أخبار مصر

مقال نيافة الأنبا إرميا مصر الحلوة 403 «دموع … عجائب»

تحدثت مقالة سابقة عن بعض المتاعب الداخلية والخارجية «للبابا خرستوذولوس» (الـ٦٦ فى بطاركة الإسكندرية). ويذكر كاتب سيرة هذا البابا أن أمورًا عجيبة وقعت فى أيامه، كظهور نَجمين عظيمين بأذناب، عدة أيام، أحدهما نحو الشرق والآخر تجاه الغرب، ثم يقول: «ومن بعد ظهور هذين، كثرت خطايانا وذُنوبنا، وتزايد طَنَخنا (اشتد سِمَننا) وبذخنا، حتى إن جماعةً ثقات من المسلمين والنصارى أبصروا بأعينهم الدُّموع تجرى من أعين بعض الصور التى فى الكنائس: منها صورة «مار جرجس» فى كنيسة قرية تسمى «دمول» من قرى «أَبْوان»، وصورة السيدة «العذراء»، وصورة الملاك ميكاييل «ميخائيل» فى كنيسة «تونة»…»؛ أعقب ذلك وقوع كوارث عظيمة، منها زلزلة عظيمة أعقبها تفشى وباء أزهق حياة كثيرين، فيذكر: «وكان بعدها وباء كثير حتى لم يبقَ فى «تِنِّيس» من ألوف كانوا فيها إلا تقدير مائة نفر (شخص)»، حتى إن مدينة «الرملة» لم يبقَ فيها أحد من سكانها.

ثم تفاقمت الأمور باندلاع حرب شديدة بين «بنى حَمَدان» والأتراك؛ فأُهلكت فيها نفوس كثيرة، ونُهبت البلاد، وهُتكت الأعراض، وذُبح الأطفال. وذكر المؤرخون أن «البابا خرستوذولوس» تعرض لمتاعب شديدة من قبيلة «اللواتة»؛ إذ أسروه ونهبوا ما لديه وعذبوه، ولم يُطلقوا سراحه إلا بعد أن أعطاهم ٣٠٠٠ دينار!!.

وقد عاصر «البابا خرستوذولوس» الشدة المعروفة بـ«الشدة المستنصرية»، وما صاحبها من غلاء شديد بالبلاد حتى إن الناس لم يجدوا ما يأكلونه وقد جرى الحديث عنها بالتفصيل بمقالات سابقة. ومما يجدر ذكره عن تلك المرحلة الصعبة، أن أسقفًا لـ«أرمنت» يُدعى أنبا باسيليوس، كان يتصدق بكل ما لديه من خبز على الرغم من الغلاء، وقيل إنه فى ليلة طرق بابه شخص يطلب خبزًا، ولم يكُن لديه سوى رغيفين فقدم له رغيفًا، وبعد قليل قرع بابه آخر فقدم له جزءًا من الرغيف الثانى وأبقى جزءًا.

وحين جاء وقت إفطار هذا الأب الأسقف فى المساء، إذ كان يصوم طويلاً، قدِم شخص ثالث إليه يطلب خبزًا، فأمر تلميذه أن يقدم للسائل جزء الخبز المتبقى كله، غير عابئ بنفسه!، فحاول تلميذه الاعتراض، لٰكن أنبا باسيليوس ألزمه بأن يقدم للسائل الخبز، وظل هو بلا طعام!!. ويستكمل كاتب السيرة: «فلما كان بعد وقت من الليل، أن قُرع الباب، فقال لولده [تلميذه]: أجِب من يدق الباب، فقال وهو ضجِر مغضَب: ما بقى عندنا شىء ندفعه لمن يدق؛ كيف أكلمه وليس عندنا شىء نعطيه؟!، فألزمه بإجابته؛ فنزل إليه وفتح الباب، فدفع إليه شخصٌ، ما يعرفه ولا أبصر وجهه، طعامًا فى مِنديل!!، ومضى ولم يرجِع إلى الآن ولا طلب المِنديل»!!.

وذُكر أيضًا أن فى أيام البابا خرستوذولوس جرت عجائب كثيرة: منها ظهور نور عظيم على صورة السيدة العذراء فى كنيسة مار بقطر الشهيد بالجيزة وقت الصلاة، يوم الاحتفال بعيد الشهيد، وقد شاهد النور العجيب الذى استمر طويلاً جميع الشعب الحاضر. كذلك ذُكر عن أحد الآباء الرهبان القديسين، ويُدعى أنبا بسوس، بدير أنبا كاما، أنه وقت تلك السنة الصعبة كان العربان وغيرهم يقصدون الدير، فيقدم أنبا بسوس الطعام والقمح لكل من يطرق باب الدير، حتى لم يتبقَّ للرهبان إلا طعام يوم واحد، فجاءهم قوم يطلبون طعامًا؛ فألزم أنبا بسوس الرهبان أن يقدموا ما لديهم، فتذمروا واغتاظوا؛ فقال لهم فى هدوء إن الله سيرسل إليهم آخر النهار من الزاد ما يكفيهم أيامًا!، فقدموا ما لديهم من قمح.

فطلب القوم طاحونة الدير لطحن القمح؛ فقدمها لهم أنبا بسوس، وخاطب الرهبان المتذمرين: «لا تقنطوا! فإن الرب يأتينا بما نحتاجه؛ فإنه- جل اسمه- لا يُعوزه علم شىء. فطيِّبوا نفوسكم». وفى المساء، وصل الدير جملان محملان بالقمح، وعلى ظهر أحدهما طاحونة جديدة أكبر من تلك التى قدموها، فشكروا الله على عنايته. و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.

 

* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

المصرى اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى