الأخبار

مع العائدين من السجون الإسرائيلية: حكايات الألم والتجاهل و«الخوف على الأرض»

 

 

 

 

 

 

 

 

«هذى بلاد لم تعد كبلادى.. كل الحكاية أنها ضاقت بنا.. فكان طريق لقمة العيش.. سجين بسجون أعدائى»، كلمات قالها فاروق جويدة تعبر عن حال أبناء سيناء، الذين وقف بهم الحال وأغلقت فى وجوههم الأبواب فلم يجدوا بحسب رواياتهم باباً مفتوحاً للرزق سوى العمل كمهربين على الحدود بين مصر وإسرائيل، ولكن ينتهى بهم الحال أسرى أو سجناء داخل السجون الإسرائيلية ليعاملوا أسوأ معاملة من قبل النظام الصهيونى، ولا تلقى الدولة المصرية لهم بالاً، وكأنهم مواطنون من بلد آخر.

براك على جهينى، 35 سنة، أحد السجناء المصريين داخل السجون الإسرائيلية، قبل أن يتم الإفراج عنه العام الماضى فى صفقة تبادل الأسرى المصريين، قال لـ«الوطن»: «قبل ما أتكلم عن حكايتى فى السجن لازم تعرف اللى وصلنى إنى اتسجن، إحنا هنا بنمر بحالة صعبة فى المعيشة ومفيش شغل وفى ناس زيى كتير، ومفيش غير التهريب على الحدود المصرية الإسرائيلية، عام 2004 هربنا كمية من السلاح على الضفة الغربية واتمسكت وقتها واتحكم علىّ بـ10 سنين، وقضيت المدة فى أكثر من سجن بإسرائيل، وتم الإفراج عنى فى أكتوبر من العام الماضى فى تبادل الصفقة بين مصر وإسرائيل فى الجاسوس إيلان جرابيل».

براك على جهيني -غزة

يوضح الرجل الذى عاد إلى ولديه الصغيرين بعد غياب 7 سنوات قضاها فى السجون الإسرائيلية، أنه ظل عاماً كاملاً لا يعرف عنه أهله أى شىء ولا يعرف عنهم شيئاً، وبعدما تم إصدار الحكم عليه بالسجن، استطاع الحديث إلى أهله عن طريق الصليب الأحمر، انتقل من سجن عسقلان إلى سجن بئر سبع الذى قضى فيه مدة الحكم عليه، أثناء فترة السجن جاء السفير المصرى إليهم أكثر من مرة، وكان يستمع إليهم ولا يجدون أى تغيير، إلا إنه تم الاستجابة فى عام 2010 بالتحدث إلى أهلهم فى مكالمة كل 3 شهور، وطيلة هذه المدة كان يسرب إليهم تليفون عن طريق شخص فلسطينى فيستطيع الحديث إلى أهله مرة كل شهر أو شهرين على الأكثر.

اتفاقية السلام «سواد على مصر».. والرئيس مرسى يقوم بعمليات «توطين» للفلسطينيين

يقول براك: «اتفاقية كامب ديفيد هى سواد على مصر، من الصعب أن تجد نفسك أسيراً داخل سجون أكثر الدول عداء بالنسبة لك»، وبدت عليه نبرات حزن شديدة عندما قال: «أنا مش أول واحد ولا هاكون آخر واحد يسجن فى إسرائيل وداخل السجون عدد كبير منا هناك، فالسلطات المصرية موقفها سيئ من ناحية السجون، مش علشان أنا خرجت من التبادل الأخير، همجدلك فى دور الدولة، لا يوجد أحد يهتم بحالنا سواء كنا داخل مصر أو حتى فى سجون العدو، فى كتير لسه جوه السجن هناك ومحدش بيسأل فيهم، حتى بعدما تم الإفراج عنا، أعطوا لكل واحد منا 5 آلاف جنيه مع وعود بإيجاد فرصة عمل كريمة وبناء بيت أعيش فيه، وحتى عندما طلبت منهم أن يحفروا لى «بير ماء» حتى أزرع منه لم يستجب لى أحد، وكل هذه الوعود تبخرت بعدما تواجد المسئول معنا فى الصور وأمام الإعلام يطلق فى وعوده التى تبخرت بمجرد أن ركب سيارته».

يقول الرجل متحدثاً بيأس عن حال سيناء: «هى فين سيناء راحت خلاص انسى سيناء، كل اللى فى غزة هييجوا هنا وهيبيعها مرسى، لأنه بيوطن فى الفلسطينيين وعمال يديهم فى الجنسية المصرية، لكن إحنا مش هنرضى فلو كان يريد الدم أهلاً وسهلاً، المسئولون يتحدثون عن سيناء وهى مفيهاش أمن، أنا مراتى مش عارفة تخرج تقضى حاجتها علشان مينفعش تخرج وممكن تتخطف»، ويتساءل: «أين الثوار اللى بدأوها وضحك عليهم الإخوان المسلمين؟ فين هم الثوار يقوموا دلوقتى يرجعوا البلد تانى».

أعرب عن فرحته عندما رأى الطيران المصرى وقت ما دخل سيناء فى العملية التى أطلق عليها «نسر»، وقال: «أنا لما شوفت الطيران والدبابات قلت مصر مش ممكن تنهزم وإن كرامة البلد رجعت تانى والواحد كان فخور بإنه عنده جيش مثل ذلك، لكن أسبوع ورجع تانى علشان إسرائيل هددته، لازم اتفاقية كامب ديفيد تتلغى وينقطع تصدير الغاز لإسرائيل، وإن الجيش يدخل سيناء، فالحل فى التنمية هيبدأ بوجود الجيش، إحنا خلاص مش عايزين شرطة محدش بيفهمنا لكن الجيش بيعامل الناس باحترام».

الأسرى المصريون فى سجون إسرائيل، قصة بدأت مع احتلال سيناء، لكنها لم تنته بجلاء الجيش الإسرائيلى المحتل عنها، فما زال عشرات المصريين يقبعون فى سجون الاحتلال، منهم من أفرج عنه ضمن صفقات تبادل للأسرى، بينما لا يزال قرابة 83 سجيناً مصرياً رهن الأسر.

أبوجهينى وأبوالعبد يتحدثان لـ«الوطن»

عدة صفقات تبادل مرت بها قضية الأسرى المصريين والعرب فى سجون الاحتلال الإسرائيلى، كان أبرزها الصفقة «48» التى تمت أواخر العام الماضى، أفرج بموجبها عن الجاسوس «إيلان جرابيل» مقابل 25 سجيناً جنائياً مصرياً، التسلل عبر الحدود من أجل لقمة العيش لم يقتصر فقط على الشباب بل تكرر الأمر من 3 أطفال من نفس قبيلة السواركة، حيث قام صلاح أحمد عبدالله 15 سنة، ومحمد سليم عيد 15 سنة، فايز عبدالحميد سلامة 14 سنة، بتهريب شحنة معسل، فتم إلقاء القبض عليهم فى يوليو من العام الماضى ووجهت لهم تهمة تهديد أمن إسرائيل وتم إيداعهم بنفس السجن، وتم الإفراج عنهم ضمن صفقة تبادل الأسرى.

أحمد يوسف أبوجهينى سواركة، الذى بلغ العقد السابع من عمره، يحكى عن ابنه الذى أصبح سجيناً بعدما عجز عن إيجاد فرصة عمل يعيش منها، حتى عمل بالتهريب عبر الحدود وألقت السلطات الإسرائيلية القبض عليه، يقول أبوجهينى: «إحنا ناس فقراء وعلى قد حالنا، كنت دائماً أمنعه من الخروج فى التهريب عبر الحدود، خوفاً عليه من أن يقتل أو يسجن، وقلت له فى مرة أنا هاتبرأ منك لو رحت، أحمد منذ عامين ونصف خرج لتهريب السجائر والدخان المعسل عبر الحدود، وكان معه 3 آخرين من أصحابه وابن عمه، فألقى القبض على 3 وقتل أحدهم وبعدها حكم عليه بالسجن 4 سنين، الإجراءات داخل السجون الإسرائيلية متشابهة حيث إن التحقيقات تأخذ مدة عام كامل، حتى يستطيع السجين التحدث إلى أهله ومعرفتهم بمكان وجوده».

كل السجناء فى تل أبيب يحصلون على نحو 1500 شيكل.. والسجين المصرى يحصل على 90 فقط

يكمل الرجل، وهو يتحدث عن ابنه بحسرة وألم يصاحبها غرغرة دموع من الحزن: «أحمد متزوج وكان لديه ابنه خالد وتوفى وهو فى السجن».

أثناء وجودنا لدى أسرة أحمد، وجدنا أبوالعبد المنيعى، فلسطينى الجنسية كان مسجوناً مع أحمد وكثير من المصريين، يروى أن كل سجين يجد معاملة جيدة من قبل الإدارة ويحبس فى سجن مدنى وليس أمنياً، وكل سجين مدنى يأخذ راتباً كل شهر «300 شيكل» والسجين الأمنى «1500 شيكل»، وهذا يطبق على كل الجنسيات الموجودة، عدا السجين المصرى الذى يحصل على 90 شيكل فى أول شهر، وبعد ذلك لا يوجد راتب، ولا أحد يعرف لماذا يعاملون هكذا، ويؤكد أن المصرى أسوأ فى حالته المادية من غيره من السجناء، حتى إن كل الدول بما فيها فلسطين تعطى لسجنائها راتباً شهرياً، لكن الحكومة المصرية لا تسأل عن السجناء المصريين داخل السجون الإسرائيلية، وجاء السفير المصرى أكثر من مرة واشتكوا له عن الحال الذى يتعاملون به، ولكن بعدما يخرج من السجن وكأن شيئاً لم يكن.

يكمل أبوالعبد أنه أثناء صفقة تبادل الأسرى الأخيرة بين السلطات المصرية والإسرائيلية، قدم عدد كبير من المصريين الذين اقترب انتهاء أحكامهم، آملين فى أن يخرجوا فى صفقة التبادل، ولكن منهم من كانت لديه مدة قصيرة وقاربت على الانتهاء ولم يخرج، فلم يكن يعلم أحد على أى أساس يخرج من يخرج ويبقى من يبقى، ولماذا لم يخرجوا جميعاً وقد تجاوز عددهم 80 سجيناً، ويوجد بعض الشباب من الصعيد، أتوا إلى سيناء بحثاً عن لقمة عيش حتى لو عمل مهرباً.

يوضح أبوالعبد أنه لا يمر أحد من السجناء على ضابط مخابرات إلا وعرض عليه أن يعمل جاسوساً للكيان الصهيونى، منهم من ضعف واستسلم للوعود بالخروج من السجن وتوفيرهم كل ما يحتاجه بعد خروجه.

ويقول أبوالعبد: «اليهودى ده جبان بيخاف منك لو هددته إنك تعمل فيه حاجة، هيسمع كلامك وينفذ طلباتك ويحترمك أكبر احترام، وكانوا يجلسون معنا فى الغرفة يشربون قهوة ونخرج إلى أماكن نتعلم بها وورش للعمل، كانت مدير القسم اللى كنت فيه داخل السجن واحدة ست، فداخل السجن النساء كالرجال وعددهن كبير، داخل السجن كنت أجلس مع اليهود وأحكى معهم، أغلب اليهود اللى قعدت معاهم بيحبوا سيناء وهيموتوا عليها، هى عندهم أفضل من فلسطين والضفة، لو يقدروا يرجعوا سيناء هيرجعوها لأن حلمهم إنهم يعيشوا فيها».

يكمل الرجل الذى بلغ العقد الرابع من عمره، إنك من الممكن أن تشترى فى السجن الأمنى مدة ثلث الحكم، وذلك بعد أن يتم الاتفاق مع المحكمة والمحامى الخاص بك، فالسجين إن لم يستطع توكيل محامٍ، يقوم السجن بتوكيل محامٍ دولى، لا يوجد مسجون مصرى قادر على الاستعانة بمحامٍ، وإن استطاع أهله توفير مبلغ من المال حتى يتم التحويل له، الخطوات تستغرق شهرين حتى تصل إليه داخل السجن، ويكون قد تم الحكم عليه، فالسفارة المصرية لا تقوم بتوكيل محامٍ للمسجونين، وداخل إسرائيل هناك سجن للأجانب يدخلونه بجميع حاجياتهم وتليفوناتهم، لكن المصريين مع الفلسطينيين فى سجن يضمهم مع الروسيين واليهود، أما باقى الجنسيات فى سجن آخر أفضل حالاً.

يذكر أنه عام 1948 أُعلنت دولة إسرائيل فوق الأراضى العربية، وبين إسرائيل والعرب «48» أخرى، هو عدد صفقات تبادل الأسرى التى تمت بين الجانبين حتى الآن، بدأتها مصر عام 1949 عقب حرب فلسطين، بعد أسرها جنوداً فى الجيش الإسرائيلى، بينما لا تزال إسرائيل تأسر مدنيين وعسكريين على حد سواء منذ ذلك الوقت.

«براك»: «لازم الجيش المصرى يرجع يدخل سينا تانى»

فى عام 1954 أصدرت إسرائيل قانوناً ينص على احتجاز كافة من يقوم بتخطى الحدود الإسرائيلية باعتباره «عبوراً للحدود بشكل غير قانونى»، ويساوى هذا القانون بين مرتكبى جريمة التسلل سواء كانوا أطفالاً أو دون ذلك، بينما يعطى هذا الحق سلطة تقديرية للسلطات الإسرائيلية فى العقوبة على المتسللين، وهو ما يخالف القانون الدولى، بالإضافة إلى عدم وضوح الحدود المصرية – الإسرائيلية بشكل محدد.

من جانبها، أبدت إسرائيل فى أغسطس الماضى، عبر إذاعتها الرسمية وصحفها رغبتها فى مبادلة كافة السجناء المصريين لديها مقابل إفراج مصر عن «عودة الترابين» المصرى – الفلسطينى، الذى ألقى القبض عليه منذ سنوات بتهمة التجسس لصالح العدو، إلا أن السلطات المصرية أصرت على بقاء «الترابين» سجيناً لديها حتى الآن.

وفى سجون الاحتلال، يقسّم المصريون إلى «جنائيين»، متهمين فى قضايا تهريب المخدرات أو السلع والبضائع عبر الحدود، بينما يصنف آخرون بأنهم «أمنيون»، وهم مرتكبو جرائم تهريب السلاح والتآمر والتجسس والتعاون مع المقاومة الفلسطينية.

توجت مصر عقب ثورة يناير دورها فى إتمام صفقة تبادل الجندى الإسرائيلى «جلعاد شاليط» الذى أسرته حركة الجهاد الإسلامى بالتعاون مع الجناح العسكرى لحركة المقاومة الإسلامية «حماس» عام 2005، وتم بموجبها الإفراج عن أكثر من 1027 أسيراً فلسطينياً بينهم محكومون بالمؤبد و27 أسيراً، وأشرف اللواء رأفت شحاتة رئيس المخابرات العامة الحالى، عندما كان مسئولاً عن الملف الفلسطينى فى المخابرات المصرية، على نقل وتسليم الجندى الإسرائيلى الأسير عبر معبر رفح البرى إلى القاهرة ثم إلى تل أبيب فى شهر أكتوبر من العام الماضى.

وعلى الرغم من دور مصر الفاعل فى إتمام صفقات الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين، فإن عشرات المصريين لا يزالون يقضون فترات عقوبة فى السجون الإسرائيلية تصل إلى المؤبد.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى