الأخبار

«الشروق» تعرض التجربة الأمريكية فى التوازن

100

 

تابعت تلك الأزمة الحادة بين الصحفيين والحكومة بشأن المادة 33 من مشروع قانون مكافحة الإرهاب، والتى تنص على أن «يعاقب بالحبس الذى لا يقل مدته عن سنتين كل من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أيه عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة فى هذا الشأن»، والتى على وقعها عاش الوطن حالة من حوار الطرشان، بين طرفين يرى كل منهما أنه صاحب الحق المطلق، ففيما يرى الصحفيون هذه المادة تعصف بحرية الصحافة التى يكفلها الدستور، يؤكد الفريق الآخر على أن هذه المادة تأتى فى سياق الحفاظ على الأمن القومى المصرى فى ظل حرب يخوضها الوطن ضد الإرهاب.

والحقيقة أن النقاش خلا من أى عقلانية من الطرفين، وكأن ذلك الصراع ما بين ميل السلطات فى كل الدنيا للتوسع فى التضييق على الصحافة فى أوقات الأزمات والحروب، وبين تمسك الصحافة والصحفيين بأعلى سقف ممكن من الحريات يحدث لأول مرة فى تاريخ البشرية على أرض مصر، فبلغت العصبية منتهاها عندما تحدث أحد الجنرالات المتقاعدين عن أن الدولة «هتقعد الصحفيين فى بيوتهم»، وهو ما قوبل بعصبية أشد من قبل أعضاء بمجلس نقابة الصحفيين.

بحكم أن «معالجة الصحافة المصرية لقضايا الأمن القومى المصرى» هو مشروع أطروحتى لنيل درجة الماجستير فى الإعلام من كلية الإعلام جامعة القاهرة، أتيحت لى الفرصة ــ خلال مسح التراث العلمى فى هذا الموضوع ــ لأن أطلع على دراسات علمية رصينة فى أكثر من بلد على مستوى العالم تناولت العلاقة بين حرية الصحافة ومقتضيات الأمن القومى فى زمن الحرب، أثق أن عرضها على الجمهور العام وطرفى الأزمة سيجعل لغة الحوار والنقاش بينهما تودع حالة الضجيج والصخب وحوار الطرشان إلى الحوار البناء، الذى يدفع كلا الطرفين للبحث عن التفاهم وإعلاء المصلحة العليا للوطن، الذى يحتاج إلى الحفاظ على حرية الصحافة، كما يحتاج لتأمين الضباط والجنود على جبهات القتال من التأثير السلبى لنشر المعلومات غير الدقيقة عما يجرى فى مسارح العمليات.

وسنعرض فى هذا السياق لدراسة أمريكية صادرة فى سنة 2007، عنوانها «الأمن القومى الأمريكى وحرية الصحافة فى 4 حروب: الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام والحرب على الإرهاب»، نال عنها الباحث «دانيال جوزيف سميث» درجة الماجستير فى السياسة العامة، من جامعة ميريلاند، بمقاطعة بالتيمور بولاية ميريلاند.

والهدف الرئيسى لهذه الدراسة ــ كما حدده الباحث ــ هو «التعرف على كيفية الموازنة بين حرية الصحافة وواجبها فى نقل الأخبار مع حماية الأمن القومى خلال الحروب الأمريكية الكبرى فى القرن العشرين والسنوات الأولى من القرن الواحد والعشرين»، علما بأن مجهودنا الرئيسى سينصب على الجزء الخاص بالحرب على الإرهاب فى هذه الدراسة، والمتمثل فى حربى أفغانستان والعراق، اللذين بدأتهما الولايات المتحدة فى 2001 و2003 على الترتيب.

 

 

الحرب على الإرهاب

جاء فى الجزء الخاص بالحرب على الإرهاب فى دراسة «دانيال جوزيف سميث» أنه بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، لم يبذل الرئيس الامريكى جورج دبليو بوش أى جهد لفرض رقابة على الصحف، ومع ذلك، فإن الحكومة بموجب ظروف معينة حجبت معلومات عن الصحافة، وقال بوش للصحفيين إن «… هذه الإدارة لن تتحدث عن أى خطط عسكرية قد تحدث أو لا تحدث، نحن لن نعرض أى شخص يرتدى الزى العسكرى للولايات المتحدة للخطر بأى شكل من الأشكال».

واعتبرت الدراسة أن هذا التصريح كان بمثابة تقييد شرعى للمعلومات العسكرية، مشيرة إلى قيام إدارة بوش فى بعض الأحيان بالعمل على تقييد وصول الصحافة إلى أنواع أخرى من المعلومات الحكومية غير العسكرية؛ فعلى سبيل المثال، رفضت الحكومة منح الصحافة تصاريح لتصوير نعوش الجنود الامريكيين القتلى العائدين من الحرب فى العراق. وعللت هذا المنع بأن «الأمر يثير حساسية أسر الجنود المتوفين».

وقالت دراسة سميث إنه «على الرغم من أن الحكومة بعد عامين من اندلاع الحرب فى العراق قد منحت الصحافة مجموعة كبيرة من هذه الصور إلا أنها حاولت أيضا منعها من الحصول على الوثائق الخاصة بالمحاكمات العسكرية لـ«الإرهابيين» المشتبه بهم، فضلا عن الصور التى أظهرت جنودا أمريكيين يسيئون معاملة المعتقلين فى العراق فى سجن «أبوغريب»، وهو ما استدعى بعض الصحف للجوء إلى القضاء للحصول على هذه المعلومات، وفى كلتا الحالتين حكم القضاة الفيدراليون بأن الحكومة انتهكت قانون «حرية المعلومات» الذى أقره الكونجرس ويجيز إطلاع العاملين فى الصحافة والجمهور على الوثائق الحكومية، ولذلك فإن الحكومة سلمت الوثائق والصور المطلوبة للصحفيين.

 

 

وتواصل الدراسة عرض الاجراءات التى اتخذتها الحكومة الأمريكية لمنع الصحافة من الوصول للمعلومات فيما سمته «الحرب على الإرهاب» من وجهة النظر الأمريكية، فيقول مؤلفها سميث «عندما شنت القوات الأمريكية عملياتها العسكرية فى أفغانستان فى أكتوبر 2001، منع الجيش الأمريكى الصحفيين من الوصول للأراضى الأفغانية لتغطية هذه الأحداث فى مراحلها الأولية، كما منع الصحفيين من السفر مع وحدات العمليات الخاصة، ومنعهم أيضا من زيارة القواعد البرية والبحرية، ومنعهم من الصعود إلى «كيتى هوك»، حاملة الطائرات التى كان يستخدمها الجيش الأمريكى كقاعدة ينطلق منها لتنفيذ عمليات حربية على المسرح الأفغانى. أيضا، لم يتمكن الصحفيون من الاقتراب من القوات الامريكية التى كانت تتمركز فى البلدان القريبة من أفغانستان، بما فى ذلك باكستان، وأوزبكستان، وبرر الجيش الأمريكى كل هذه القيود على الصحافة بأن «العمليات سرية وخاصة، ولأن الدول القريبة من أفغانستان التى كانت تقدم الدعم للقوات المسلحة الأمريكية من على أراضيها لا تريد لفت انتباه شعوبها فيما يخص تعاونها مع الولايات المتحدة».

ويضيف الباحث سميث فى دراسته أنه فى نوفمبر 2001، سمح الجيش الأمريكى لعدد قليل من المراسلين بمرافقة قوات مشاة البحرية الأمريكية (المارينز) فى غزوهم للنقطة الجنوبية فى أفغانستان، وفى وقت لاحق سافر العديد من المراسلين العسكريين مع وحدات العمليات الخاصة، وشهدوا عدة هجمات على قوات حركة طالبان وتنظيم القاعدة أيضا، وذهب نحو 40 مراسلا على حاملة الطائرات التى تعمل بالطاقة النووية المعروفة باسم «يو اس اس انتربريز» (USS Enterprise) والسفن البحرية الأخرى، والتى كانت على أهبة الاستعداد للعمل.

وتؤكد الدراسة على أنه بالرغم من الوصول المحدود لجنود الولايات المتحدة إلى أفغانستان إلا أن الجيش الأمريكى فى بعض الأحيان كان يعرقل عمل المراسلين على أرض المعركة. على سبيل المثال، قام الجنود الأمريكيون بحبس المراسلين فى مستودع آمن، للحيلولة دون تمكينهم من متابعة وتغطية حادث إطلاق نيران صديقة بين القوات الأمريكية وبعضها البعض، أسفر عن مقتل ثلاثة رجال.

وتشير الدراسة إلى أنه فى بعض الأحيان كان يسمح للمراسلين العسكريين الأمريكيين فى أفغانستان بالتجول فى هذا البلد دون حماية الجيش الأمريكى، وعلى المسئولية الشخصية للمراسلين أنفسهم، وهو ما كان يفضله بعض الصحفيين رغم خطورته الشديدة على حياتهم، وذلك للإفلات من الرقابة الدائمة المفروضة على تحركاتهم من قبل الجيش الأمريكى.

الحرب على العراق

وانتقلت الدراسة بعد ذلك للحديث عن الحرب فى العراق، فقالت إنه على الرغم من القيود التى أشرنا إليها آنفا والتى فرضت على الصحافة فى تغطيتها للحرب فى أفغانستان، إلا أن الجيش الأمريكى قد سمح لعدد غير محدود من الصحفيين بتغطية الحرب فى العراق، لدرجة أن أصبح المراسلون العسكريون جزء لا يتجزء من الوحدات العسكرية الأمريكية المختلفة عندما بدأت الحرب، وكان المراسلون يتمكنون من تغطية الأنشطة ولأحداث التى تدور فى محيط هذه الوحدات، بالإضافة إلى ذلك، تمكن بعض المراسلين من حضور بعض الاجتماعات التى يتم فيها مناقشة بعض الخطط العسكرية.

لكن الدراسة نوهت عند هذه النقطة إلى أن المرسلين العسكريين كانوا خاضعين ــ كما الحال فى الحروب الأمريكية السابقة ــ لقواعد الرقابة الطوعية (أى الرقابة الذاتية التى تفرضها الصحافة على نفسها، ومن خلالها أتيح منع نشر معلومات ليس للرقابة العسكرية القدرة على منعها بحسب القانون والاتفاقات) فى تغطيتهم لأعمال القتال، غير أن الباحث قد أشار إلى أن هذا النوع من الرقابة من الناحية العملية لم يطبق على الصحافة الأمريكية المحلية، واقتصر تطبيقها على المراسلين العسكريين فى ميادين القتال فقط، ذلك لأن مسرح العمليات فى هذه الحرب ــ وفى معظم الحروب الأمريكية ــ كان خارج الأراضى الأمريكية.

 

 

وأشارت الدراسة إلى أن الجيش الأمريكى مع بداية اندلاع القتال فى العراق قد أعلن أنه «قد يمنع نشر بعض القصص الصحفية مؤقتا، إذا ما رأى أنها ستعرض أمن القوات للخطر، ولكن فى الحقيقة لم يكن هناك أى رقابة واسعة على البرقيات التى يرسلها المراسلون العسكريون من ميادين القتال».

وعلى عكس ما كان عليه الحال مع المراسلين العسكريين فى أفغانستان، تؤكد الدراسة الأمريكية أن الكثير من المراسلين الأمريكيين فى العراق «كانوا قادرين على التجول بحرية فى البلاد على مسؤوليتهم الشخصية، حتى فى أثناء العمليات العسكرية الكبرى، فى حين كان نحو 600 مراسل آخرين يتحركون مع القوات الأمريكية وكأنهم جزء لا يتجزأ منها».

قانون التجسس

ويؤكد الباحث سميث على أنه حتى صدور دراسته التى بين أيدينا فى سنة 2007، فإن الجيش والحكومة الأمريكيين قد وضعا بعض الضوابط والقيود على الصحافة فى تغطية الحرب على الإرهاب، وهو ما أثار سخط الصحافة على هذه القيود، التى أبرزها على سبيل المثال: رفض طلبات بعض الصحفيين فى الوصول إلى بعض الوثائق الحكومية، وتقييد وصول الصحفيين إلى مسارح العمليات الحربية فى أفغانستان، فضلا عن تململ بعض الصحفيين من بعض قواعد الرقابة، بالإضافة إلى إمكانية مقاضاتهم من قبل الحكومة والجيش بموجب قانون التجسس.

وقانون التجسس الصادر فى عام 1917، والمعمول به حتى الآن، هو قانون فيدرالى تم الموافقة عليه بعد فترة قصيرة من دخول الولايات المتحدة الأمريكية الحرب العالمية الأولى فى 15 يونيو سنة 1917، ونص على اتهام أى شخص ينقل معلومات بنيّة التدخل فى عمليات القوات المسلحة الأمريكية أو عرقلة نجاحها أو المساعدة فى نجاح أعدائها، وعقوبتها الموت أو السجن بما لا يزيد على 30 سنة، وكذلك يحاكم بموجب قانون التجسس من يقوم بنقل تقارير أو بيانات مضللة بنيّة التدخل فى عمليات الجيش الأمريكى أو قوات البحرية الأمريكية أو المساعدة فى نجاح أعداء الولايات المتحدة فى أوقات الحرب من خلال محاولة التسبب فى التمرد أو الخيانة أو رفض أداء الخدمة العسكرية بين الجنود فى الجيش والقوات البحرية بالولايات المتحدة، أو تعمد عرقلة التجنيد والتطوع لخدمة الولايات المتحدة وعقوبتها غرامة أقصاها 10 آلاف دولار والسجن لمدة 20 سنة. وقد تم سنّ هذا القانون تحت إلحاح من الرئيس وودرو ويلسون لتخوفه من انتشار الانشقاق أثناء الحرب، ظنا منه فى أن ذلك يشكل تهديدا حقيقيا لأى انتصار أمريكى.

وبجانب قانون التجسس، كان يوجد قانون آخر يحد من الحريات المدنية فى الولايات المتحدة الأمريكية يسمى قانون «منع الفتنة»، صدر سنة 1918، وجرم ما سماها «الكتابة الكاذبة، والشائنة، والشريرة» ضد الحكومة الأمريكية أو الجيش الأمريكى أو الكونجرس، وتم إلغاء هذا القانون سنة 1921.

وبحسب تقرير نشره موقع «شير أمريكا» ــ الذى يُشرف عليه «مكتب برامج الإعلام الخارجى» بوزارة الخارجية الأمريكية ــ فى 6 أبريل 2015 تحت عنوان «الحريات المدنية فى الولايات المتحدة الأمريكية فى زمن الحرب» فإنه «خلال الحرب العالمية الأولى، أدانت الحكومة الأمريكية ما يزيد عن 2000 معارض للحرب أو التجنيد الإجبارى، وفى جو من الخوف، سارع معظم القضاة لفرض عقوبات قاسية ــ السجن لمدة 10 سنوات إلى 20 سنة فى أحيان كثيرة – على الذين اعتبروا خونة».

وبعد عقد من الزمن، منح الرئيس الأمريكى روزفلت عفوا لجميع هؤلاء الأفراد، وأعاد إليهم حقوقهم السياسية والمدنية الكاملة. وعلى مدى نصف القرن التالى، ألغت المحكمة العليا كل قرار من قراراتها التى صدرت خلال الحرب العالمية الأولى، وأكدت فى الواقع بأن كل فرد من الأفراد الذين سُجنوا فى تلك الحقبة بسبب معارضتهم عوقبوا بسبب كلامهم الذى كان ينبغى أن يكون محميا بموجب التعديل الأول للدستور.

وبالعودة إلى دراسة سميث سنجد أنها قد أكدت على أنه «بالرغم من أن الحكومة والجيش كان بإمكانهم مقاضاة الصحفيين بموجب قانون التجسس فى الحرب على الإرهاب، إلا أن ذلك كان أقل وطأة من القيود والضوابط التى كانت موجودة فى الحروب الأمريكية السابقة، وبصرف النظر عن قانون التجسس، لم تكن هناك أى قيود وضوابط حكومية واسعة فى الحرب على الإرهاب مثل تلك التى كانت فى الحرب العالمية الأولى أو الحرب العالمية الثانية وحرب فيتنام».

 

 

المعلومات التى تنتهك الأمن القومى

ونوهت الدراسة إلى أن هناك اتفاقا بين الجيش والصحافة على المعلومات التى يمكن أن تنتهك الأمن القومى للولايات المتحدة، وبموجب هذا الاتفاق التزم الصحفيون بقواعد الرقابة الطوعية خلال حربى أفغانستان والعراق، بالرغم من تشابه هذه القواعد مع تلك التى كان معمولا بها خلال حرب فيتنام.

ومن ضمن هذه المعلومات التى اتفق الصحفيون والعسكريون على أنها يمكن أن تعرض الأمن القومى والقوات للخطر: أنشطة جمع المعلومات الاستخبارية، والمعلومات الخاصة التكتيكات العسكرية المعمول بها فى الجيش الأمريكى، والتقنيات التى يستخدمها، وتحركات القوات، وقواعد الاشتباك، وخطط انتشار الجيش، وإجراءات المناورة بالقوات، وكذلك المعلومات المرتبطة بعمليات عسكرية تم تأجيلها أو إلغاؤها، والعمليات المستقبلية، وعدد القوات، وكذلك الإحصاءات الخاصة بأعداد المعدات أو الإمدادات الحيوية (مثل المدفعية والدبابات والرادارات).

وقالت الدراسة إنه فى الحرب على العراق وليس أفغانستان، منع الجيش الأمريكى نشر أى معلومات عن مهمات البحث والإنقاذ للجنود، وفعالية عمليات الإخفاء والتمويه، وإجراءات الخداع، والاستهداف، والمعلومات المرتبطة بإطلاق النار المباشر وغير المباشر على العدو، وجمع المعلومات الاستخبارية، والإجراءات الأمنية.

وأشارت دراسة سميث إلى تراجع الجيش خلال حربى افغانستان والعراق عن بعض المعلومات التى كان يعتبرها انتهاكا للأمن القومى فى حرب حرب فيتنام مثل: عدد ونوع الإصابات التى يعانى منها الجنود، وعدد الغارات الجوية، وكمية الذخيرة التى تستهلكها الطائرات فى طلعاتها الجوية، والمعلومات الخاصة بنوعية وطرازات الطائرات التى تقوم بالطلعات.

ونوهت الدراسة إلى أنه «كان هناك القليل من المعلومات التى حظرها الجيش فى حربى العراق وأفغانستان، على الرغم من أنه كان يتغاضى عنها فى حرب فيتنام، ومنها: عدم السماح للصحفيين بذكر مواقع القوات. وفى العراق فقط، لم يسمح للصحافة بذكر عدد الطائرات (فى الغارات التى يقوم بها عدد طائرات أقل من سرب) أو عدد السفن الحربية (أقل من حاملة طائرات).

وتؤكد الدراسة على أنه كانت هناك بضعة قواعد جديدة تماما فى حربى أفغانستان والعراق، منها على سبيل المثال: معلومات عن فعالية الحرب الإلكترونية للعدو، والمعلومات المتعلقة بتدابير حماية القوات فى المنشآت العسكرية أو المعسكرات. وفى أفغانستان فقط، فرض الجيش الأمريكى المزيد من الحظر على نشر أى معلومات عن الوحدات القتالية الخاصة والمهام الموكلة لها، وكذلك ذكر أسماء المنشآت العسكرية.

ما المطلوب عمله فى مصر؟

بعد عرض الدراسة السابقة، يمكننا الخروج بمجموعة من الاستخلاصات الخاصة بالحالة المصرية فيما يتعلق بالعلاقة بين حرية الصحافة والحفاظ على مقتضيات الأمن القومى المصرى، أهمها:
ــ أن هذه قضية جدلية ستظل مطروحة للنقاش طوال الوقت كما الحال فى أعتى الدول الديمقراطية، ولا توجد حلول قاطعة لها.

ــ مصر بحاجة ماسة الآن بعيدا عن أزمة المادة 33 من مشروع قانون مكافحة الإرهاب إلى نقاش عميق بين المسئولين عن الأمن القومى والصحفيين عوضا عن الشد والجذب، يتم التوصل من خلاله لتفاهمات تحدد ضوابط العمل الصحفى أثناء الحروب.

ــ على قواتنا المسلحة إعداد دليل إرشادى للصحفيين يحدد بدقة وبالتفاصيل المعلومات التى يتعين عليهم عدم نشرها فى وسائل الإعلام فى زمن الحرب؛ لأنها تضر بالأمن القومى وبسلامة القوات، وتناقشها مع نقابة الصحفيين ورؤساء التحرير وشيوخ المهنة.

ــ يتعين على نقابة الصحفيين تدريب أعضائها على كتابة التقارير المرتبطة بالشئون العسكرية بموجب هذا الدليل الإرشادى الذى تم التوافق عليه، حفاظا على الأمن القومى، ومنعا للمساءلة القانونية للصحفى أو الصحيفة.

ــ إذا رأت نقابة الصحفيين والصحف أن هناك توسعا غير مبرر على حركة الصحافة بما يحد من حرية تداول المعلومات، فيكون الحل هو اللجوء للقضاء للفصل، كما رأينا فى الحالة الأمريكية عندما حجبت الحكومة الأمريكية صور نعوش الجنود الأمريكيين القتلى فى الحرب على العراق، واعتبرت المحكمة أن ذلك يخالف القانون الأمريكى، ونشره لا يضر بالأمن القومى.

 

 

الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى