الأخبار

ارتباك الوعى

186

 

 

أى شخص يستطيع أن يفعل أى شىء بأى وسيلة فى أى وقت لإحداث أى تأثير فى مصر!

نحن البلد الوحيد فى العالم، الذى يتحدث فيه غير المتخصص فى أى موضوع ليقول أى كلام!

فى مصر غير الطبيب يتحدث عن الجراحة، والذى لم يدخل فصلاً دراسياً واحداً فى شئون الدين يتصدى للفتوى فى أعقد الأمور، وأى مدخن شيشة على مقهى بلدى يمكن أن يصبح خبيراً أمنياً أو مفكراً استراتيجياً.

نحن البلد الوحيد الذى يتحول فيه الإعلامى إلى ناشط إعلامى يقف أمام الكاميرا ليلقى على الناس ما تيسر من آرائه الشخصية.

نحن البلد الوحيد الذى يمكن فيه للسباك أن يتحول إلى هندسة البناء، ويمكن فيه للميكانيكى أن يتحول إلى باشمهندس.

كل واحد باشمهندس، وكل ضابط سابق خبير أمنى أو استراتيجى، وكل صاحب مال رجل أعمال، وكل ذى منصب «بك» و«باشا»، وكل مدعٍ «من الكبار الواصلين فى البلد»، وكل جميلة ملكة جمال، وكل من يحمل كاسيت هو صحفى، وكل من تعامل مع البورصة مرة هو خبير مالى. نحن نعيش حالة من الوهم الكبير والتزييف المستمر للوعى العام، والسطو الكامل على الحقوق الأدبية للمناصب والمواهب والألقاب والإبداعات.

هذا الوضع الذى يتم فيه الاعتداء على قيمة البشر ومراكزهم، يؤدى إلى خلل حاد ومخيف فى مدرسة الثواب والعقاب وقيم النجاح والفشل فى المجتمع.

باختصار نحن بحاجة إلى أن نعرف بالضبط من هو العالم ومن هو الجاهل، ومن هو رجل الأعمال ومن هو النصاب، ومن هو الخبير ومن هو المدعى، ومن هو الشريف ومن هو الحرامى، ومن هو الصحفى المتخصص ومن هو بائع الكلام.

الناس فى الشارع تقول: «إحنا ماعدناش عارفين مين صح ومين غلط». هذه الحيرة هى أمر شديد السلبية، وهى تهديد خطير لقدرة الرأى العام على التمييز بين الأضداد.

لقد ساهمنا جميعاً منذ ثورة 2011 فى جريمة إرباك الوعى الجمعى للمواطن المصرى.

أهمية هذه المسألة، أن هذا الإرباك وهذا التشويش يصعب معه للغاية قدرة الجماهير على الحكم على معركة الرئاسة المقبلة وعلى التمييز الواعى بين برامج ونوايا وتصريحات المتنافسين.

صدقونى إنها مسألة خطيرة للغاية.

 

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى