الأخبار

الارتباك يسيطر على موسم الهجرة

147

 

 

لا تزال حالة الارتباك تسيطر على الباعة الجائلين بعد أن قررت محافظة القاهرة نقلهم إلى أرض الترجمان، يوم الأحد، الحالة ذاتها تسيطر على أجهزة المحافظة، لعدم تمكنها من تنظيم عملية النقل والتأكد من استقرار الباعة بشكل منظم، خاصة أن فكرة النقل مطروحة منذ أشهر بعيدة ما يعنى وجود مهلة كافية لمثل هذا التنظيم.

ومثل كل فكرة جديدة، رفض عدد كبير من الباعة عملية النقل، خوفا من افتقاد زبائنهم فى وسط البلد، بينما يقتنع الموافقون على النقل أن الزرق على الله، وأن الزبون سيأتى إليهم أينما ذهبوا وأن الاستقرار سينهى لعبة القط والفأر بينهم وبين الشرطة.

«المرحبون بالنقل»: الرب واحد والرزق واحد.. والفقير يجرى وراء احتياجاته:
لقى قرار نقل الباعة الجائلين من منطقة وسط القاهرة إلى جراج الترجمان، الذى بدأت الحكومة تنفيذه، أمس الأول، ترحيب عدد كبير من الباعة، معتبرين أنه سينهى لعبة «القط والفأر» مع شرطة المرافق، بالإضافة لتعرضهم للإهانات، وإتلاف البضائع.

قال البائع محمد جمال: «الرب واحد والرزق واحد، والناس ستتعرف على المكان الجديد، ومن يريد أن يشترى شيئا سيأتى له حتى من آخر الدنيا، خاصة أن بضاعتنا تهم المواطنين الفقراء، وما أكثرهم فى البلد، وبالتالى هم يبحثون عن بضائع تناسب إمكاناتهم المادية، فأينما كانت سيذهبون خلفها»، مضيفا «الترجمان ليس بعيدا عن وسط البلد ومحطات المترو والمصالح الحكومية، وسيكون قريبا من المواطن، والأمر يحتاج إلى وقت قليل ليعرف المواطنون الموقع الجديد».

أما البائع محمود حافظ، فاعتبر أن «الانتقال إلى سوق خاصة تعترف به الحكومة، وتوفر له الخدمات اللازمة والحماية الأمنية، سينهى صراع الباعة والمرافق، الذى استمر لسنوات، تعرض خلالها الكثير من الباعة للسجن والغرامات، وأحيانا الإصابة، وخسارة بضائع بمبالغ كبيرة».

وطالب الحكومة بتوفير خدمات أمنية فى السوق، لمنع انتشار البلطجة والسرقة، خاصة أن المكان مغلق، والزبائن سيمتنعون عن التوجه إلى الجراج، إذا شعروا بأن فيه خطر يهدد حياتهم، لكن فى حال الوجود الشرطى، سيشعر المواطن بالأمن، ما يساعد على زيادة حركة البيع والشراء».

وأكد البائع خالد مراد، ضرورة تبنى حملة إعلانية فى وسائل الإعلام، لتعريف المواطنين بالسوق الجديدة، ومناشدة المواطنين التوجه إليه، مع الإعلان عن توافر جميع الخدمات فيه، بالإضافة لانتشار قوات الأمن، وتأكيد أن الباعة الجائلين ليسوا بلطجية. وأضاف «هناك صورة مسبقة لدى كثير من المواطنين بأن البائع المتجول إما بلطجى أو مسجل خطر، رغم أن عددا كبيرا منهم حاصل على مؤهلات عليا ومتوسطة، ولجأوا إلى هذه المهنة لكسب الرزق الحلال، بعدما فشلوا فى العثور على الوظيفة المناسبة». وأوضح: «نطالب بحملة إعلانية لمدة أسبوع بهدف محو تلك السمعة، والتعريف بالسوق الجديدة»، مؤكدا أنهم عرضوا الطلب على رئيس الوزراء، إبراهيم محلب، أثناء إحدى جولاته، وحصلوا على وعد منه بالتنفيذ فور النقل إلى السوق الجديدة.

الرافضون للنقل: الموقع الجديد مغلق ولا توجد به وسيلة لإغراء الزبون:
وفي الوقت الذي استمرت فيه عمليات نقل الباعة الجائلين، لليوم الثانى على التوالى، سادت حالة من الجدل بين الباعة ما بين مؤيد للقرار ومعارض له.

حيث رفض محسن ربيع، بائع بمنطقة الإسعاف قرار النقل، واصفا إياه بـ«التعسفى»، متهما الحكومة بالتسبب فى قطع أرزاقهم وتهديد حياتهم، بدعوى أن المكان الجديد الذى تم النقل إليه لا تتوافر فيه شروط الأسواق الجاذبة للمواطنين، بسبب بعدها عن محطات المترو والمؤسسات والمصالح العامة والخاصة، الأمر الذى كان يؤدى إلى زيادة حركة البيع والشراء، عكس المنطقة الجديدة، التى يراها محسن معزولة ومنغلقة على نفسها، ولن يذهب إليها الزبائن.

وعلل أحمد أبو النجا، بائع أحذية بمنطقة وسط البلد، رفضه لقرار النقل، بنفس أسباب زميله محسن، مضيفا أن منطقة وسط البلد لا تحتاج إلى عناء البحث عن زبون، حيث يمر يوميا بالمنطقة مئات الآلاف من المواطنين، قائلا: «البضاعة كانت بتبيع نفسها بنفسها، فأحيانا يكون مواطن لا ينوى الشراء، وأثناء مروره من أمام الفرش متجها لقضاء مصلحة أو استقلال المترو يجد أمامه حذاء أو قميص أو غيره فيقوم بالشراء، عكس الترجمان الذى لن يحضر إليه إلا الزبون الذى ينوى الشراء».

نجوى دسوقى، بائعة ملابس حريمى بوسط البلد، أكدت استعدادها للعمل فى أى مكان شرط أن يكون قريبا من محطات المترو، أو أى مصلحة حكومية كبيرة، لافتة إلى أن جراج الترجمان من وجهة نظرها، مكان مغلق لا توجد به حركة بيع أو شراء، وتراهن نجوى أن نقل الباعة للموقع الجديد سيفشل، وسيعود الباعة تباعا إلى مواقعهم التى نقلوا منها، بعد تعرضهم لخسائر فادحة، غير عابئين بالتعرض لعقوبات من قبل الحكومة وأجهزة الأمن لمخالفتهم القانون، قائلة: «يا واخد قوتى يا ناوى على موتى.. ووقتها ما حدش هيخاف على حياته لأن أكل العيش مر».

اشتباكات فى اليوم الأول:
وساد أول يوم لنقل الباعة الجائلين إلى الترجمان حالة من الغضب والفوضى بين الباعة، بعد أن تم نقلهم، أمس الأول، من منطقة وسط البلد والشوارع المتفرقة بالعاصمة.

وشهد الترجمان تواجد عدد قليل من الباعة الذين استجابوا لنقلهم من الشارع إلى المكان الجديد، فيما شهدت الساحة ايضا احتجاج وتظاهر بعض الباعة لاعتراضهم على بعد المكان، واعتبروه غير جاذب للزبائن.

يقول حمادة عويس، بائع ملابس، إنه لم يجد كروت التسكين لعرض بضائعه فى المواقع المخصصة لهم بالمنطقة، رغم تسجيل أسمائهم، وفى المقابل استمر هتاف الباعة «عيش حرية وعدالة اجتماعية»، وسط أفراد قوات الأمن وضباط الشرطة، الذين تدخلوا أكثر من مرة لمحاولة تهدئتهم.

وسادت اشتباكات لفظية بين الباعة وسكرتير الحى الذى رفض الوقوف للحديث معهم، وسط انفعال الباعة، وقال إبراهيم حسن، 60 عاما، بائع متجول، إنه حصل على كرت التسكين الخاص به ورقمه فى الطابق الأول بالمول 5، لكن أمن المول رفض تسليمه المكان المخصص له.

وأبدى ماجد توفيق، بائع، اعتراضه على المكان لضيق المساحة التى لا تكفى لبضاعتهم، فضلا عن عدم وجود مخازن، ما قد يعرض البضائع للسرقة.

محافظ القاهرة: عملية الإجلاء مستمرة.. وسيتم تطبيق القانون على المخالفين
بدوره، أكد د. جلال السعيد، محافظ القاهرة، أن عملية إخلاء وسط العاصمة من الباعة الجائلين مستمرة حتى الانتهاء تماما من كافة المناطق المحددة، مضيفا أنه لن يتم إجبار الباعة الجائلين الرافضين الانتقال لمنطقة جراج الترجمان على الانتقال إلى هناك، مشددا فى الوقت نفسه، على أنه لن يتم السماح لهم بعودة فرش بضاعتهم على الأرصفة مرة أخرى.

وقال السعيد، فى تصريحات صحفية أمس، إن الأجهزة الأمنية ستتعامل مع المخالفين بالقانون، موضحا أن رجال الأمن بمديرية أمن القاهرة وبالتعاون مع الأجهزة الأمنية بمحافظة القاهرة، يقومون بجهد كبير فى نشر الأمن بالمنطقة والعمل على حل أى مشاكل، مشيرا إلى إنه تم نقل 350 بائعا متجولا فى اليوم الأول ومثلهم تقريبا سيتم نقلهم فى اليوم الثانى.

وأضاف: أطالب جميع الباعة الجائلين بإعلاء المصلحة العليا للدولة، على المطالب الفئوية، خاصة أن المحافظة لم تدخر جهدا فى إيجاد حلول مؤقتة وأخرى دائمة تتكلف ملايين الجنيهات، للتأكيد على حرصها على كل فئة من فئات المجتمع بما لا يضر بمصالح الغالبية العظمى من أبناء القاهرة.

وأوضح السعيد، أن هناك فئة داخل الباعة الجائلين تفرض سطوتها على الشوارع وتحاول عرقلة قوات الأمن، منوها إلى أن منطقة وسط القاهرة ستعود مرة أخرى إلى الهدوء والاستقرار بعد إجلاء الباعة الجائلين، مشيرا إلى أن «الترجمان» مكان مؤقت لمدة 6 أشهر، لحين نقلهم للأماكن الجديدة بعد الانتهاء من إقامة سوق «أرض وابور التلج» وعدد من الأسواق البديلة فى مناطق أخرى، لافتا إلى أن الدولة تقدر وتحترم الباعة ولكن لابد من استعادة الدولة لهيبتها مرة أخرى.

من جانبه، رفض اللواء محمد أيمن، نائب محافظ القاهرة، طلب الباعة الجائلين النقل إلى حديقة الأزبكية بدلا من جراج الترجمان، الذى قررت الحكومة نقلهم إليه لحين توفير سوق مخصصة لهم، مشيرا إلى أن طلبهم ذلك لا يمكن تنفيذه، مؤكدا أن الحدائق ملكية عامة للدولة ولا يجوز التصرف فيها.

وأكد نائب المحافظ أن أغلب الباعة الجائلين بمنطقة وسط البلد استجابوا لحملة المحافظة وتم تسكينهم بمنطقة الترجمان، وأنه تم رفع كافة الإشغالات بمنطقة وسط البلد بشوارع طلعت حرب وقصر النيل و26 يوليو ومحمد فريد.

وشدد على أنه لن يتم السماح بإشغال الطرق فى المنطقة مرة أخرى بعد رفع الإشغالات، مؤكدا أنه سيتم التعامل بحسم وحزم مع أى محاولات لتعطيل حركة المرور بالمنطقة وفقا للقانون.

ونفى نائب محافظ القاهرة شائعات عمل عقود للبائعين بمنطقة جراج الترجمان، مؤكدا أن هذه المنطقة مؤقتة تمهيدا لنقلهم إلى منطقة وابور التلج بميدان عبدالمنعم رياض.

تجار «وسط البلد»: وداعًا لدولة البلطجة
وفي وسط البلد عمت حالة من الهدوء، بعد إجلاء الباعة الجائلين، ونقلهم إلى جراج الترجمان، وانعكس ذلك على سيولة مرورية نسبية فى شوارع طلعت حرب، ورمسيس، و26 يونيو، فى وقت عبر أصحاب المحال التجارية عن فرحتهم بهذه الخطوة، بسبب ما كان يحدث من احتلال الباعة لواجهات تلك المحال، وكثرة المشاجرات التى كانت تقع باستمرار بين الباعة والمارة.

وقال رئيس شرطة المرافق، العقيد عادل صيام، أزلنا كافة الإشغالات من شوارع منطقة وسط البلد، بما فيها الاستندات الخشبية المثبتة على وجهات العمارات، والتى كانت تعتبر إحدى الأدوات الرئيسية التى يعتمد عليها البائع فى ترويج بضاعتهم.

وأضاف رئيس شرطة المرافق: «منطقة وسط البلد لها تأثير على الوضع الاقتصادى، لتواجد الشركات السياحية بها».

وعبر أصحاب محال وسط البلد عن فرحتهم بهذه الخطوة وقال أحد أصحاب محال الأحذية، إن عودة السياحة مرتبطة بعودة الأمن والاستقرار بالبلاد، فكيف تطلب من السائح أن يزورك فى وسط كل هذه الفوضى التى كانت تحدث من الباعة الجائلين الذين كانوا يفترشون الشارع منعدمى الأخلاق وكانوا يفرضون الإتاوات إن لم تشتر منهم».

وأضاف موظف بوزارة التربية والتعليم، عندما نظرت لشوارع وسط البلد، أمس شعرت بأنى أستعيد ذكريات حسبتها لن تعود، لكن بعد نقل الباعة الجائلين عاد الهدوء مرة ثانية.

تقول سارة رضا 24 سنة: «وسط البلد كانت بالنسبة لى أهم منطقة أتجول بها، وبعد احتلالها من الباعة الذين اغلقوا شوارعها هجرتها تمام»، وتابعت: ما رأيته اليوم أعاد إلى ذاكرتى شوارعها الجميلة».

وقال أحمد تهامى، صاحب محل ملابس بشارع طلعت حرب، القرار أنصفنا وأعاد لنا الحياة من جديد بعد احتلال واجهات ومداخل محلاتنا.

وتابع: «كان البلطجية يحصلون على أموال من الباعة لحمايتهم والتعرض لنا كلما طالبنا بإبعادهم من أمام المحال، كما أن الباعة أنفسهم كانوا يتجمعون ويحطمون واجهات المحال، كلما حاولنا إبعادهم».

وأشار تعرضنا فى السنتين الماضيتين إلى خسائر فادحة، لأن عددا كبيرا من زبائننا أحجموا عن زيارة وسط البلد بسبب تعرضهم لمضايقات ومعاكسات من الباعة.

وقال تامر عبد الرءوف، صاحب محل للملابس، بشارع 26 يوليو: «الباعة احتلوا مداخل المحال، وكانوا يتجارون فى بضائع مقلدة ويبيعونها بأقل من ثمنها الأصلي».

وأضاف: «انتشار المشاجرات بين الباعة وبين الزبائن والذى كان يسفر فى الغالب عن تحطيم سيارات وإصابة الزبائن وغيره تسبب فى خراب بيوتنا، والآن بدأنا نتنفس من جديد، ونطالب الأمن بتوفير دوريات وخدمات ثابتة لمنع أى محاولات لعودتهم ثانية».

اقرأ أبضًا:
بالفيديو والصور.. «بوابة الشروق» ترصد مراحل نقل الباعة الجائلين من وسط القاهرة إلى الترجمان

محافظة القاهرة: لن نجبر الباعة على الانتقال لـ«الترجمان» ولكننا سنرفض عودتهم للأرصفة

«الباعة الجائلون»: نقلنا لـ«الترجمان» سيتسبب لنا في خسائر مادية.. وعرضنا بدائل وتم رفضها



الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى