الأخبار

تمنيت التوفيق لـ«الفيل الأزرق»

 

146

 

لا أخجل من التعاون مع سيناريست أو مخرج فى بداية المشوار .. فالأفكار الجيدة لا ترتبط بسن

– لا أستسلم تماما للمخرج لكن من الممكن دائما أن أكون جزءا من الرؤية

– السينما تعطينا الأمل فى عالم كثرت فيه الصراعات.. ولن أرفض تجسيد المشاهد الخطيرة إذا كانت مهمة للدور

الحوار مع النجمة الفرنسية الكبيرة إيزابيل هوبير له مذاق خاص، حتى لو لم يتجاوز 20 دقيقة، كنت أراها دائما من أعظم الممثلات اللاتى ينتمين لمدرسة الصدق فى الأداء، والعمق فى التعبير، والشفافية فى الطلة، كانت تلقى أمامى وأنا أشاهدها على الشاشة بطوفان من المشاعر التى تخفى وراءها قلبا ينبض حياة هى مثل حياتنا أحيانا أبيض وأسود وأحيانا أخرى رمادية اللون، وتلك كانت السمة العظمى للون وفكر وأحلام وآمال وأوهام شخصياتها التى جسدتها على الشاشة، لكنها فى كل مرة كانت تكسوها ببريق حضورها وادائها ولا تملك من الامر شيئا سوى الابهار بها.

فور علمى بحضورها لرئاسة لجنة تحكيم مسابقة المهرجان الدولى للفيلم بمراكش، طلبت لقاءها، وعندما علمت بأنها حددت لى موعدا، كنت سعيدا للغاية، فسوف ألتقى «معلمة البيانو» وجها لوجه وكان يكفينى ذلك، حتى لو لم أستطع ــ بحكم ضيق الوقت ــ أن ألقى عليها بكل أسئلتى عن تجاربها وأدوارها المهمة التى أبهرت الجمهور والنقاد وحاذت على معظم الجوائز الكبرى، ورحلتها الفنية الثرية وشهاداتها على المخرجين الكبار الذين عملت معهم.

• فى نهاية حوارى معها سألتها الآن وبعد هذا المشوار.. كيف ترين حياتك ما ظهر منها على الشاشة أو خارجها؟

ــ نظرت لى قبل أن تبادرنى: هل شاهدت أفلامى.. ماذا تقول عنى؟ السؤال كان مفاجأة، ابتسمت وقلت: نجمة كبيرة.. ممثلة قديرة، مفعمة بالمشاعر والأحاسيس عشقنا تنوع أدوارها وتجسيدها لنماذج حملت أوجاع وأحلام شخصيات عصرها فى إبداع فنى كبير، فلم أنس أبدا أفلام مثل «معلمة البيانو» لمايكل هاينكى، ودورك فى فيلم «فيولييت» لكلود شابرول، حيث فزت فيهما بالسعفة الذهبية افضل ممثلة فى مهرجان كان، وايضا تجسيدك الرائع لمرأة من الطبقة العاملة فى «قصة النساء»، وأم فى قصة سفاح مع ابنها فى «أمى».

وسألتنى من جديد : ثم ماذا؟، هنا سكت، ونظرت أنا هذه المرة فى عينيها، أنتظر كلامها، شعرت أنى عدت بها إلى الوراء، ووجدت وجهها يعكس زمنا بدون شك هو زمنها، أيقنت ان ابتسامتها الدافئة تخفى وراءها أشياء أخرى ربما لن تحكيها لى، فتلك هى المرة الأولى التى ألتقيها.

وقالت النجمة الفرنسية ايزابيل هوبير بعد أن أخذت رشفة من كوب الماء الذى تضعه أمامها وتمسك به طوال الحوار: أنا راضية عن حياتى ومشوارى الفنى، فقد عرفت مخرجين عظاما، مثل جان لوك جودار، كلود شابرول، فرانسوا اوزون، مايكل هانيكى، ويس أندرسون، كلير دينيس، ديفيد O. راسل، وروبرت ويلسون، موريس بيالا، بينوا جاكوب تعاملت معهم، واستمتعت كثيرا، ونجوم أعتز برفقتهم فى افلام، عرفت عوالم عديدة لبشر عاديين، وتعلمت فى حياتهم، من مشاعرهم من علاقاتهم بالدنيا، من نظرتهم لأنفسم، نعم كانت لحظات الألم حاضرة، لكن كان الامل حاضر ايضا، كما قال جيرمى ايرونز ان السينما تعطينا الأمل.

تصمت ايزابيل ثم تواصل: آمل فى عالم كثرت فيه الهمجية، ووقت كثرت فيه الصراعات، السينما يمكنها ان تعطى الرسالة، وبتلك الرسالة تستطيع ان تغير العالم.

وأنا لا أنظر إلى الوراء، بل انظر للحاضر، وأنا الآن بأعمل فيلم بعنوان «المستقبل».

• سألتها: كيف ترين تجربة رئاسة للجنة تحكيم المسابقة الرسمية لمهرجان فى بلد إسلامى مثل مراكش، وأنت رأست من قبل رئاسة لجنة تحكيم مهرجان كان السينمائى، فهل هى مهمة صعبة؟

ــ من الجيد أن تكون هناك مهرجانات فى دول مازالت تنمو، وحضورها قليل وهو ما يعطى قيمة للبلد، والسينما تظل نافذة على العالم فى بلد مثل المغرب، كانت فرصة لمشاهدة أفلام عالمية واكتشاف عوالم جديدة، وهذا انفتاح كبير، واعتقد ان مهرجان الفيلم الدولى بمراكش أوفى بالمهمة، فقد شهد عروضه مائة الف متفرج داخل القاعات، وحوالى خمسين ألفا حضروا عروض ميدان «ساحة الفنا». إنها لحظات خالدة وتجربة ثرية لنا جميعا كما سمعت أن ٢٥ فيلما يتم تصويرهم بالمغرب هذا العام، وهذا تطور كبير بالمغرب، هناك فضول كبير ورغبة فى الاطلاع على السينما المغربية.

• هل تكون هناك شروط لقبولك للجنة التحكيم؟

ــ لم تكن لدى أى شروط لقبول المهمة، لأنى أراها فرصة لمشاركة سينمائيين فى أحلامهم ومشاريعهم، مشاركتى فى مهرجان مراكش كانت مهمة، لأن المهرجان به اعمال متنوعة وافلام كثيرة من كل الجنسيات. على جانب اخر وجدت ان هناك ارادة لتطور المهرجان إلى افق بعيد. هناك رغبة فى التقدم منذ البداية، وشعرت بهذا فى التنظيم واثناء المشاهدة، والمهرجان حافظ على تطوره واهدافه، والمغرب لديه تاريخ سينمائى، هناك عدة افلام تصور هنا فى المغرب وهذا بفضل مهرجان مراكش، كانت فكرة جيدة لاقامة مهرجان هنا فى تلك المدينة المعروفة.

• وأنت على مقعد التحكيم كيف تنتقين أو تفضلين فيلما يستحق فرصة التتويج؟

ــ ليس لدى شروط فى الانتقاء، أحاول ان اشاهد الفيلم مثل المتفرجين، أحب جميع أنواع الافلام وانتماءاتها وتوجهاتها، ليس لدى اى تميز، لا يوجد اى فيلم لم اهتم به، وبطبيعة الحال احب الافلام الجميلة المفعمة بالمشاعر، اظن هذا العام كانت هناك افلام من معظم الجنسيات.

• عملت افلاما كثيرة مع جيرار ديبارديو؟

ــ نعم عملت أفلام كوميدية وافلام سياسية، عملت معه خمسة او ستة افلام، سياسية واسطورية، كان هناك تنوع كبير، ونحن متوافقون معا، وهو متفتح وذكى وهناك فيلمى الجديد معه، حيث التقيت بجيرار بعد سنين وقصة الفيلم حو ل حبيبين وقد انتهينا من التصوير لكن العمل مازال فى المونتاج.

والواقع اننى دائما عندى فضول لأنتظر رد فعل الناس على افلامى، يجب ان ارى تفاعل المجتمعات مع الافلام، فهذا شىء مهم.

• كيف تختارين مواصفات عملك؟

ــ كفنانة ليس العمل مع كل المخرجين الكبار هو ما أبحث عنه، لكن ما المانع عندما اجد مخرجا لدينا تفاهم كبير معه ان اكرر معه التجربة، فحالة التوافق هذه مهمة وكما قلت لك انا لا انظر إلى الوراء، بل انظر للحاضر ماذا انا، وكيف اصبحت وماذا اريد.

• تعاملت بالفعل مع العديد من كتاب السيناريو الصغار سنا، هل تتحملين العمل مع مبتدئين؟

ــ نعم، وربما أكرر التجربة للمرة الثالثة مع سيناريست غير شهير لكنه ثرى بأفكاره، ورؤيته، لهذا اخجل من ان اقول عنه انه مبتدئ فالفكار الجيدة لا ترتبط بسن، وأنا معتادة على ذلك والتعامل عندى مع جميع الجنسيات سهل، وكذلك الاعمار، أتأقلم مع اى جو، وقد عملت مثلا فيلم وثائقى فى الفلبين،

الفنان لا يجب أن يكون متعاليا، وليست لدى مشكلة فى التعاون معهم، وانا حريصة فى اختيار الادوار والاشخاص الذين اتعامل معهم، المهم ما هو العمل وقوامه وشكله.

• عرفت انك لا تمانعين فى تجسيد ادوار خطرة، هل هذه رغبة جديدة، ألم تخشين من مخاطرها؟

ــ السينما تظل دائما لها غطاؤها المريح، وأنا لست جبانة لارفض تجسيد الادوار الخطيرة، اذا كانت المشاهد الصعبة مهمة للدور، اقدمها بشرط التأمين.

• هل لديك افكار عن السينما المصرية؟

ــ بابتسامة اجاب ايزابيل: نعم اعرف يوسف شاهين فهو مخرج مبدع وكبير واشاهد افلامه، وهم يحبونه فى فرنسا فقد شاهدته وشاهدت بعض أعماله، وعرفت السينما المصرية، وعندما عرفت ان هناك فيلما مصريا مشاركا فى مسابقة مراكش هو «الفيل الازرق» سعدت للغاية بأننى سوف أشاهد فيلما مصريا جديدا وكان فرصة لاكتشاف مخرج جديد، خاصة اننى سمعت من يقول عنه انه فيلم جيد كان لدى شغف لمشاهدته، وافلام المهرجان كانت تجربة مختلفة لأعرف مزيد من الثقافات التى تجعلنى اعرف المذيد عن السينما، وهى افلام كان من الصعب ان اشاهدها او اتعرف عليها فى اى مكان اخر، فقد كانت هناك افلام من اذربيجان ونيوزيلندا ومصر، سوف نتذكر الأفلام كلها واتمنى لك وللسينما المصرية التوفيق.

• هل فوز فيلم بجائزة المهرجان يعنى الكثير بالنسبة له؟

ــ نجاح أى فيلم لا يعتمد فقط على فوزه بجائزة من جوائز المهرجان، لأن مشاركته فى المسابقة الرسمية أكبر دليل على أنه فيلم قوى يختلف عن غيره من الأفلام التى ظهرت معه فى نفس الفترة.

وأرى أن الفرق بين فيلم وآخر كالفرق بين شخصية إنسان وإنسان آخر، كل منهم له شكل وطباع وصورة مختلفة تميزه عن غيره،وهذا هو الأسلوب الذى أستطيع أن أحكم من خلاله على الأفلام التى اشاهدها، المسألة اننى اقيم الافلام بابسط الطرق بشكل حدثى تلقائى، من الصعب ان نحدد لماذا نحب فيلم، نترك انفسنا للمفاجأة، سيناريو جيد اخاذ ولغة سينمائية موحية.

يتعلق الأمر ببصمة اللجنه بكاملها من خلال الاختيار، وهنا نتخلى عن امور اخرى هذا هو الواقع، يمكن ان نقدم جوائز كثيرة ونشجع افلام كثيرة ولكن ليس المهم ان تربح، لكن المهم ان تشارك ويشاهدك الناس.

• ماذا كان إحساسك وأنت تقفين وسط آلاف يشاهدون فيلم «اللازمة الموسيقية» برفقة مخرج الفيلم ماك فيتوسى ومنتجته كارولين مونشارجوند بساحة جامع الفنا؟

ــ كنت بالقطع سعيدة للغاية بتقديم فيلمى الأخير «اللازمة الموسيقية» أمام جمهور ساحة جامع الفنا العريض، فى تقليد مميز، وشعرت بحب الجمهور الكبير، وتلك اللحظات مهمة بالنسبة للفنان.

• وماذا عن الفيلم ؟

ــ الفيلم اقدمه انا والممثل الفرنسى جون بيار داروسان وهو يكشف نقاط انسانية لقصة زوجين مزارعين بإحدى الضواحى الفرنسية بدأ الملل والإهمال يتسلل إلى حياتهما بعد أن غادرا إبنيهما البيت، حيث يستولى الاهتمام بالأرض والماشية على كل وقت الزوج، ما يُثير غضب الزوجة «بريجيت» التى اقدهما وكذلك وسخطها، فتهدده بتركه وحيدا والمغادرة إلى العاصمة باريس، وحينها سيبدأ كلاهما فى ابتداع أساليب لإعادة الدفء.

• كممثلة هل تتركين نفسك تماما للمخرج؟

ــ هناك دائما حل وسط. أنا لا أعتقد أننى استسلم تمام، ولكن من الممكن دائما أن أكون جزءا من الرؤية، فأنت تجسد دورا، اى تكون مرتديا قناعا لشخصية اخرى يريدك المخرج ان ترتدى هذا القناع بطريقة ما وانت تفعل ولكن وراء القناع هناك شىء اخر هو نفسك. انت فى القصة، ويقول لك الأشياء، ويقول لك الحوارات، ولكن عليك ايضا ان تعمل لتكون نفسك تماما.

• فى رأيك هل الأفلام يمكن أن تخبرنا عن شكل الحياة الحقيقية للبشر؟

ــ أعتقد أن الأفلام يمكنها أن تقول الكثير عن اشياء واحاسيس غير مرئية، الافلام رائعة بحق فى ذلك. عدسة الكاميرا هى مثل المجهر تتجاوز السطح. انها كرحلة استكشاف سر، لذلك يمكنك استكشاف سر المخرج، يمكنك استكشاف سر الفاعل، وسر الشخصية وبالتالى يمكنك استكشاف أسرار الكون، وقد حدث ذلك كثيرا.

• جسدت كثيرا من الأدوار لنماذج عديدة من النساء، هل هناك قواسم مشتركة؟

ــ لعبت الكثير من الادوار النسائية المختلفة، فى مواقف درامية متعددة، هناك ما يربط بين بعضهن لبعض بمعنى أنهن جميعا لم ينجين من ازمات المجتمع، او لم يفزن فى النهاية واعتقد أن هذا أقرب إلى الواقع وأعتقد أن مسألة الاختيار لدور هو صعب للغاية بالنسبة لى. فهذا هو التحدى الحقيقى: لاختيار دور، وليس للقيام بهذا الدور. وبعض الأدوار يكون امر اختيارها أسهل وبعض الأدوار تكون أكثر صعوبة لأنها أكثر جرأة. فى بعض الأحيان عليك أن تكون جريئا لأظهار نفسك فاختيار شخصية مثل «اريكا فى معلمة البيانو» على سبيل المثال، كان خيارا جريئا وأنا لم أندم بعد ذلك. فأحيانا عليك ان تذهب للدور مع مخرج كبير مثل مايكل هانيكى، واعترف انه كانت هناك رهبة، وكنت غير متأكدة اذا ما كانت لدى الجرأة على خوض التجربة، لكنى فى الوقت نفسه أعرف أننى ذاهبة وانا محمية بقدراته الكبيرة وثقتى فى قرارى.

• ماذا عن علاقتك بالمسرح؟

ــ المسرح أضاف لى بعد كل ما اعطته السينما لى، اننى اركز فى عملى بالسينما والمسرح منحنى ايضا اشياء جيدة.

تركت إحدى أهم نجماتى المفضلات فى العالم ذات الواحد وستون عاما، وحتى وصولى للفندق الذى يبعد عن مقر إقامتها نحو خمسمائة متر، كلماتها تتردد فى أذنى وملامحها المؤثرة أمام عينى،.. إنها معلمة البيانو وملهمة العزف على أوتار فن وحياة.


الشروق

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى