الأخبار

الرقصة الأخيرة للإخوان

 

35

القضية بالنسبة لما تبقى من شتات تنظيم الإخوان الآن، لم تعد أبدًا إنقاذ محمد مرسى من السجن. الأمر يتعلق بمستقبل الجماعة بأثرها، وبفوبيا البحث المجنون عن طوق نجاة، ودعم دولى جديد، يعيدها إلى الحياة السياسية مجددًا. الفشل الذريع للجماعة وحلفائها طيلة الشهور التى تلت سقوط نظام المعزول وأهله وعشيرته، فى إحداث أى تغيير حقيقى لواقع ما بعد 30 يونيو و3 يوليو، أو فى الحفاظ على الدعم الدولى المطلق، أو استفزاز مشاعر شرائح من المصريين للانضمام إلى لواء مظاهرات الفوضى والعنف الإخوانية، ناهيك عن ضرب القيادات المالية والكبرى عبر الملاحقات الأمنية، حولت استراتيجية التنظيم فى اتجاه اختلاق بطولات افتراضية على «فيسبوك» و«تويتر» وغيرهما من نوافذ التواصل الاجتماعى، وذلك من دون أى أساس على الأرض. وبينما انهارت كل الفرص التى حلم الإخوان وأنصارهم باستثمارها فى الفترة الماضية، من أجل هز عرش السلطة، وإفقاد الحكومة، ومن خلفها الشرطة والجيش، لتوازنهم، مثلما حدث فى الذكرى الأربعين للاحتفال بنصر السادس من أكتوبر، علاوة على التأثير الخافت لعنف ميليشيات طلبة الجماعة فى الجامعات، فإنه لم يعد أمام التنظيم سوى مناسبتين أخيرتين، بات يتعامل معهما هو وما يعرف بتحالفه لدعم الشرعية، وكذا تنظيمه العالمى، باعتبارهما الفرصة الأخيرة التى لن تعوض.

 

المناسبة البعيدة هى الذكرى الثانية لمحمد محمود فى 19 نوفمبر المقبل، التى يطمح الإخوان فى أن تتلاحم حشودهم، مع القوى الثورية الغاضبة من حزمة القوانين المقيدة للحريات التى تعتزم حكومة الدكتور حازم الببلاوى إصدارها فى القريب العاجل. فى حين المناسبة الأقرب والأهم لمستقبل التنظيم، هى محاكمة محمد مرسى عن قتل وتعذيب المتظاهرين فى أحداث الاتحادية الأولى، فى 4 نوفمبر.

 

يخطئ من يظن أن الجماعة تسعى للحفاظ على رقبة مرسى، أو أنها ستضار تنظيميًّا إذا ما دخل السجن. الإخوان أنفسهم وضعوا خطة قبل 30 يونيو لمغازلة المصريين والجيش والقوى السياسية بالإطاحة بمرسى نفسه، وتحميله وزر التنظيم طيلة عام من حكم الجماعة، إذا ما تأزمت الأمور. غير أن فيضان 30 يونيو، ومن قبله غباء الإخوان السياسى وغرور تحالفهم الفج وغير الوطنى فى بعض الأحيان مع واشنطن، جرفهم إلى السقوط الكبير. لكن الجماعة تأبى أن يهان رمز حكمها بالظهور خلف القضبان على طريقة مبارك من جهة، ومن جهة أخرى تمنى نفسها بأن تتمكن من التسويق لوجهة نظرها عالميًّا عبر بث أخبار كاذبة وشائعات غير حقيقية عن سير القضية، بحيث يمكن استعادة بعض من التعاطف والدعم الخارجى المفقود. وعليه أصبح الهم الأكبر للتنظيم حاليًا إما إشعال الشارع، بحيث تتعذر إقامة المحاكمة فى موعدها المحدد سلفًا لدواعٍ أمنية، ما يمثل إهانة للدولة، ويعكس فشل أجهزتها وعجزها عن القيام بمهامها، وإما نظر القضية فى موعده، ومن ثم استخدامها للدعاية للإخوان دوليًّا، ولإلهام ودغدغة مشاعر قواعدهم وصنع بطولات من ورق للمعزول وجماعته. الأنباء الواردة من الجماعة، تشير إلى الاتفاق على رفض الرئيس المعزول، وباقى المتهمين فى قضية قتل وتعذيب متظاهرى الاتحادية، للانصياع للمحكمة، بمجرد دخولهم قفص الاتهام. بينما تم التوصل إلى سيناريو أن يهتف مرسى ومن خلفه باقى المتهمين بأنه الرئيس الشرعى، مع منحه الفرصة كاملة للتجاوز بحق هيئة المستشارين انطلاقًا من «شائعة» أن مرسى لا يزال يترأس جميع أجهزة الدولة، بما فيها هيئاتها القضائية والعاملون فيها.

 

كما تم الاتفاق أيضًا على قيام المحامين الإخوان والمتعاونين معهم، ممن سيحضرون الجلسة فى حال انعقادها، بترديد شعارات عن الشرعية الانتخابية لمرسى، والتنديد بعنف الجيش والشرطة ورموزهما تجاه اعتصامات الإخوان، مع رفع صور ولافتات تتعلق بالضحايا، على نسق الصور والأخبار الملفقة من قبل الميليشيات الإخوانية الإلكترونية فى هذا الشأن.

 

المحامون الإخوان ستكون مهمتهم الأولى هى التواصل مع الصحافة الأجنبية، لا لشىء إلا للترويج بأن مرسى لم يوكل من يدافع عنه، لأنه لا يعترف بـ30 يونيو ولا سلطتها، على أمل استنفار منظمات حقوقية دولية لإنقاذ الرئيس السابق، بزعم أنه لا يحظى بمحاكمة عادلة أو محايدة.

 

ورغم أن الجماعة أنفقت عدة ملايين من الدولارات خلال الأسبوعين الماضيين، بدعم من قوى إقليمية، وبتحركات من رموز محسوبة على التنظيم العالمى، وفى مقدمتهم إبراهيم منير، لأجل تنظيم مظاهرات ومسيرات فى عدد من العواصم العالمية، بالتزامن مع مظاهرات إخوانية بالداخل تنديدًا بالمحاكمة، فضلًا عن محاولة إثارة مشكلات وتوترات أمنية فى الشارع لإرباك الجيش والشرطة يوم المحاكمة، على أمل سقوط ضحايا من جانب التنظيم يمكن المتاجرة بدمائهم، فإنها لم تتردد أيضًا فى إنفاق ملايين أخرى، من أجل رفع قضية دولية ضد وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى، فضلًا عن شراء مساحات إعلانية وتحريرية ضخمة بجرائد بريطانية وأمريكية لغسل سمعة المعزول وجماعته وقادتها الكبار، وفى مقدمتهم نائب المرشد العام، المهندس خيرت الشاطر، الذى ينتظر أن ينشر عددًا من المقالات بمجموعة من الصحف الغربية، للترويج للشائعات والأكاذيب الإخوانية.

 

ناهيك عن التنسيق مع عدد من المنظمات الحقوقية الأجنبية فى عدد من الدول الإسلامية بآسيا وأوروبا، وفى مقدمتها ماليزيا وتركيا، فضلًا عن بعض المنظمات الملاكى من غير ذات الوزن أو الثقل فى دول كأستراليا وجنوب إفريقيا وكندا، للتنديد بمحاكمة المعزول ومهاجمة الجيش وسلطة ما بعد 30 يونيو، استنادًا إلى معلومات إخوانية مغلوطة. التحركات الإخوانية تبدو كالعيار الطائش، أى أنها ورغم ضعفها «ستدوش» السلطة لا محالة، فماذا أعدت الحكومة لمواجهة ذلك، أم أنها ستلجأ إلى حلها التقليدى، الذى سبق أن استخدمته فى جامعة الأزهر فى واقعة تأجيل الدراسة بها مرتين، ومن ثم ترجئ محاكمة مرسى حتى إشعار آخر؟!

 

الدستور الاصلى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى