الأخبار

حول قانون الأحوال الشخصية لغير المسلمين

103

 

يدور الجدل هذه الأيام حول نص قانون جديد للأحوال الشخصية للمسيحيين, تقدمت به الحكومة, وحاولت فيه إمساك العصا من المنتصف؛ لإرضاء الطوائف الكنسية مع الحفاظ على الحد الأدنى من حق الإنسان في حل علاقته الزوجية وإنشاء علاقة جديدة.

وبعد أن رحبت الروابط والجمعيات التي تدافع عن حقوق المضارين من رفض الكنيسة لتزويج المنفصلين  قضائيًّا، سارعت بعض الجهات الكنسية للاعتراض على نص القانون الذي يبيح الزواج المدني لأول مرة في تاريخ المسيحية في مصر، متعللة بالمادة الثالثة من الدستور ومهددة بالتوجه للمحكمة الدستورية لإبطال القانون.

وبعيدًا عن الجدل الديني حول الأسباب الكتابية (نسبة للكتاب المقدس) للطلاق والذي نسلم بحق كل طائفة مسيحية في إقرار أسبابه, إلَّا أن للمسألة أبعادًا أخرى إنسانية وقانونية.
فالمواطن المصري المسيحي هو إنسان حر طبقًا للدستور، وله كل الحق أن يستمر في علاقة زوجية تناسبه أو يسعى لحلها وتكوين علاقة قانونية أخرى.

ثم إن نص المادة الثالثة الذي يحتجون به موجَّه أصلًا للمشرع لا غيره, فالمشرع هو من يضع القانون لا الطوائف المسيحية, وهذا بنص المادة 101 من الدستور الذي ينص أيضًا على حظر كل صور العبودية والاسترقاق (مادة 89) أفلا يعد إخضاع البشر لسلطة بعض البشر في أدق شؤون حياتهم الخاصة عبودية واسترقاق؟!

ثم من قال: إن المشرع سواء كان مجلس النواب المنتظر أو حتى رئيس الجمهورية, ملزم بتفسير الطوائف المسيحية للشرائع؛ حتى يكون للطوائف حق الاعتراض! أليس من حق المشرع أن يطّلع بنفسه وبفهمه على تلك الشرائع ويصدر في ضوئها القانون, وهو ما يفعله عند وضعه لمختلف القوانين التي يجب أن تتفق وقواعد الشريعة الإسلامية طبقًا للدستور، وللجهات القضائية المعنية أن تراجع تلك التشريعات لمعرفة مدى مطابقتها للدستور والتزامها بأحكام الشريعة (مادة 190 و 192) وهو الأمر الذي صدرت فيه من قبل أحكام للمحكمة الدستورية, وهذا لا يمنع المشرع من الاسترشاد برأي المتخصصين عند الضرورة.
والسؤال الآن: من أعطى الحق لقادة الطوائف المسيحية في وضع أو تعديل أو الاعتراض على قانون يبيح الزواج المدني للمسيحيين, وماذا لو احتج أحد المسيحيين بأنه مسيحي فقط ولا ينتمي لأي طائفة, وماذا لو تم استصدار حكم قضائي بهذا, فهل تنطبق عليه قوانين الطوائف المسيحية أم تلتزم الدولة بوضع قانون خاص له ولأمثاله؟!

ثم ماذا عن أقباط المهجر الذين يخضعون لتشريعات دولهم، التي تسمح بالطلاق والزواج المدني, ولم نسمع أن الكنيسة المصرية طالبت الكونجرس مثلًا بإصدار تشريع يجرم الزواج المدني الأول أو الثاني لأقباط أمريكا, أم أن الاستقواء على أقباط الداخل فقط؟

إن الكنيسة تعلم تأييد غالبية الأقباط لموقفها الرافض للزواج المدني، لكن هذا الشكل من معالجة الأمور مرفوض عقلًا ونقلًا, فهناك أمور لا يعتد فيها برأي الأغلبية، كالعلم والعدل، فلا تبريء المحكمة المتهم لمجرد أن الرأي العام يطلب ذلك, وليس للأغلبية من الأقباط الحق في حرمان أحدهم من حقه في الزواج الثاني خارج إطار المؤسسة الدينية، فحياته ملك له لا ملك الكنيسة, وهذا لا يعني أن يُفرض الزواج الثاني على الكنيسة, بل لها كل الحق في توقيع العقوبات الكنسية على من يخالف شرائعها، كالإيقاف والحرمان، كما أن لها الحق أن تعلّم الناس أن الزواج المدني خطيئة، لكنها لا يجب أن تُخْضِع الناس قسرا لقواعدها ومعتقداتها، فالمواطن خاضع فقط للقانون ولدولة القانون لا لأشخاص لا حيثية قانونية لديهم.

البديل

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى