الأخبار

«مصر الثورة» كما تراها هيلارى كلينتون

 

86

 

هى السيدة الأولى سابقاً، وقد تكون أول رئيسة لأمريكا مستقبلاً. وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة فى عهد الرئيس «باراك أوباما» فى واحدة من أكثر فترات التاريخ اشتعالاً. فترة ثورات «الربيع العربى» التى كانت تحظى فى بدايتها بدعم واشنطن، قبل أن يصفها «أوباما» نفسه بـ«الاضطرابات» التى أدت إلى فوضى لم يكن يتخيلها أحد. «هيلارى كلينتون» نشرت مذكراتها. صدرت أمس الأول فى كتاب فى الولايات المتحدة تحت عنوان «خيارات صعبة»، حاولت فيه الوزيرة السابقة أن تنقل شهادتها حول ما جرى على أرض مصر فى فترة توليها وزارة الخارجية. «هيلارى» كانت شاهدة على ثورة يناير، وعلى سقوط حكم مبارك، وعلى ارتباك وتخبط شباب الثورة، ودقة تخطيط صعود الإخوان للحكم. تقول «هيلارى» إنها كانت شاهدة، بينما يقول البعض إن أمريكا كلها كانت «شريكاً» فيما يحدث فى مصر، وهى التهمة التى تنفيها «هيلارى» بإلحاح فى مذكراتها، تماماً كما تنفى أى صلة لها لاحقاً بصعود جماعة الإخوان. تنشر «الوطن» فصولاً من شهادة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة عن الفترة التى انقلب فيها تاريخ مصر. بكل الرتوش التجميلية التى أضافتها «هيلارى» على صورتها، وكل حنكتها السياسية التى تعرف ما الذى تريد تمريره بالضبط لقارئها، مراهنةً على ذكائه أو حتى على غبائه أحياناً. فى النهاية، هذا هو تاريخ مصر من وجهة نظر «هيلارى كلينتون»، وللقارئ الذى عاش بنفسه هذا التاريخ، القدرة على الحكم عليه.

 

تواصل هيلارى كلينتون شهادتها عن الأيام الأخيرة لحكم «مبارك»، والفترة الانتقالية التى أدت إلى وصول الإخوان للحكم بعدها. تقول عن محاولات الإدارة الأمريكية للتواصل مع الرئيس الأسبق فى قبل تنحيه: فى كل الحالات، لم يكن «مبارك» يستمع لأحد، حتى مع تزايد الاضطرابات، وتدهور انفلات سيطرة النظام على البلاد. واقترحت على الرئيس «أوباما» إيفاد سفيرنا السابق فى القاهرة «فرانك ويزنر» ليحمل رسالة إلى «مبارك» يطالبه فيها بإلغاء قانون الطوارئ، وألا يرشح نفسه فى الانتخابات مرة أخرى، إضافة إلى اتفاق بعدم الدفع بابنه «جمال» كوريث له. وعلى الرغم من أن «أوباما» كان قد بدأ يفقد صبره، وأن البعض فى البيت الأبيض قد بدأ يستعد للتخلى تماماً عن «مبارك»، فإن «أوباما» وافق على أن يمنح الأساليب الديمقراطية فرصة أخيرة.

فى 31 يناير، التقى «ويزنر» مع «مبارك»، استمع الرئيس المصرى لرسالتنا لكنه لم يُحرك ساكناً.. كان عصبياً متوتراً ومضطرباً حتى مما يحدث من حوله، لكنه لم يكن مستعداً للتخلى عن السلطة.

كان مثله مثل العديد من الحكام السلطويين الذين سبقوه، لا يفصل بين نفسه وبين الدولة، إلا أن «مبارك» أيضاً كان واقعياً بما يكفى ليدرك أنه لا يمكنه الجلوس فى القصر وتجاهل ما يحدث خارجه، فأرسل نائبه الذى كان مديراً للمخابرات من قبل السيد عمر سليمان، ليقود حواراً وطنياً حول الإصلاحات الممكنة.

وتتابع «هيلارى» فى مذكراتها: كان «مبارك» قد عين عمر سليمان نائباً له بغير حماس، على أمل تهدئة المتظاهرين، لكن لا تعيين «سليمان» ولا الحوار الوطنى الذى أطلقه قد نجح فى طمأنتهم. وبعدها، أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بياناً لافتاً، قال فيه إنه يساند المطالب المشروعة للمتظاهرين، ويتعهد بالالتزام بعدم إطلاق النار عليهم. كان من المفترض أن تكون هذه إشارة شديدة الوضوح لـ«مبارك»، لكى يدرك أنه ما دام الجيش قد تخلى عنه، فلا سبيل أمامه إذن للاستمرار فى السلطة.

وتواصل: وبعد يوم «موقعة الجمل»، اتصلت بنائب الرئيس عمر سليمان، لأوضح له أن مثل هذا القمع العنيف للمتظاهرين أمر غير مقبول. ولم تكرر القيادة المصرية هذا التصرف فى الأيام التالية.

وتنتقل «هيلارى» قى مذكراتها للحديث عن المرحلة الانتقالية التى سبقت وصول «الإخوان» للحكم بعد تنحى «مبارك»، فتقول: خلال تلك المرحلة الدقيقة من انتقال السلطة فى مصر فى انتخابات الرئاسة عام 2012، حاولت الولايات المتحدة أن تحافظ على توازن موقفها، على الرغم من أنها كانت تسير على حبل مشدود، كنا نريد الحفاظ على مصالحنا الاستراتيجية دون أن يبدو أننا نأخذ صف جانب على حساب الآخر، لكن على الرغم من كل جهودنا لنبدو محايدين نلعب دوراً بناء، نظر كثير من المصريين إلى أمريكا بنظرة ليس فيها أدنى قدر من الثقة. كان مؤيدو الإخوان يرون أننا قد دعمنا نظام «مبارك» لوقت طويل، وشعروا أننا ننسق جهودنا مع الجيش حتى نبقيهم بعيداً عن الحكم، فى الوقت الذى كان يخشى فيه معارضو الإخوان من صعود الإسلاميين للحكم، ولمحوا إلى أن الولايات المتحدة قد تآمرت مع الإخوان لإجبار «مبارك» على الرحيل. ولم أفهم كيف يتم اتهامنا بالشىء ونقيضه فى نفس الوقت، كيف ندعم الإخوان ونخدعهم فى آن واحد. لكن من المعروف عموماً أن المنطق لا يمكنه أن يصمد فى وجه أى نظرية مؤامرة مُحكمة الصنع.

هيلارى كلينتون: قلت لـ«مرسى» إنه سيكون عليه أن يحمى بلده وحكومته من الإرهابيين.. فلم يستمع لى

وتواصل: عندما عدت لزيارة مصر مرة أخرى فى يوليو 2012، رأيت شوارع القاهرة تغلى من جديد بالمتظاهرين، هذه المرة لم يكن الغضب المصرى موجهاً ضد الحكومة، لكنه كان موجهاً ضدى أنا، تجمعت الحشود خارج الفندق الذى كنت أقيم فيه، ودخلنا إلى جراج الفندق من المدخل الجانبى بينما الناس يطرقون على السيارات بأيديهم، لم يفعل الأمن المصرى شيئاً لوقفهم، واضطر ضباط الأمن الدبلوماسى الخاص بى إلى إبعادهم بأنفسهم، حتى عندما دخلت غرفتى التى تقع فى الطابق الثانى عشر من الفندق، كانت تصل إلى مسامعى شعارات معادية لأمريكا، وأمضى طاقمى الأمنى ليلة شديدة التوتر وهم يجهزون أنفسهم لإخلاء الفندق فى أى لحظة إذا استدعى الأمر.

وعلى الرغم من أننا تلقينا تحذيرات من وجود مزيد من الاحتجاجات فى الإسكندرية، فإننى أصررت على الذهاب إلى هناك كما كان مخططاً لافتتاح مقر القنصلية الأمريكية الذى تم تجديده هناك. وعند مغادرتنا للحفل، كنا مضطرين للمرور بالقرب من الحشود الغاضبة. وكانت النتيجة أن تلقت فيكتوريا نولاند، المتحدثة باسمى، ضربات بالطماطم فى رأسها، ولوَّح رجل بحذائه أمام نافذة سيارتى بينما انسحبنا نحن فى طريقنا للمطار.

فى القاهرة، عقدت عدة لقاءات منفصلة مع محمد مرسى، الرئيس الجديد، وعدد من قادة الجيش، جلست أيضاً مع مجموعة من الأقباط فى السفارة الأمريكية، وأعربوا لى عن قلقهم مما يحمله المستقبل بالنسبة لهم ولبلادهم. لقد كان من أكثر المشاهد تأثيراً فى ثورة ميدان التحرير، هو مشهد المتظاهرين المسيحيين عندما شكلوا دائرة لحماية المسلمين خلال الصلاة، وفعل المسلمون نفس الشىء خلال قداس المسيحيين. لكن تلك الروح لم تستمر للأسف، فبعد تنحى «مبارك» بشهر، جاءت التقارير من محافظة «قنا» لتقول إن جماعة من السلفيين قطعوا أذن مدرس قبطى وأحرقوا سيارته وبيته. وتبع ذلك عدة هجمات مماثلة. لقد ضاعف انتخاب «مرسى» رئيساً للبلاد من مخاوف المجتمع القبطى فى مصر.

الحكم كان فوق مستوى قدرات الرئيس الإخوانى لكنه وقع فى غرام السلطة التى التهمته فى النهاية

وتنتقل «هيلارى» فى كتابها للحديث عن واحدة من أكثر النقاط إثارة للجدل حولها، وهى اتهام كثيرين لمساعدتها «هوما عابدين» بأنها تنتمى لعائلة إخوانية، وأنها قد تكون حتى عميلة لتنظيم الإخوان الدولى، اخترقت الإدارة الأمريكية من قلب مكتب وزير الخارجية السابقة. تقول «هيلارى» فى مذكراتها: فى أحد تلك الاجتماعات مع ممثلى المجتمع فى مصر، أثار أحد الحاضرين نقطة شديدة الاستفزاز بالنسبة لى، اتهم ذلك الرجل مساعدتى الموثوقة والمسلمة هوما عابدين، بأنها عميلة سرية لجماعة الإخوان، وهو الادعاء الذى تروج له بعض الدوائر اليمينية السياسية، والشخصيات الإعلامية الأمريكية غير المسئولة، بمن فيهم أعضاء من الكونجرس، وظهر هذا الادعاء الآن فى وجهى فى القاهرة.

لم أكن لأترك ذلك ليمر، وقلت للرجل بعبارات واضحة لا لبس فيها إن هذا غير صحيح، وبعد دقائق من النقاش والحرج، اعتذر الرجل، لكنه سألنى عن السبب الذى يدفع أحد أعضاء الكونجرس الأمريكى إلى ترديد هذا الادعاء لو لم يكن صحيحاً، فضحكت وقلت له إنه للأسف هناك الكثير من الأكاذيب التى تسرى فى أروقة الكونجرس الأمريكى. وبعد الاجتماع، اتجهت «هوما» إلى الرجل، وعرفت نفسها له بأدب، وعرضت عليه أن تجيب عن أى أسئلة تدور فى ذهنه بشأنها. أما أنا، فكنت من داخلى أشعر بالغضب من الهجوم على «هوما» الذى يشنه كثير من أعضاء الكونجرس الجهلة، كما كنت أشعر بالتقدير للسيناتور الجمهورى «جون ماكين» الذى عرف مساعدتى لسنوات، ودافع عنها بقوة فى مجلس الشيوخ.

وتواصل «هيلارى»: وفى لقاءاتى مع ممثلى المجتمع القبطى، قلت لهم بوضوح إن الولايات المتحدة مستعدة للعمل مع القادة الذين يختارهم الشعب المصرى، لكن شراكتنا مع هؤلاء القادة ستكون قائمة على مدى التزامهم بحقوق الإنسان وضمان الحريات الدينية، والمبادئ الديمقراطية.

وتقول وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة عن فترة حكم مرسى: للأسف، أثبتت الشهور التالية أن مخاوفى حول عملية الانتقال الديمقراطى فى مصر كانت فى محلها، لقد أحكم الإخوان قبضتهم على السلطة، لكنهم فشلوا فى أن يحكموا بطريقة شفافة تستوعب كل أطياف وتيارات المجتمع، واصطدم الرئيس مرسى بشكل مستمر مع السلطة القضائية، وسعى لتهميش معارضيه السياسيين بدلاً من بناء توافق وطنى شامل، بل إن محمد مرسى لم يفعل سوى أقل القليل لتحسين الاقتصاد، وسمح بأن يستمر اضطهاد الأقليات بمن فيهم الأقباط، على الرغم من أنه فاجأ بعض المتشككين فى حفاظه على معاهدة السلام مع إسرائيل، وبمساعدتى فى التفاوض على اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة فى نوفمبر 2012.

ووصلت «هيلارى» فى كتابها إلى اللحظة التى خرج فيها المصريون بالملايين فى 30 يونيو 2013 ضد حكم «مرسى»، لترسم من تلك اللحظة رؤيتها لمستقبل مصر، فتقول: وفى يوليو 2013، خرج ملايين المصريين إلى الشوارع احتجاجاً على تجاوزات حكومة «مرسى»، وتدخل الجيش للمرة الثانية بقيادة الفريق عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع الذى تولى المنصب بعد المشير طنطاوى، وبدأت حملة عنيفة مجدداً ضد الإخوان. ومع بدايات عام 2014، لا تبدو آمال الديمقراطية فى مصر مشرقة، فـ«السيسى» يترشح للانتخابات الرئاسية أمام معارضة هامشية، ويبدو أنه يتبع نموذج «الرجل القوى» المعروف فى الشرق الأوسط، ثم إن العديد من المصريين قد أصابهم الإجهاد من حالة الفوضى المتواصلة وصاروا على استعداد للعودة إلى الاستقرار.

على أن «هيلارى» لا تتوقع أن يعود أى حكم عسكرى إلى مصر بالشكل الذى كان عليه أيام «مبارك»، وتواصل: لكن لا يوجد ما يدعو إلى الظن بأن أى حكم عسكرى يمكنه أن يحافظ على الحكم بأكثر مما كان الحال عليه أيام «مبارك»، لو أراد ذلك، فعليه إذن أن يكون أكثر احتواء، ومتحملاً أكثر للمسئولية تجاه احتياجات الشعب، وفى النهاية، أكثر ديمقراطية، فالواقع أن الاختبار الحقيقى لمصر وباقى الدول فى الشرق الأوسط سيكون ما إذا كانت تلك الدول قادرة على بناء مؤسسات ديمقراطية تحافظ على حقوق كل مواطن، فى الوقت الذى تضمن فيه الأمن والاستقرار فى مواجهة الأعداء القدامى، وكل ذلك مع تجاوز كل الانقسامات الدينية والفوارق الاقتصادية والاجتماعية والجغرافية. صحيح أن هذا لن يكون سهلاً كما أثبت التاريخ الحديث، لكن البديل سيكون الوقوف وتأمل المنطقة كلها تواصل الغرق فى بحر من الرمال المتحركة.

حاكم مصر المقبل عليه أن يتحمل مسئولية احتياجات الشعب وأن يكون أكثر ديمقراطية لو أراد الاستمرار فى الحكم

وأفردت «هيلارى» مساحة من كتابها للحديث عن التحدى الأمنى الأكبر فى عهد «مرسى»، وهو اضطراب الأوضاع الأمنية فى شبه جزيرة سيناء. وكانت تلك هى النقطة التى أثارت فيها وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة مع الرئيس المصرى الأسبق مسألة مواجهة التنظيمات الإرهابية المتطرفة التى لم يظهر «مرسى» قلقاً بشأنها، الأمر الذى أثار دهشة وريبة «كلينتون» فى وقت واحد. تقول فى مذكراتها: فى سيناء مثلاً، وفى فترة حكم «مبارك»، كان المصريون يحكمون قبضتهم بشكل معقول على تهريب الأسلحة عبر الأنفاق الحدودية إلى غزة، وكانوا يتعاونون بشكل جيد مع إسرائيل فى هذا الصدد، على الرغم من أن «حماس» كانت تنجح فى شق أنفاق تحت الحدود حتى قلب الأراضى المصرية. وبعد سقوط نظام «مبارك» ووصول الإخوان للحكم فى مصر، أصبح عبور الحدود المصرية من وإلى غزة أمراً أكثر سهولة.

وفى الوقت نفسه، بدأت السلطات المصرية تفقد سيطرتها على شبه جزيرة سيناء التى تبلغ مساحتها 23 ألف كم مربع. إن سيناء موطن لقبائل من البدو ومن الرُّحَّل، استغلت تلك القبائل البدوية التى تعرضت للتهميش طويلاً فى عهد «مبارك» تلك الفوضى التى أعقبت الثورة بالضغط للمطالبة بمزيد من الدعم الاقتصادى من الحكومة، ومزيد من الدعم من قوات الأمن، ومع تزايد وقوع سيناء فى هوة الخروج عن القانون، بدأ المتطرفون الذين لهم علاقة بتنظيم «القاعدة» ينظرون إلى سيناء باعتبارها جنة آمنة لهم.

وتحكى «هيلارى» عن اللحظة التى حاولت أن تفهم فيها النظرة التى يرى بها الرئيس «مرسى» تهديد تنظيم القاعدة على مصر، فتقول: فى واحد من اجتماعاتى الأولى مع الرئيس المصرى الجديد «محمد مرسى» سألته: ما خططك لمنع تنظيم القاعدة وغيره من المتطرفين من محاولة زعزعة أمن مصر، وسيناء تحديداً؟ وكان رده علىَّ هو: ولماذا يفعلون ذلك؟ لدينا الآن حكومة إسلامية فى مصر. والواقع أن كون «مرسى» يتوقع دعماً ومساندة من الإرهابيين هو أمر يكشف إما عن سذاجة، أو عن درجة صادمة من الشر. فقلت له: أنا لا تعنينى مواقفك. الإرهابيون سوف يلاحقونكم، وسيكون عليك عندها أن تحمى بلدك وحكومتك. لكنه لم يلقِ إلىَّ آذانا صاغية.

وتتابع: فى أغسطس 2012، كان التهديد الذى يفرضه الوضع فى سيناء قد وصل لمرحلة لا يمكن إنكارها. وفى مساء يوم أحد، شنت مجموعة من المسلحين الملثمين، وصل عددهم إلى 35 مسلحاً، هجوماً على مركز للجيش المصرى قرب الحدود مع إسرائيل وقتلوا 16 جندياً. وسرق المتطرفون يومها مدرعة مسلحة وشاحنة وحمَّلوها بالمتفجرات واتجهوا بها ناحية إسرائيل. انفجرت الشاحنة قبل عبورها للمعبر الحدودى مع إسرائيل، بينما قصف الطيران الإسرائيلى المدرعة المسلحة. وعلى الرغم من أن المواجهة لم تستغرق أكثر من 15 دقيقة، فإن هذه الحادثة قد هزت مصر وإسرائيل بعنف. وبعد المأساة، وبدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، زادت مصر من جهودها لمحاربة الميليشيات فى سيناء، بما فى ذلك استخدام الضربات الجوية ضدهم، إلا أن المنطقة ظلت مع ذلك غير مستقرة إلى حد كبير. وتلخص هيلارى كلينتون، فى مذكراتها، رأيها عن الرئيس الإخوانى الذى لم يصمد لأكثر من عام فى حكم دولة بحجم مصر، فتقول: الواقع أن محمد مرسى كان سياسياً غير معتاد. دفع به التاريخ من كواليس الغرف الخلفية إلى كرسى الحكم. ويمكن القول بأنه، من نواحٍ عديدة، كانت الأمور من حوله أعلى من مستوى قدراته، فى الوقت الذى كان يحاول فيه هو أن يتعلم كيفية الحكم من الصفر، وفى ظروف بالغة الصعوبة. إلا أنه من الواضح أن «مرسى» قد وقع فى غرام السلطة التى يمنحها إياه منصبه الجديد، واجتذبته رقصة السياسة قبل أن تلتهمه فى النهاية، لكننى كنت أشعر بالارتياح لأنه كان، عند الحديث عن اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة على الأقل، قد بدا لى مهتماً بأن يلعب دور الرجل الذى يعقد الصفقات، أكثر من اهتمامه بأن يكون ديماجوجياً. وتجمعنا فى مكتبه مع مجموعة صغيرة من مستشاريه، وبدأنا نناقش تفاصيل وثيقة اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة، وبدأنا نراجعها سطراً بسطر.

 

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى