منوعات

«مفاعل أنشاص».. هنا يصنّع علاج السرطان وتُدفن النفايات النووية

 

 

 

25 دقيقة هي المدة الكافية للتحرك من كارتة طريق بلبيس- العبور على آخر أطراف محافظة القاهرة الكبرى، عبر استقلال إحدى السيارات للتوجه نحو مقر هيئة الطاقة الذرية بمنطقة أنشاص الرملة التابعة لمركز بلبيس بمحافظة الشرقية، وما أن تصل إلى مقر الهيئة حتى تمر بأول بوابة وتتحرك بالسيارة على مسافة كيلو متر، بينما على جنبات الطريق ما يشبه الثكنة العسكرية، لارتفاع الأسلاك الشائكة والأسوار، وأبراج المراقبة التي يعتليها رجال القوات المسلحة. الدخول بعد تحريات الأمن ويحين وقت الدخول لمقر الهيئة عبر البوابة الثانية، وتوقفت السيارة التي كانت تستقلها “التحرير” لإجراء جولة داخل الهيئة، حيث صعد أحد أفراد الأمن مناديًا على كل فرد، ممن ستتاح لهم الفرصة للدخول إلى مقر الهيئة، كون الدخول إلى الهيئة، يتطلب الحصول على أذن مسبق وموافقة بعد التحريات من قبل الجهات الأمنية، ويحصل كل فرد على تصريح الدخول الخاص، ويسلمه عقب انتهاء الجولة. وخلال السنوات الماضية، تصاعد الحديث عن المفاعل النووي بالضبعة، لا سيما بعد توقيع عقود المشروع بين كل من الرئيس السيسي ونظيره الروسي، خلال زيارة الأخير لمصر نهاية العام الماضي، لتكون باكورة إنتاج المفاعل بـ1200 ميجاوات في عام 2024 المقبل، بينما غاب أو تناسى الكثيرون أن مصر لديها مفاعلين نوويين، أحدهما متوقف والثاني يعمل منذ عقود. وبدأت مصر في البحث عن مفاعل بحثي جديد لاستبدال مفاعل مصر البحثي الأول روسي الصنع، والذي توقف في ثمانينيات القرن الماضي، وأعلنت مصر طرح مناقصة دولية، في عام 1990، بغرض إنشاء مفاعل بحثي بقدرة 22 ميجا وات، على أن يشمل العقد توريد معدات لإنتاج الوقود النووي اللازم لتشغيل المفاعل، وكان من بين المتقدمين فيها شركة الطاقة الذرية الكندية، فرامتوم الفرنسية و«إنڤستيگاشن أپليكا (إينڤاپ)» الأرجنتينية. وفي 22 سبتمبر 1992، تم توقيع العقد بين إينڤاپ الأرجنتينية والهيئة المصرية للطاقة الذرية، وتأسيس مكتب للشركة في مدينة نصر للإشراف على المشروع، وبدأت أعمال الإنشاءات عام 1993 بجهود مصرية أرجنتينية مشتركة، وافتتحه الرئيس المصري السابق حسني مبارك ونظريه الأرجنتيني كارلوس منعم في فبراير 1998. وما أن دخلنا إلى مقر الهيئة استقبلنا الدكتور عاطف عبدالحميد، رئيس هيئة الطاقة الذرية، والذي استهل حديثه بالقول: إن هيئة الطاقة الذرية، تضم 3 مراكز علمية كبرى تتمثل في مركز البحوث النووية والمركز القومي لبحوث وتكنولوجيا الإشعاع ومركز المعامل الحارة ومعالجة النفايات، فضلًا عن مشروع مجمع مفاعل مصر البحثي الثاني ومعجل السيكلوترون، بينما الزيارة المحددة داخل أروقة الهيئة ستقتصر على زيارة مصنع النظائر المشعة، ومفاعل أنشاص البحثي الثاني، والمعامل الحارة، والمسؤولة عن التخلص الآمن من كافة النفايات على مستوى الجمهورية. توفير 3 أضعاف الاحتياجات المحلية في مصر عبد الحميد لفت إلى أن الهيئة قادرة على تلبية احتياجات السوق المحلي بشكل كامل من النظائر المشعة، لافتًا إلى أن الهيئة بدأت بالفعل في تصدير بعضها لبعض الدول المجاورة، حيث إن الطاقة القصوى لمصنع النظائر التابع للهيئة قادرة على توفير 3 أضعاف الاحتياجات المحلية في مصر، كما أشار عبدالحميد إلى أن الهيئة مسئولة عن التخلص من النفايات المشعة على مستوى الجمهورية، لذلك فالهيئة لها دور مهم فى التخلص من النفايات بمحطة الضبعة النووية. وأفاد عبدالحميد، بأنه يتم توريد النظائر للمستشفيات والمراكز الطبية في مصر بسعر يوازي 45% من النظائر التي كانت يتم استيرادها من الخارج وبجودة عالية مما يوفر العملة الصعبة. وعقب ذلك بدأت أولى الجولات وكانت داخل مصنع النظائر المشعة، وكان لا بد من الدخول عبر بوابة الاطلاع على أجهزة تركيب النظائر المشعة، وارتداء بالطو أبيض “جديد”، بخلاف ارتداء جراب بلاستيكي فوق الحذاء، وهو للتمتع بأقصى درجات الأمان إلا أنهم وصفوا هذا الإجراء رغم أهميته بالروتيني. وبدأ الدكتور ياسر توفيق، مدير مصنع النظائر المشعة، قائلًا: إن المصنع بدأ إنتاجه من النظائر المشعة في عام 2015، لتحقيق هدف رئيسي للدولة لتغطية السوق الملحي، ويقوم بإنتاج 7 أنواع من النظائر منها الإيريديوم بنوعيه والكروم واليود 131 والملينيوم والليثيوم يقوم بإمدادها لنحو 20 محافظة في مصر بأكثر من 70 مركزا ومركز أبحاث علاجيا ومستشفى عاما وجامعيا تضاهي درجة جودة النظائر التي تنتج في الولايات المتحدة الأمريكية، وتكلفة المصنع تعدت حين إنشائه الـ 25 مليون دولار، ويأتي مصنع النظائر بالمرتبة التاسعة على مستوى العالم، حسب ما أوضحه توفيق. توفير 85% من احتياجات السوق المحلي وتوقف مدير مصنع النظائر المشعة أمام وحدة الخلايا الحارة داخل المصنع، والتي أشبه بغرفة كبيرة بمساحة 8 متر عرضًا في 3 أمتار ارتفاعًا، والتي يتم بها تصنيع العناصر الأساسية، وينتج حاليا مولدات التكنسيوم 99، وهو أكثر النظائر المستخدمة في مصر لتشخيص الأورام، بالإضافة إلى نظير اليود 131 الذي يستخدم في علاج الأمراض السرطانية بالغدة الدرقية، وهي الوحدة الوحيدة في مصر والوطن العربي، ويغطي 85% من احتياجات السوق المحلية من النظائر المشع، سالفة الذكر. مريض السرطان يحصل على جرعة العلاج في أقل من أسبوع بعد الانتظار لشهور ولفت توفيق إلى أنه قبل وجود هذا المصنع، كانت مصر تعتمد على الاستيراد، أما الآن فنادرًا ما نحتاج إلى الاستيراد، وفرق الأسعار بين المحلي والمستورد “فرق السماء من الأرض”، على حد قوله، بخلاف أنه في السابق كان مريض السرطان ينتظر لأشهر وأسابيع للحصول على الجرعة العلاجية الخاصة به، أما الآن فالمريض يحصل على جرعته العلاجية في أقل من أسبوع. مع انتهاء الجولة الأولى داخل أروقة مصنع النظائر المشعة، انتقلنا للجولة الثانية داخل مفاعل أنشاص البحثي الثاني، والذي يبعد عن المصنع قرابة الـ200 متر فقط، وقال الدكتور مجدي زكي، مدير مفاعل أنشاص، إن المسمى الدقيق لمفاعل أنشاص، هو مجمع مفاعل مصر البحثي الثاني، ويشمل “مفاعل أنشاص الثاني ومصنع النظائر المشعة، ومصنع الوقود”. بناكل كشري وطعمية وكل حاجة.. والأكل هنا آمِن عن أي مكان زكي أشار إلى المساحة الشاسعة التي تتمتع بها هيئة الطاقة الذرية بأنشاص، حيث تقدر بـ1400 فدان، وقطرها يعزلها عن العمران بـ1.5 كيلو متر، مما يجعل أي مواطن بمنأى عن أي إصابة في حالة الحريق أو الطوارئ بالمفاعل، بخلاف أن المفاعل يقع بمنطقة صحراوية، تشهد ندرة في محيطها من السكان. لم يرغب زكي في الإفصاح عن أعداد العاملين بمفاعل أنشاص، معللًا الرفض بأنه وفقًا لتعليمات أمنية، بينما اختزل رده على السؤال، بأن الهيئة بصفة عامة، ومفاعل أنشاص بصفة خاصة لديهم الأيدى العاملة والماهرة للتشغيل والصيانة على أعلى مستوى وبأعداد كافية، ويكفي أن نشير إلى أن الهيئة تضم 1500 باحث على درجة الدكتوراه، حسب ما أكده الدكتور عاطف عبدالحميد، رئيس هيئة الطاقة الذرية لـ”التحرير”. “بنأكل كشري وطعمية وكل حاجة.. والأكل هنا آمن عن أي مكان”، هذا ما أكده مدير مفاعل أنشاص، ولا يوجد أي عائق أو مانع للأكل، والمتخصصون يعملون وفقًا لمواعيد عمل رسمية، بينما في حالات الشغل المكثف، يتم عمل شغل إضافي مثل أي وظيفة، قائلًا: “إحنا عادي.. وزي أي حد”. عقب الانتهاء من حديث الدكتور زكي، التقينا المهندس عبدالرحمن أبو العلا، مهندس نووي وتشغيل بالمفاعل، والذي عرف المفاعل بأنه، مفاعل أبحاث، ومتعدد الأغراض، وأغلب الأغراض تتمثل في البحث العملي وإنتاج النظائر المشعة للأغراض الطبية والعلمية، وفي عام 2009 تم تغيير شكل المفاعل، لنستطيع إنتاج النظائر الطبية، ولم يكن موجود سابقًا، وعند إنتاج النظائر الطبية، تم إنشاء مصنع النظائر المشعة، محط جولتنا الأولى. 5 أفراد فقط مسموح لهم بالدخول لقلب المفاعل حيث يتم إرسال العينات المشعة في كونتينر محكم الإغلاق للمصنع، ويتم عمل الإجراءات لاستخراج التكنسيوم لعلاج مرضى السرطان، أو اليود الذي يحقن به المرضى للعلاج من الغدة الدرقية. ومن الصدف الجيدة حسب أبوالعلا، هو أن المفاعل كان يعمل أثناء تواجدنا وبه “باور”، وصدعنا 3 أدوار للدخول لقلب المفاعل، واقتصر الدخول لقلب المفاعل على مجموعة لا تتعدى الـ5 أفراد، وما أن تنتهي تخرج وتدخل مجموعة أخرى، وما أن حان وقت دخول “التحرير”، عبرنا أول باب، وبعده استوقفنا دكتور وائل السيد، مهندس بالمفاعل، والذى طالبنا بارتداء البالطو الأبيض، وارتداء جراب على الحذاء، ولكنه من القماش الأبيض، معربًا عن أنه إجراء مهم عند دخول أي شخص المفاعل، بخلاف أنه تم وضع قياس إشعاع نووي في حجم القلم بأحد الجيوب الداخلية لشخص رافقنا عند الدخول لقلب المفاعل، لقياس نسبة الإشعاع التي حصلت عليها أجسادنا بعد خروجنا من المفاعل، وقياسها إن كانت طبيعية أو غير ذلك، وجاءت طبيعية للجميع في النهاية. المفاعل يعمل 4 أيام متواصلة في الأسبوع  استقبلنا الدكتور إبراهيم عدلي، داخل المفاعل، وكان مكتظا بالمياه ومفتوحا من أعلى، قائلا: “قلب المفاعل يتكون من عدد من المواد والخامات التي يعمل من خلالها، لافتًا إلى إن المفاعل يعمل في الأسبوع لمدة أربعة أيام متصلة، لإنتاج المواد التي تنقل لاحقًا لمصنع النظائر المشعة. كان ختام الجولات، بزيارة مركز المعامل الحارة، وهو المركز المسؤول عن التخلص الآمن من كافة النفايات النووية، وفقًا للقانون المصري، حسب ما صرح به الدكتور عصام صالح زكريا، رئيس المركز، منوهًا بأن النفايات النووية تأتي للمركز من كل الأماكن بمصر “مفاعل أنشاص الثاني – البترول – المستشفيات- المصانع”، ويتم التخلص منها إما حرقًا بالمحرقة الخاصة بالمركز وإما من خلال الضغط؛ بحيث يتم تقليص حجم المواد المشعة للثلث، وبعد ذلك يتم تخزينها بطريقة آمنة 100%. 2 طن نفايات نووية سنويًا وفيما يخص نظام الحرق، فأوضح زكريا أن الحرق يصل لـ2 طن سنويًا، ويتم التخلص من 90% من النفايات، مفسرًا: “لو فيه 100 كيلو في النهاية تتحول لـ10 كيلو”، والـ 10% أو الـ 10 كيلو يتم حفظها بطريقة آمنة بعد ضغطه، مشددًا على أن الجروب المسؤول عن التخلص من النفايات بالحرق أو بالدفن على أعلى مستوى بالعالم، وحاصلين على دورات عالمية، وأغلبهم خبراء بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، لأن الغلطة هنا عواقبها وخيمة، “بموته” على حد قوله. الدفن الأكثر شيوعًا للنفايات واستطرد زكريا في الحديث عن كيفية التخلص من النفايات النووية، فالنفايات ذات الإشعاع العالي يتم حفظها داخل “براميل أو مكعبات” خرسانية ويتم دفنها بمدافن دائمة في أعماق معينة، وفي تكوينات جيولوجية مستقرة، يتم اختيارها بعناية. بينما النفايات ذات الإشعاع المتوسط والمنخفض، وتنقسم إلى نوعين سائلة وصلبة أما النفايات المشعة السائلة، فيتم تجميعها في أوعية خاصة، ويتم عمل قياس دوري لمستوى الإشعاع، وعند وصوله لمستوى مسموح به يتم تصريف النفايات من خلال شبكة الصرف الصحي، وهو ما يسمى بالمعالجة بالاضمحلال، إذا كانت تحتوي على عناصر ذات عمر نصفي طويل، فذلك يستدعي معالجتها قبل التخلص منها، والمعالجة الكيميائية هي الأكثر شيوعًا. بينما فيما يخص النفايات الصلبة، فيتم تحديد مركز التجميع والفرز من حيث قابليتها للاحترق أو لتقليص الحجم “الضغط”، لتسهيل المعالجة والتخلص منها، والنفايات الصلبة التي تشمل عناصر مشعة ذات عمر نصفي قصير يكون بالحرق – الضغط – الدفن، وتعتبر الطريقة الأكثر شيوعًا بالنسبة للنفايات التي يصعب تحويلها إلى نفايات عادية بالدفن بمدافن مغلقة قريبة من سطح الأرض بإحدى النقاط المركزية التابعة للمركز. أشعة إكس أكثر إشعاعًا من النفايات النووية وعن أمان العاملين عند التخلص من النفايات النووية، هنا ابتسم رئيس مركز المعامل الحارة، معربًا عن أنه قادر على النوم بالأيام والساعات هو وزملاؤه دون قلق، مشيرًا إلى أن ما يتعرض له أي إنسان عادي عند مروره على أجهزة “الإكس راي” المنتشرة في ربوع مصر حاليًا، أضعاف ما يتعرض له العاملون بمركز المعامل الحارة عند التخلص من النفايات، كإشارة إلى تأمينهم بشكل كبير.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Cinque Terre

 

 

 

التحرير

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى