الأخبار

قصة ثورية قصيرة

 

 

 

163

كانت خيبة الأمل كبيرة بعد أن نجح هؤلاء فى تنفيذ مطلبهم، واضطررنا نحن للتنازل مجبرين حتى لا تنفلت الأمور أكثر من هذا، كنا نتجرع مرارة الهزيمة ونحن نشاهد الملايين فى الميدان تهلل وتطلق الألعاب النارية وتحتفل بسقوط النظام، صحيح أننا كنا نحن النظام، ونعرف أننا ما زلنا هنا لم نسقط بعد، لكنها أيضا كانت هزيمة، وكان خوف، خوف كبير من أن نفشل فى استعادة تلك الخطوة التى تنازلنا عنها مرة أخرى، وأن نمضى قدما فيما قد مضينا عليه من قبل
لم تكن الحالة الثورية معسكرا واحدا وإلا لاستطعنا هزيمتها من أول ضربة، بل كانت عدة معسكرات متحالفة، ولم يكن هذا التحالف أيضا كتلة واحدة، أو صفا لا ثغرات فيه، وإلا لما كان لنا أمل فى العودة مرة أخرى؛ لقد كان هناك تنظيم الإخوان والقوى الثورية (6 إبريل وكفاية والاشتراكيين الثوريين وغيرهم)، وبعض الأحزاب السياسية، والرموز المستقلة الإعلامية والسياسية والشبابية، وجماهير الشارع، والدعم الإقلميى المفتوح من بعض الدول كقطر وتركيا، والدعم الدولى المحدود من الدول الغربية وأمريكا

وقد كشفت لنا الأيام الثمانية عشر القليلة التى كان الأمر فيها بيننا وبينهم كر وفر ثغرات كثيرة يمكننا أن ننفذ منها إلى عمق هذه الحالة ونقضى عليها ولو بعد حين

ففى مرحلة الضربة الأولى علمنا أن الشارع قد استمكن عداء الداخلية منه وأصبح رجل الشرطة هدفا متحركا لكل إنسان كان من الثوار أو من الناس العادية، وعندما نزلت قواتنا بالزى العسكرى لأول مرة كنا خائفين من أن يشعر الناس ضدهم بنفس الشعور، ولكن خوفنا تبدد عندما شاهدنا الحفاوة الغامرة التى استقبلوهم بها، فقررنا ألا نحاول حرق ذلك الكارت إلا فى أضيق الحالات وعند الضرورة، وأن يتقدم دائما رجال الجيش على رجال الشرطة فى أى خطوة مقبلة

فى مرحلة التفاوض غالبا ما يسبق تنظيم الإخوان غيرهم إلى الطاولة فهم تائهون تماما فى مساحة الثورة، تلك الفكرة الجديدة عليهم بالكلية، ويشعرون أن كرسى طاولة المفاوضات هو شاطئهم الذى يشعرون عنده بالأمان النسبى، هم أيضا مرتبكون تماما فى فكرة الاعتماد على المتحالفين معهم، من جهة بعضهم يعلم أنه مخالف له فى أصل الأفكار عن الدولة والمجتمع والثورة والإصلاح وكل الأفكار الكبرى فكيف يمكن أن يفهمه أو يتشارك معه فى إدارة أمر ما، ومن جهة أخرى هم لا يثقون إلا فيمن هو على شاكلتهم ولم يجربوا شيئا آخر غير هذا طوال فترة وجودهم، وقد جربنا كل ذلك فى لقطة التفاوض التى أوكلناها إلى رجلنا المقدم عمر سليمان

فى مرحلة التلاعب بالمشاعر والعواطف نستطيع أن نكسب الشارع إلى صفنا، فمهما كان عددهم فى التحرير فإن اللحظة التى كتبنا فيها خطاب مبارك الثانى قبل محاولتنا لفض الميدان كان لها ثمار مبهرة، للدرجة التى تحول فيها ميدان التحرير إلى منطقة محاصرة حصارا طبيعيا وقطع الناس كل الشوارع المؤدية إلى الميدان، وسبوا وضربوا كل من شكوا فى أنه من “بتوع التحرير”، فى هذا اليوم بكت ربات المنازل فى البيوت، وانهالت المكالمات الهاتفية على البرامج الفضائية تعلن ألمها لما أصاب الرئيس وتصرخ فى جزع “عاوزين إيه من الراجل أكتر من كده”

فى مرحلة المواجهة فى اليوم الثانى عرفنا أن الفصيل الذى سيصمد هو الفصيل المنظم، هو الفصيل الذى لديه رصيد إيمانى كاف لاعتبار ما يقوم به جهاد، وأن الفصيل الأضعف فى الحلقة هو الذى كان الكثير من أفراده يجلسون عند المنصة أو الشوارع الضيقة عندما كان الهجوم ضاريا على حدود الميدان عند المتحف المصرى، إنهم الأكثر ثورية قيميا  والأقل قدرة على تنفيذها عمليا

فى مرحلة الإحساس بأن التيار أصبح ضدنا وشارف الأمر على النهاية قمنا بدفع العديد من الوجوه التى عملت لنا عبر سنوات طويلة لصفوفهم، كنا فى البداية خائفين من أن يلفظوهم، لكن اكتشفنا أن سذاجتهم الثورية جعلت الكثير منهم يتغاضى عن سياسيين وإعلاميين ورموز لديها رصيد كاف من العمل لنا، وبكلمات رنانة منهم، أو دموع أحيانا إن استلزم الأمر، أصبحوا رموزا فى صفوفهم، يعبرون عن فصيل ثورى نسو ماضيه، لكن لن يسعدهم على كل حال مستقبلهم

ولذا كان مجموع الدروس المستفادة أن يتقدم الجيش دائما عن الداخلية، ثم أن نلهى الإخوان بجزرة التفاوض ومناصب الدولة التى تمكنهم من اللعب فى مساحة الإصلاح فلا يبرحون الشاطىء، فى الوقت الذى نضرب فيه القوى الثورية بعصا المواجهة فينكسرون بسهولة، فيحدث الشرخ هاهنا الذى نستطيع أن نوسعه برجالنا الذين صرفناهم مبكرا إلى معسكرهم وقد حان وقت عودتهم إلينا، و بالمزيد من استقطاب الشارع عبر قنواتنا وإعلاميينا، ترق قلوب الناس وتطيش عقولهم ويعودوا إلى حضننا مرة أخرى

على مدار ثلاث سنوات قاسية عملنا بكل طاقة لدينا، رضينا بأن نرفع التحية لمن كانت أيدينا لا تُرفع لهم إلا لصفع وجوههم وأقفيتهم فى مقار الاحتجاز، قبلنا أن نمجد فى الثورة والثوار وأن نفتح لهم القنوات والصحف والإذاعات، سمحنا بأن تقام انتخابات تتبعها انتخابات وانتخابات لم نستطع أن نعدل فى نتائجها بالشكل اللائق كما كنا نفعل دائما، وفى النهاية تمت الخطوات التى بذلناها طوال هذه السنوات بنجاح وقضينا على هذا الكابوس الذى بدد أحلامنا سريعا، وأصبح الأمر كله مجرد “قصة ثورية قصيرة”

…………….

(2)

كانت خيبة الأمل كبيرة بعد أن نجح هؤلاء فى تنفيذ مخططهم، واضطررنا نحن للتنازل مرغمين، بعد أن أخذوا منا كل شىء حققناه، كنا نتجرع مرارة الهزيمة ونحن نشاهد الآلاف منهم تعتقل وتقتل وتسرق، تسرق ملايين من عقول هذا الشعب الذى هلل للجلاد مرة أخرى فى ثوبه الجديد، لقد كانت هزيمة نكراء ، وكان خوف، خوف كبير من أن نفشل فى استعادة الوطن من جديد، فى استكمال الحلم الذى بدأناه سويا من قبل !

لم تكن الحالة الانقلابية معسكرا واحدا وإلا لاستطعنا تحجيمه أو القضاء عليه، بل كانت عدة معسكرات متحالفة، ولم يكن أيضا هذا التحالف كتلة واحدة لا ثغرات فيها، وإلا لما كان لنا أمل فى العودة مرة أخرى، فقد كشفت لنا الأيام التى تلت الانقلاب تباينات واضحة برزت بصورة فجة فى المشهد الأخير الذى اختتم به الفصل الأول من هذه المسرحية، وهو مشهد الانتخابات التى نُصب فيها قائد الانقلاب رئيسا للبلاد

اكتشفنا ساعتها أن هناك أذرعا كثيرة تعمل ولا يُسَيطَر عليها من جهة ما بشكل كامل، فقد كانت مؤسسة الجيش، والقضاء، والشرطة، والإعلام، وأمن الدولة، والمخابرات، ورجال الأعمال، والسلطات الدينية التقليدية (الأزهر والكنيسة)، و الرغبات الخارجية الإقليمية الخليجية والعربية، والعالمية الغربية والأمريكية ومن وراء جميع الرغبات الخارجية إسرائيل – كلها معسكرات وجهات لها مصلحة فى القضاء على الثورة، ولكننا استطعنا بالفعل أن ننفذ بين ثغرات تحالفهم !

…………….

كما رأيتم .. لم نسكت، قاومنا على مدار السنوات الطويلة فى الشوارع بدمائنا، فى المعتقلات بأيامنا وأمعائنا، فى الميادين والجامعات وكل ما وصل إليه صوتناـ لكن هذا وحده لم يكن كافيا، فقد أخذنا نخطط وندبر حتى نستغل تلك الثغرات بين معسكرات التحالف الذى أراد أن يقضى على ثورتنا، وبالفعل نجحنا واستئنفنا روايتنا الثورية، وحكمنا على الثورة المضادة بأن تكون “قصة انقلابية قصيرة”

املأ السطور التى فى منتصف المقال بما تراه مناسبا لاستغلال هذه الثغرات، اشغل نفسك بشىء مفيد تفكر فيه، فقد استنفذ كافة المحللون جهدهم فى تبيين أسباب ضعف التصويت ومن باع السيسى ولماذا باعه، ونسى الجميع أن علينا فقط أن نستغل ذلك لصالحنا ونفكر ما الذى علينا فعله نحن، فالعاقل لا يجلس ليدرس ويحلل كيف انتصر عدوه وفقط، ولكن يجلس ليفكر

 

 

 

 

مصر العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى