الأخبار

حقيقة ناصعة السواد !

152

 

 

يدعو الناس بالستر لأنفسهم ولأحبائهم، وهي ربما من أحب الدعوات إلى القلب. فقد يرى الإنسان أن من غير الحكمة أن يعرف الآخر عن أخطائه أو تفاصيل حياته أكثر مما يجب، على الأقل لتبقى صفحتنا ناصعة أمام الغير. ولهذا يسعى كثيرون إلى الإبقاء على مسافة أمان بعيدا عن أعين الناس، بل وبعيدا عن أعين الذت، فالحقيقة المطلقة دون رتوش قادرة أن تضعنا في مواقع لا نحبها ليس فقط أمام الناس الذين سيذكروننا بعيوبنا متى أرادوا، بل وأمام أنفسنا للإبقاء على احترام الذات، لذلك نحن نهرب من حقائق كثيرة للإبقاء على صورة مثالية.
كثيراً ما تكون الحقيقة ثقيلة دم من الأفضل أن تتوارى، مادام أنها لا تضر الآخرين ولا تعنيهم بشكل مباشر. وهي ثقيلة أيضاً إذا ما عرفنا أن ما نلهث لمعرفته ونجهد في البحث عن إجابة له، سيكون في لحظة ما كفيلا بمنحنا مزيدا ً من خيبة الأمل.
مللنا من الحقائق في زمن صار فيه الخيال مرفأ الأمان الوحيد، ومنفذاً للهروب من ضائقات كثيرة. وفي سعينا للتخفف من الحقائق تقبلنا، طوعاً، الأكذوبة المغلفة في ورق براق لأنها تريحنا من نزف مزيد من الأعصاب.. أعصابنا التي لم يعد بإمكاننا أن نهدرها بعبث ولا يمكن أن تشترى أو تباع أو تستبدل في الأسواق ان انتهت صلاحيتها أمام مزيد من الحقائق.. إنها حقائق خشنة وقادرة أن تتربص بحياتنا وتتحدىقدرة احتمالنا لها.
أتذكر كلمات للكاتب والفيلسوف الراحل أنيس منصور أن الناس لهم أنياب وأظافر وأعماقهم في لون شوارع زمان عندما كان الزفت يغطيها ناعما لامعا‏..‏ إنها الحقيقة الناصعة السواد!.
الحقيقة أننا لم نعد نسعى إلى الحقيقة، في زمن التعب صرنا نرضى بأكاذيب ذات رائحة عطرية..
كثيرون تهاوت حقيقتهم أمامنا كمسبحة انفرطت من يد منافق، وكثيرون حقيقتهم أمام الناس لا تمت إلى الحقيقة بصلة. إنه زمن الرّداءة.

 

الرأى

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى