبدًا مهما طال زمن إهانتها. مبارك البليد دخل القفص وفى يده ولديه ومرسى العميل وعشيرته يهذون داخل الزنازين وفى طريقهم إلى الموت أو إلى الجنون ولم ينتبه السادة النشطاء المناضلون لصور القفص ولم يدققوا النظر لمن بداخلها ولم يقرؤوا التاريخ وظنوا أن الأمريكان يمكن أن يمدوا مظلة الحماية طوال الوقت. لا حبٌّ دائمٌ ولا عداءٌ دائمٌ فى السياسة، فهناك مصالح دائمة وبسقوط تجربة الإخوان فى المنطقة رفع الأمريكان يدهم عن المشروع وأركانه ورجال التجربة الأولى واتجهوا إلى الخطة الثانية. بعض تسجيلات السادة النشطاء، ما ظهر منها إلى الآن يكفى لأن يموتوا خَجَلًا أو يتوارَوْا فى الظل بعيدًا عن أعين الناس، وهناك آخرون يظنون أنهم فى حماية الدولة بالدخول فى كيانها وهم محصنون، فهناك رجال لم يعوا معنى أن يكونوا أفرادًا وأن يكونوا رجال دولة، فالفرد حر يفعل كما يشاء، أما رجل الدولة فخطواته محسوبة، والمناضل صاحب القيم هو الآخر خطواته محسوبة، فلم نسمع عن غاندى أو مانديلا أو عبد الناصر أو تشى جيفارا أو هو شى منه فى فيتنام أو جميلة بوحريد أو مجيدة أبو ليلة أو ليلى خالد الشهيرة باسم شادية أبو غزالة أو يسار مروة، لم نسمع عنهم أو عنهن ما هو شائن أخلاقيا، بل كانوا ملهِمين وملهِماتٍ لشعوبهم. لكننا لا بد أن نحترس من الصيد فى الماء العكِر، هؤلاء لم يكونوا ثورة يناير، لا بد وأن نفرق ما بين مَن كان يناضل فى الفضائيات ويخرج ليأخذ التمام من تليفون السفارة، وما بين أطهر شباب مصر كانوا فى الميدان هدفهم نهضة بلادهم وتحررها من سنوات العذاب والتخلف سنوات ظلماء استشرى فيها الجهل والظلم والمرض والفقر، كما ذكر قاضى مبارك قبل نطق حكمه. كارهو ثورة يناير يريدون أن يخلطوا الأوراق لتضيع الحقائق. علينا أن نحترس ونحن نلطخ ونكشف ونفضح. كى لا تزيد الأعباء على رئيس مصر القادم فأمامه لملمة أطراف الدولة على مهل بعيًدا عن العنف مدركًا خطورة اللحظة وقوة الاندفاع الشعبى وهوس السياسة دون علم أو ثقافة ولا بد أن يزيل بحذر آثار احتقان وطنى مستعينا بإدارة وإرادة حوله، فهو يحتاج إلى عقول فى ميادين التشريع والقانون والاقتصاد والعلاقات الإقليمية والدولية والاتصالات الشعبية. مؤسسة مستقلة بذاتها، فالرئيس الأمريكى له جهاز للشؤون الداخلية يعمل فيه مئتان وخمسون خبيرًا ومستشارًا، وللشؤون الخارجية جهاز آخر هو مجلس الأمن القومى، وفى داخل البيت الأبيض عدد من يحضرون الاجتماعات الرسمية عند اللزوم أكثر من أربعمئة مستشار وخبير، وهؤلاء جميعا يمارسون مسؤولية المتابعة والرقابة وهم أطراف فى الحوار باسم الرئيس الذى يصنع القرار الأكثر ملاءمة لسياسة الإدارة مع كل وزارات الدولة ومع الكونجرس بمجلسيه وهو أقوى هيئة تشريعية ورقابية عرفها التاريخ. الأمة فى طريقها لعهد جديد يحدد مستقبلها. علينا أن نضع أسسًا وقواعد بعد سنوات مرت من عمر الأمة وهى عاجزة مصابة بالدوار لا تعرف لها طريقا ولا تعرف لها شكلا أو هدفا حتى سقطت، وكان صوت سقوطها مدويا، أفاقت عليه المنطقة كلها.

مصر بلا قيادة منذ منتصف العقد الماضى، مستباحة تحكم قبضتها بقوة وبحمق، لكنها لا تسيطر على تسريبات الضغط، وكان الرهان على الشعب، الكل راهن على توجيهه والكل خسر. الشعب لا يوجّه، بل يسير حيثما يريد عندما يؤمن، فهو المعلم وهو القائد وهو الثائر وهو الباقى. من يعاديه أو يخدعه أو يبيعه يدخله القفص أو يدخله القبر حتى لو كان قائدا منتصرا كمبارك، ومن يؤمن به ويعشقه سار وراءه حتى لو كان قائدا مهزوما كما كتبت الـ«نيوزويك» على غلافها تحت صورة استقبال عبد الناصر فى الخرطوم بعد النكسة أنها أول مرة يقابل فيها المهزوم بأكاليل الغار من جماهير أمته.

 

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى