الأخبار

الموسيقى الهندية الكلاسيكية

 

64

 

طالما كانت الموسيقى إحدى الطرق التي استخدمها الإنسان لمخاطبة الروح البشرية، ولطالما اشتهر القطر الهندي بحضارته العريقة، وحين تمتزج عراقة التاريخ مع حديث الأرواح ينتج للحضارة البشرية كنز من الموسيقى الأكثر زهوًا في التاريخ.

فالموسيقى الهندية الكلاسيكية تعتبر من الأكثر تعقيدًا على مستوى العالم، حيث أنها تعتمد على الكثير من القوانين لكي تخرج في شكلها اللأصيل، بل وتعتمد أيضًا على الحالة النفسية للعازف، والبيئة المحيطة به، فهذه الموسيقى تعتمد في المقام الأول على الروحانيات.

1

المعتقد الهندي في أصل النغمات

قد نكون على علم بأسماء النغمات الرئيسية في الموسيقى، والتي يعرفها الكل بـ«دو- ري- مي- فا- صول- لا- سي» ، وتستخدم هذه الرموز في شتى بقاع الأرض، ولكن يظل الموسيقي الهندي يحتفظ برموزه الخاصة في الموسيقى، فتسمى بالهندية: «سا – ري – جا – ما – با – دها – ني».

ويُعتقد أن كلًا من النغمات السبع قد استخلص من سبع أصوات في الطبيعة، فـ«سا» تأتي من صوت الطاووس، و«ري» تأتي من صوت طائر القبرة، بينما «جا» تأتي من صوت الماعز، و«ما» من صوت طائر البلشون «مالك الحزين»، أما «با» فتأتي من صوت طائر العندليب، و«دها» تأتي من صوت الحصان، وأخيرًا «ني»، وتأتي من صوت الفيل.

كما يراعي العازف الهندي امتزاج الألوان في خياله كما امتزاج الأصوات في أذنه، فحسب المعتقد الهندي، تمثل كل نغمة لونًا معينًا في الطبيعة، فـ«سا» تمثل لون ورق زهرة اللوتس، و«ري» تمثل اللون الأحمر، بينما تمثل «جا» اللون الذهبي، وتمثل «ما» لون بدرة معدن الكوندان، أما «با» فتمثل اللون الأسود، و تمثل «دها» اللون الأصفر، وأخيرًا «ني» والتي تمثل كل هذه الألوان مجتمعة.

“االراجا” .. قلب الموسيقى

تُبنى المقطوعة الموسيقية الهندية على نَظم بعض النغمات بقواعد معينة، من اختيار نغمات دون شقيقاتها، او حتى في طريقة رصف النغمات بجانب بعضهن البعض، وهذه القوانين تكمن بين جنبات الـ«راجا».

رافي شانكار - أرشيفية

رافي شانكار – أرشيفية

فحسبما يقول رافي شانكار، أسطورة الموسيقة الهندي، وعازف آلة السيتار، إن الراجا ليست نطاق نغمي «scale»، أو لحنًا موسيقيًا، بل هي حالة خاصة من امتزاج النغمات بطريقة معينة صعودًا وهبوطًا على نغمات السُلم، ولكل راجا صوتها المميز، ومشاعرها الخاصة.

كما يوضح أيضًا شانكار، الرجل الأخير من جيل العظماء، والذي تتلمذ على يد الموسيقي الهندي الأعظم، بابا علاء الدين خان، في أحد اللقاءات مع التليفزيون الأمريكي، في واحدة من الجولات العديدة التي يقوم بها لينشر هذه الثقافة حول العالم، أن أعداد الراجات تكاد تكون لا نهائية، وأن الإنسان يحتاج عمرًا كاملًا لكي يلم بكل الراجات، ولن يكفيه.

 قُل لي كم الساعة .. أقول لك ماذا تسمع

تتفاعل الموسيقى الهندية الكلاسيكية مع المشاعر بشكل مريب للوهلة الأولى، لدرجة أن نظام تصنيف الراجات يعتمد على مشاعر الإنسان خلال الأوقات المختلفة، سواء خلال اليوم الواحد، أو خلال فصول السنة.

فتصنف الراجات على حسب التوقيت، فتقسم إلى  ثمانية أقسام تسمى بالـ«براهار»، حيث يتكون كل «براهار» من ثلاث ساعات، فيبدأ الـ«براهار» الأول من الساعة الثالثة صباحًا وحتى السادسة صباحًا، و ينتهي اليوم بالـ«براهار» الثامن من الساعة الثانية عشر منتصف الليل وحتى الثالثة صباحًا ليتم الأربع وعشرون ساعة.

ويلاحظ بشكل تقشعر له الأبدان، أن الراجات التي تعزف في أوقات الصباح، كراجا «أهير يهايرافي» مثلًا، تحتضنك بنغمات تكاد تشم رائحة الصباح فيها.

بينما حين تسمع راجا «بايراجي» خاصة الصباح الباكر تشعرك وكأنك ترى شروق الشمس ولسعات الهواء البارد تخبط جبينك.

أما فترة الظهيرة فلا خير من تمثلها إلا راجا «مادهوفانتي» التي تشعرك بلسعات الشمس الحارقة، وصخب المدينة من حولك في وقت عنفوانها.

 

وفي عذوبة الليل لا تجد أفضل من راجا «يمان» لتضفي عليك برومانسيتها الساحرة.

الغوص في بحر الموسيقى الهندية رحلة شيقة لن تندم أبدًا على خوضها، فهي رحله لأعماق أعماق النفس لتغذيها بنغمات من الخيال الواقعي الذيذ. وأكاد أجزم أن مولانا جلال الدين الرومي حين قال: “الموسيقى صوت أزيز أبواب الجنة”، كان يقصد الموسيقى الهندية الكلاسيكية. فاصنع لنفسك معروفًا وانطلق سابحًا في عالمها، لعلي ألقاك على أحد شطئانها.

اونا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى