الأخبار

القصة الكاملة لـ”عريس الدقهلية” الشهيد

 

152

“أنا مستني دوري”.. ثلاثة كلمات كتبها “محمود طه” عبر صفحته على فيسبوك، ناعيا زميل له في سلسال الدم بسيناء، اضجر وقتها شقيقه “محمد” من نية “محمود” النقيب في أحد كتائب رفح بسيناء، عنفه باتصال تليفوني “أنت عايز توجع قلبنا يا أخويا؟”، ابتسم النقيب، وقال “هو حد يطول الشهادة؟ أنا مستنيها”، لم يعرف أن بعدها القدر سيجمعه بزميله.”محمود طه”، شاب تجاوز الخامسة والعشرين بقليل من الشهور، بالنسبة لنا رقم جديد في تعداد ضحايا الإرهاب في سيناء، وبالنسبة لأهل قريته طنامل مركز أجا بمحافظة الدقهلية “عريسا” بوصف شقيقه “محمد طه”، كانوا بالأمس يزفونه للجنة، وسط جنازة عسكرية، يقول شقيقه أن الزغاريد كان تزف الشهيد، والأم كانت تزف فلذة كبدها للموت بقطع الشكولاتة، حزنا وفرحا.

بشرة سمراء، كأغلب المصريين، حافظا بلاده بين جنبيه، تدرج في الكلية الحربية حتى تخرج وأصبح “ظابط حربية”، دفعة 103، منذ أن ارتدى البزة العسكرية تمنى الشهادة، تخرج من سلاح المدرعات دفعة 280، خدم بالإسماعيلية ثم العريش، كان بشهادة قادته مثالا للكفاءة العسكرية، وخطابات شكر من وزير الدفاع وحتى قياداته بالكتيبة، طلب بنفسه الذهاب للخدمة في رفح، بؤرة النار في سيناء.

150 بؤرة إرهابية بسيناء، تم كشفها بحسب حديث الرئيس عبد الفتاح السيسي للمصريين، عقب كلمة السيسي بساعات كانت بؤرة أخرى في الاستعداد لحصد روح “محمود” وزميله ملازم أول “عبد القادر مجدي” من المنوفية، والجنديين أحمد فهيم ومحمد بخيت، في قصة بطولة تناقلت بين أهل قريته، بعد أن كشفت الكتيبة 6 عبوات ناسفة في طريق “طويل الأمير” برفح، بعد أن تم تحديد أماكنها بالرشاشات، وأبت الكتيبة العودة إلا بعد اكتشاف القنبلة السابعة، خشية أن تصيب مجموعة أخرى، بحسب رواية العميد محمد سمير المتحدث العسكري، من خلال صفحته على موقع فيسبوك.

بخطوات حثيثة تجمع الإيمان بالوطن وضرورة الحفاظ عليه، تقدم “محمود” مع “عبد القادر” والجنديين من الدبابة التي يستقلونها من أجل الكشف على القنابل، كانت القنبلة السابعة من نصيبه للانفجار، لتمنحهم الشهادة في سبيل الوطن، ضاربين المثل في التضحية والعطاء، كانت لهم في الأسبوع الماضي بقيادة “محمود” أيضا فرصة للقبض على مجموعة أسلحة ورشاشات من أيدي تكفيرين، “إحنا مش هنرجع إلا لما نطهر سيناء بإذن الله لأهلها”.. أمنية رددها النقيب الشهيد لشقيقه.

دموع تختلط بذكريات الونس بينهما، “كان أخويا الصغير أصغر مني بسنتين، بس دايما بحس أنه أكبر مني”، يسرد الشقيق ذكريات الشهيد، ضحكة لم تفارق فاه، “إحنا الحمد لله بخير وتمام”، رد بات مكررا من النقيب لأهله كلما سمعوا عن تفجير جديد، حين يباغتوه باتصال تلفوني للاطمئنان عليه، حب للعسكرية، تضحية للوطن، صوم أصبح عادة في يومي الاثنين والخميس، دعاء لم يفلت من لسانه للوطن، انضباط في العمل دفع به لثقة قياداته، قرابة الثلاث سنوات في الخدمة بسيناء.

“العريس الشهيد” لم تكن تسمية عابرة تزفه بجنازته بالأمس، فالنقيب كان يستعد لزفافه في أغسطس القادم، منزل بالقاهرة كان يعده حتى السبت الماضي، “كان بيجهز لدخول الكهرباء والميه في شقته”، قبل استشهاده الأربعاء، وحفل عيد ميلاد أخير جمعه بخطيبته وابنة خاله “منى”، حين قال لها “مش يمكن معملكيش عيد ميلاد تاني”، يسرد شقيقه وسط دموعه “كان قلبه حاسس بالشهادة”، وحزن خالطه عدم التصديق للعروس المكلومة.

“إحنا أجناد مصر.. إنا على الأرض أعزاء أو تحت الأرض شهداء”.. كلمات أخيرة كتبها الشهيد عبر حسابه، زفاف لصديق دراسته “رضا”، كان في آخر زيارة له لبلدته “أنا اللي هزفك يا صاحبي”، مستقبل أحلى تمناه لأرض الفيروز، لم يلحق ليراه وسط “حرب الإرهاب” التي كان أحد ضحاياها، “واجب عزاء” رفض أخذه زملائه بعد أن عقدوا العزم على عودة حق الشهيد البطل.

جسد زفته البلدة للشهادة وهو ملفوفا بعلم مصر من مسجد الثورة بوسط قريته، صلاة جنازة بحضور أهله وزملائه في الجيش، هتافات يذكرها الشقيق مناهضة للإرهاب، وتتعهد بالراحة للشاب الذي تمنى أداء العمرة في أيامه الأخيرة، سمعة طيبة وتواضع وسط زملائه الأقل منه بالجيش، ومطالب بالقصاص لا تنتهي وسط سيرته الطيبة.

 

 

 

 

 

شبكة مصر الاخبارية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى