الأخبار

ثلاثُ علاماتٍ للموت

 

56

 

يس الموت قبرًا وجنازة.. زهد الحياة موت أيضًا.

في لحظات الوداع تخور القوى وتتساقط الحياة عن الجسد كعقارٍ سكندري سرطنته الرطوبة وفساد الذمة، ولا ترى العين في الفضاء سوى سواد الغياب، ولا تسمع الأذن غير صافرة إنهاء موسم الحياة.. ذلك موت للجميع، لكن ثمة موتًا آخر يقتل الحي بألم الحياة.

إليك الفارق بين الموتين:

الأول له غُسل، أما الثاني فلا غُسل له ولا اغتسال.
الموت الأول حقيقة مطلقة.. والثاني “طيفُ كاذب”
الموت الأول يريح من وجع الحياة، والثاني يُعذب الحي في “النار الدنيا”.
في الأول أنت مت ولن تعود، وفي الموت الثاني أنت ميت على قيد الحياة.

للموت الثاني علامات ثلاث من كُنّ فيه مات:

(1)

ليس أكثر من نداءات الموت تسمع كل يوم.. قبض الأرواح زاد.. قوارب الموت تحمل النعوش إلى البر الآخر.
-هل شيعت جنازة زميل الدراسة؟

– وهل مات زميل الدراسة؟.. كان معي بالأمس يحجز قاعة لزفافه على زميلتنا الجميلة.

– أرسل برقية عزاء لأسرتي العروسين ماتا في حادث سير في الطريق إلى القاعة.

تدخل “نوبة كآبة”.. خيالك يستحضر مشهدًا من يوم الرحيل حيث يودعانك بلا عودة، وتتساءل: هل يشعر بي أحد من المشيعين؟ هل تدرك أمي كم أشتاق إلى حضنها؟ هل تتوسل دموع أبي للموت أن يعيدني إلى أسرتي؟..

تستفيق فجأة لتعاود الحياة فيقفز في خيالك مجددًا صوت الهاتف ينقل إليك نبأ رحيل عزيز آخر وثالث ورابع.
يكرر الموت “الأول” نداءاته، ويحصد الأصدقاء والأقارب والزملاء، ويحصد قلوبنا معهم وأرواحنا أيضًا ثم يتركنا أشباحًا طائشة بعينين كاتجاه الحركة في عقارب الساعة.. عين تسير في اتجاه، وعين تسير عكس العقارب.. ننفصم إلى ( ميت-حي)، ونفقد ذكريات الأمس وفرحة اليوم وحلم الغد لتحيا فقط في “سكرة أولى” لموتك الثاني.

(2)

العالم قاسٍ جدًا، لم تعد رائحة الأشياء باقية.. الفيروس الإلكتروني قتل “روح” الحياة.. العالم “القرية” تجري فيه أنهار الدم وتصب في المحيطات رؤوسًا مقطوعة، وأطرافًا متهالكة من الجوع والحصار، والصقور يلعبون مصارعة الثيران ويحشون الحمائم قشًا وتبنًا.

(3)

تعيش في عزلة.. أعلم ذلك جيدًا
بداخلك إنسان محبوس كلما حاول أن يرى النور تصدمه حوائط مظلمة.. صدقك ومشاعرك النبيلة والخير الكامن بدواخلك لا يتناغمون مع البيئة الخارجية.. لديك صعوبة في التواصل مع الناس.. مهما أرضيتهم فلن يرضوا .. ماذا يريدون؟ هل أحببت العزلة وموتها؟ أعتقد أنها تروق لك أفضل من المعارك، إذن فأنت تفضل الموت بعيدًا عن تلك الحياة الشريرة.

في “موت الحي”..
“الطفولة” بائسة بألعاب الموت والرشاشات وأعمدة الدخان وبرودة مخيمات الإغاثة

“العشرين”: سن الهموم المبكرة.

“الثلاثين”: فترة تزدهر فيها قناة الدموع باكية ثلاثة عقود صدأت من العمر.

“الأربعين”: فترة غامضة ومفاجآتها سخيفة.

“الخمسين”: موسم الأوجاع والعقاقير ووصفات الأعشاب.

“الستين”: بدأ الخريف.. أوراق العمر تتساقط ومعها ذكريات الحياة.

أنت ترسم خريطة الحياة والموت الحي.. لا تسعى إلى الموت فسوف يأتيك في الوقت الذي يريده.. ودع من رحل واستودع روحه بداخلك وعش مجددًا.. لا تجهد عينيك في البكاء.. الهواء مخلوق ليسكن رئتيك، والليل ساهر لتحصي نجومه.. انتبه فالأنوف الميتة لا تشم رائحة الزهور.

العالم قاسٍ لأننا لم نتغير، السحابة سوداء لأنك تخنقها بمصانع الموت، والكون صاخب لأنك تحيا بصخب وترقص بصخب وتشرب بصخب، والكون ربما يصلح للحياة فهل أنت صالح للحياة؟

لديك خريطة “ثلاثية الأبعاد” للموت الحي، ومصيران: أحدهما محتوم والآخر أنت حاكمه.

الآن عليك أن تُقرر: هل ستحيا أم تبقى ميتًا على قيد الحياة؟

 

الاهرام

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى