الأخبار

كيف ولماذا صدر قرار نفي سعد زغلول ورفاقه إلى مالطا؟

كان ليوم 8 مارس أثر كبير في تاريخ الحركة الوطنية المصرية، والذي أثر بتوابعه على تاريخ مصر الحديث؛ فبعد نفي سعد زغلول ورفاقه إلى مالطا في ذلك اليوم، خرجت التظاهرات وأعلنت الإضرابات في مثل يومنا هذا 9 مارس، لشتعل بذلك أحداث ثورة 1919.

وتم نفي سعد وبعض من أعضاء الوفد إلى خارج مصر بعد يأس سلطات الاحتلال البريطاني من قدرتها على إثناءه عن المطالبة بالاستقلال، وإبعاده عن الجماهير.

وتنشر “الشروق” في السطور التالية، بدعم من الباحثة والصحفية منى أنيس، مدير قسم التحرير بدار الشروق، ترجمة لمجموعة من الوثائق البريطانية نشرت في كتاب “الأهرام” بمناسبة الذكرى الخمسين لثورة 1919، تروي بعضا من تفاصيل أحداث تلك الساعات العصيبة.

ففي خطاب السير سيرم تشيتلم المعتمد البريطاني في مصر إلى إيرل كيرزون وزير الخارجية البريطاني، والمحفوظ برقم 19 في الوثائق البريطانية الوثيقة رقم 19 بتاريخ 6 مارس 1919، يقول:
«بشأن برقيتي السابقة على هذه البرقية مباشرة، إن استقالة رشدي باشا كانت صدمة شديدة لسعد زغلول الذي كان من الواضح أنه يعتقد بأنه وأصدقاءه سيسمح لهم على وجه اليقين بالسفر إلى أوروبا للدعوة للاستقلال، وهو الآن يحاول منع تشكيل حكومة جديدة تعمل على استمرار الإساءة لحزبه.

ومن الجلي أن السياسين الذين كان من الممكن أن يقبلوا الوزارة يتعرضون للتهديد بالقتل حتى لا يقبلوها.
كذلك فقد اتخذ سعد إجراء محددا لتهديد السلطان ووقف تعاونه الحالي معنا في إعادة تشكيل مجلس الوزراء.

«وفي يوم 3 مارس قدم سعد إلى قصر عابدين ومعه بعض من اتباعه هم أنفسهم (باستثناء اثنين) نفس وفده الأصلي، ولما لم يسمح له بالدخول فإنه ترك احتجاجا موجها للسلطان، وقد أرسلت ترجمة لهذه الوثيقة بالحقيبة (الدبلوماسية) أمس، وعلى حين أنها صيغت بكلمات متواضعة في نواح كثيرة فإنها تندد بالحماية وتحذر السلطان من الاستماع إلى ما يدور في مجالس دار الحماية وتتضمن تهديدات مقنعة بقناع رقيق ضد سموه إذا مضى في الاشتراك في تشكيل الوزارة.
«وقد قيل لي أن لغة الاحتجاج لا تبرر رفع الدعوة أمام المحاكم المصرية ضده على أساس تضمن إساءة إلى السلطان كما قيل لي ان هناك صعوبات فنية لادانته بنفس التهمة أو رفعت الدعوى أمام المحاكم العسكرية بموجب القوانين المعمول بها.
«وفي رأيي، على أية حال، أننا لا نملك أن نتغاطى عن حملة التهديد التي تستهدف منع تشكيل حكومة مصرية في ظل الحماية بأشكالها العادية. ولدي معلومات يوثق بها بأن سعد يحاول إثارة نقابة المحامين الوطنية، وهو حصن مؤيديه، لتوجيه احتجاج وقح آخر للسلطان وكذلك لشل حركة المحاكم الوطنية عن طريق إضراب المحامين.

«فإذا ما سمحنا لمثل هذه الإجراءت بأن تستمر فإن علينا أن نتوقع حدوث مؤامرت توجه ضد إطاعة القوانين الحكومية مباشرة وازدياد صعوبة تشكيل وزارة.
«وعلى ضوء هذه الاعتبارات فقد طلبت إلى القائد العام في مصر أن يرسل في طلب سعد وأتباعه المعروفين، وأن يلفت نظرهم بصورة جدية إلى أن طريقة الإثارة التي يتبعونها في الوقت الحاضر تتعارض مع المصالح العسكرية.
«ومثل هذا التحذير لن يكون كافيا لامتناع الزعماء الوطنين عن سياسة التهديد والمؤامرات الخفية، أن السلطان قد اهتز للأسلوب الذي صيغ به الاحتجاج، الذي يعتبر في الحقيقة امتهانا له وللشعب وقد طلب مني سموه رسميا أن أحميه من إساءات أخرى توجه إليه.
«وقد أخذت رأي المستشارين الرئيسين الذي اتفقوا معي في أن السبيل الواضح أمامنا هو نفي سعد زغلول خارج مصر ويفضل أن يكون ذلك في الهند أو سيلان؛ فإن سعد لم يعد منذ زمن طويل يصغي لجانب العقل ويقضي وقته في لعب القمار، وقد وصلت حركته إلى نقطة يتحتم معها الإلتجاء إلى وسائل أشد عنفا للاحتفاظ بقبضتنا على طبقة المثقفين (الانتلجنسيا).

«وراح المعتدلون وذوو الإدراك من المصريين يعجبون لسمحنا لهذه الحركة بأن تمضي في طريقها طويلا دون أن تكبح، ولربما كان من المؤسف أن اضطر إلى طلب اقصاء مشاغب سياسي في الوقت الحاضر ولكن بالنظر إلى طبيعة دعاية سعد المتماثلة فإنه أشد خطرا من أولئك المحتجزين في مالطة منذ بداية الحرب، ولذا أطلب إلقاء القبض عليه وابعاده فورا، وأرجو اتخاذ قرار عاجل في هذا الشأن من أجل سمعة السلطان باعتبارها ذات أهمية ساسية لنا».

 

وردت الحكومة البريطانية بالموافقة على نفي سعد إلى مالطا مع عدد محدود من زملائه بالبرقية المحفوظة برقم 20 والصادرة من وزراة الخارجية البريطانية في 7 مارس 1919:

«من ايرل كيرزون إلى سير تشيتام عليكم أن تتخذوا على الفوز إجراء يضع حدا للأعمال التي يقوم بها سعد زغلول وأتباعه في محاولة لمنع السلطان والوزراء من ممارسة مهامهم ومسئولياتهم على الوجه الصحيح.

«ولذلك فقد خولناك السلطة للاتفاق مع القائد العام على إلقاء القبض على سعد وإبعاده فورا إلى مالطا، بدون تحذير آخر لسعد وللمقربين المتصلين به عمليا في حملته المتعمدة للإثارة ونرى ألا يشمل الإبعاد أكثر من عدد الأشخاص الذي تحتم الضرورة إبعادهم وأن لا يكون عبد العزيز فهمي واحد منهم.
«وقد صدرت التعليمات إلى حاكم مالطة للاتفاق مع القائد العام في هذا الشأن، ولاتخاذ ترتيبات إقامة الاشخاص المبعدين».

 

ثم أصدرت السلطة العسكرية إنذارا لسعد وأعضاء الوفد: 
في السابع من مارس استدعى القائد العام للقوات البريطانية في مصر رئيس الوفد المصري وأعضاءه لمركز القيادة العامة بمنزل سافوي والقى عليهم البلاغ التالي:
«عمت أنكم تضعون مسألة وجود الحماية موضع المناقشة، وأنكم تقيمون العقبات في سير الحكومة تحت الحماية بالسعي في منع تشكيل وزراة جديدة.
«وحيث إن البلاد تحت الأحكام العسكرية، لذلك يلزمني أن أنذركم أن أي عمل منكم يرمي إلى عرقلة سير الإدارة يجعلكم عرضة إلى المعاملة الشديد بموجب الأحكام العرفية».
وبعد أن أتم إلقاء هذا البلاغ باللغة الإنجليزية ترجم إلى اللغة الفرنسية ثم قال «لا مناقشة» وتركهم وانصرف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى