الأخبار

بيع وشراء وإهمال «على عينك يا تاجر»

 

33

 

 

PreviousNext

قفص رعاية حيوانات «الجيزة» أدى إلى وفاة الدببة «لولو ونبيلة وفرح» والزرافة لم تجد رعاية فانتحرت.. ورائحة بيت الزواحف تزكم الأنوف

مياه بركة «السيد قشطة» بالشرقية لم يتم تغييرها منذ عام بسبب عطل فى بالوعات الصرف.. والركوب على ظهر «النعام» وسيلة لمتعة الأطفال بالفيوم مقابل جنيه واحد

أحوال الحيوانات فى مصر لا تسر عدواً ولا حبيباً، إذ تعيش تحت واقع مرير من الفوضى والإهمال فى حدائق الحيوانات الحكومية، التى وصلت الأوضاع فيها إلى مستوى مُتردٍّ، دفعت الاتحاد الدولى لحدائق الحيوان إلى استبعاد مصر من عضويته، فضلاً عن تكرار حوادث نفوق حيوانات حديقة الجيزة، كان أشهرها وفاة الدببة الثلاثة «لولو ونبيلة وفرح»، تلاها العثور على زرافة مشنوقة، الحادثة التى عُرفت إعلامياً بـ«انتحار الزرافة».

والحيوانات التى تعيش خارج الحديقة ليست أفضل حالاً، بعد وقوعها فريسة لمافيا الاتجار غير الشرعى، الذى يعرّض أنواعاً نادرة منها للانقراض، فيما تنتشر تجارة بيع وشراء هذه الحيوانات فى أسواق معروفة فى قلب القاهرة، دون رقيب أو حسيب.

«الوطن» قرّرت الدخول فى مغامرة لشراء حيوانات من حديقة الحيوان بالجيزة، عبر اتفاق مسجل بالصوت والصورة، مع أحد الحراس والعاملين هناك، على توريد قرد وشبل صغيرين، ليبدو أن الأمر فى النهاية سهل ويسير على أى شخص يرغب فى الحصول على قرد «حكومى»، وسط إنكار تام من مسئولى الحديقة والطب البيطرى، فيما اتفقوا على أن الوضع سيئ للغاية، وبحاجة إلى تفعيل قوانين حماية الحيوان، وترسيخ أهمية نشر الوعى بخطورة تجارة الحيوانات على هذا النحو..

المرور بجوار أقفاص حديقة الحيوان والتقاط «سيلفى» مع بعضها جائز، أن تتعرّض لإلحاح الحراس، حتى تمد يديك لإطعامها مقابل جنيهات وارد، وعلى مرأى ومسمع من الجميع، لكن أن تذهب إلى جوار أحد الأقفاص ويعجبك أحد الحيوانات، فيُقدم لك الحارس عرضاً خاصاً لشراء أى نوع من الحيوانات الأليفة كانت أو المفترسة، فهذه جريمة يُعاقب عليها القانون المصرى قبل قانون حماية الحياة البرية العالمى، فيما يجرى البيع بمنتهى السهولة، ولأى أنواع من الحيوانات الأليفة والمفترسة، بمجرد الاتفاق على السعر، فضلاً عن بيع وشراء أنواع كثيرة من الحيوانات فى أسواق بالقاهرة، دون حسيب أو رقيب

فى مغامرة قامت بها «الوطن»، حاولت من خلالها السعى لشراء حيوان مفترس، وآخر أليف من داخل الحديقة الأم بالجيزة، خطوات استغرقت عدة أشهر، ما بين الاتفاق على السعر، وترتيب كيفية تسلُّم «البضاعة»، بعيداً عن أعين الجهات الرقابية، التى بدورها نفت رصدها أى عملية بيع جرت بهذا الشكل، وسط تشديد المسئولين أنهم فى انتظار الحصول على أى دليل، يؤكد فرضية بيع حيوانات الحديقة بشكل غير شرعى، فى حين أكد بعض القائمين على متابعة الحياة البرية فى مصر، أن حجم تلك التجارة بالفعل بلغ ذروته، لتكون التجارة الأكثر رواجاً بعد المخدرات، فقد تخطى حجم الاتجار عالمياً فى الحياة البرية 200 مليار دولار، 60% منها تجارة غير شرعية، و40% تجارة شرعية.

بدأت رحلة البحث عن بائع من أمام جزيرة القرود فى حديقة الحيوانات بالجيزة، حيث تصطف عشرات الأسر بصحبة أطفالها، يستمتعون بمتابعة الحيوان الأكثر إمتاعاً للأطفال، بعضهم يتبرّع بإطعام القرود ببعض مما أحضروه من طعام، والبعض الآخر يراقب أطفاله فى طريقهم إلى حارس أربعينى يمد يده إليهم بعصى كبيرة مدبّبة من الأمام، يدس فيها بعض الخضراوات، ويعطيها إلى الطفل ليُطعم بعض القرود فى الأقفاص الحديدية المغلقة، ينادى عليهم بأسماء خاصة، مشهد يتكرّر آلاف المرات، ينتهى الطفل من إطعام الحيوان، فيقبل الأب ليدفع «حلاوة» الحارس بضعة جنيهات، ثم يوجه العامل كلامه إلى الطفل، قائلاً: «المفروض بابا يجيبلك قرد تربيه فى البيت»، يبدأ بعدها حوار بين الأب والعامل عن البيع والشراء، يتحدّث فيه الحارس على استحياء وترقّب، وبعد دفع مبلغ أكبر له، بغرض تأكيد الرغبة فى الشراء، يبدأ فى تقديم عرضه بشكل مختلف.

«أنا ممكن أجيب اللى أنت عايزه من أى مزرعة بره»، هكذا يبدأ العامل تقديم معلومات عن بضاعته، يرفض الحديث عن السعر، لحين سؤاله للتجار، يؤكد أن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت، ولكنه يحتاج إلى مبلغ على سبيل «العربون» للتأكّد من جدية الشراء، يدفع له 100 جنيه، ومعها رقم الهاتف، لحين إحضار مبلغ أكبر فى مقابلة أخرى، لحين التعرّف على كيفية الشراء والأسعار التى تختلف، باختلاف سن القرد.

تمر عدة أسابيع حتى يتصل عامل الحديقة، أو كما يطلق على نفسه أحد حراس الحيوانات، يبلغ المشترى: «يا باشا الحاجة بتاعتك جاهزة، شوف هتيجى إمتى تدفع العربون»، مكالمات ومقابلات مسجّلة جميعاً، يتم تأجيل المقابلة لحين تجهيز عربون جيد، ومع تحديد موعد جديد يطلب فيه المشترى، المتمثل فى جريدة «الوطن»، السعى لشراء شبل صغير، إلى جانب القرد المتفق عليه، يطلب الحارس مقابلة للاتفاق الجديد، وللانتهاء من عربون الحيوانين معاً، أيام قلائل وتعود «الوطن» لمقابلة الحارس، فى تلك المرة لن يتحدث كما فعل من قبل أمام المارة، أو بجوار أقفاص القرود، لكنه يسمح لنا بالدخول إلى استراحة الحراس، بجوار بعض الأقفاص، وتبدأ عملية البيع تدخل حيز التنفيذ، بحوار دام أكثر من نصف الساعة، تم خلالها الاتفاق على طلب «شبل صغير» عمره 4 أشهر، وبمجرد مقابلة العامل الذى تحتفظ الجريدة باسمه، حصل على 100 جنيه، قائلاً: «شوفوا هتعوزوا الحاجة إمتى ونجيبها فين»، لنؤكد له أننا «عايزين أسد صغير من عمر شهرين إلى 4 أشهر مع القرد»، ودون تردّد أو انتظار، يقول العامل «لو عايز فيل صغير، أنا أجيبهولك»، متبوعة بجملة أخرى «بس الحاجات دى غالية قوى، ممكن يوصل لـ10 آلاف جنيه أو أكثر»، يسأل عن هويتنا فى منتصف الحديث، فيتأكد أننا مجرد وسطاء لصاحب إحدى فيلات التجمع الخامس، الذى يريد إيواء بعض الحيوانات فى مسكنه، يطمئن، ويشعر أن الأمر فيه خير وفير، فيقدم عرضاً آخر «النمر العربى مش سهل تلاقيه، لكن ممكن أجيبهولك، عندى ذكر وأنثى بس غالى شوية، الواحد منهم بـ150 ألف جنيه، عنده سنة ونص أو سنتين»، نجيبه بالاكتفاء حالياً بالقرد والشبل، يتم تصوير الحوار صوت وصورة، وينتهى بالتأكيد أن الموعد المقبل سيكون تسلُّم الحيوانين، وتسليمه المبلغ المتفق عليه.

«عامل» و«حارس» وسيطا عملية البيع.. وطبيب سابق بالحديقة يتفاوض على السعر وطريقة التسليم.. والمسئولون: نحتاج إلى تفعيل القوانين

لم تتوقف طرق البيع غير الشرعى للحيوانات فى مصر على التجارة السرية مع عمال الحديقة فحسب، ففى أحد اتصالات حارس القرود ذكر لنا أن هناك مصوراً طلب منه قرداً لبيعه لأحد الأفراد ولكنه فضلنا عليه، مشيراً إلى أن الأمر يسير على هذا النحو دون مشكلات، ولكن مع بعض الحذر ليس أكثر، وكذلك إذا تم التواصل مع أحد التجار المعروفين ببيع الحيوانات، الذى أجرت «الوطن» اتصالاً معه، وهو أحد الأطباء البيطريين، الذى سبق له العمل فى الإشراف على حدائق الحيوانات، كان الوصول إلى وسيلة عبر عامل آخر بالحديقة يدعى «أ. ش»، أكدنا له أننا نعمل لدى أمير عربى، مقيم فى القاهرة الجديدة، يرغب فى شراء نمر صغير، لكنه رفض أن نشاهد النمر أولاً، مقابل أن ندفع جزءاً بسيطاً من الثمن، لا يقل عن عدة آلاف، وليس مجرد عربون 100 جنيه كمن سبقه، ولكنه قدم عرضاً بإمكانية جلب صور فوتوغرافية للنمر، قائلاً «الناس هترفض أنك تشوف الحاجة وتخرج، لكن لو عايز تجيب طبيب بيطرى معاك يشوف الحاجة قبل ما تشتريها مفيش مشكلة، لكن فى حالة إذا كان النمر لا يوجد به أى مشكلة، لا بد أن تدفع الفلوس وتستلمه فى الحال».

بعد رصد «الوطن» للطرق غير الشرعية لبيع الحيوانات البرية من خلال مقابلات واتصالات مباشرة مع التجار، كان هناك على الجانب الآخر تجارة تتم على مرأى ومسمع من الجميع، وهى التى تتم فى سوق الجمعة بمنطقة السيدة عائشة، حيث يقف بعض الشباب حاملين بعض السلاحف الصغيرة لبيعها أسبوعياً، والتى تعد ثروة قومية على حد قول الدكتورة دينا ذوالفقار، الناشطة فى مجال حقوق الحيوان، وعضو اللجنة المشرفة على الحدائق المركزية، ممثلة من المجتمع المدنى، والتى أكدت أن السلحفاة المصرية تهرب للخارج بـ50 دولاراً تقريباً، وهى الأشهر فى عمليات الاتجار بين الدول، ودخل المنافسة معها أيضاً الضفدع المصرى، المطلوب فى الدول الأفريقية تحديداً، لأنه مفيد ويأكل الكثير من الحشرات، وفقاً لدوره فى دورة الحياة.

وتابعت «ذوالفقار» قائلة إن «البيع والشراء موجود ومسموح به من خلال إدارات حدائق الحيوانات بالبدل والبيع، ولذلك هناك أهمية لموضوع المصادرات مثل مصادرات المطار على سبيل المثال، فى المطارات ليس هناك توضيح لما هو ممنوع أو مسموح بسفره من الحيوانات والطيور البرية، وتكتفى إدارة الحياة البرية بالمطار بمذكرة تسليم لحديقة الجيزة رغم أن القانون 102 أو 9 يحتم ضرورة وجود غرامات وعمل محضر رسمى، ولكن لا يتم أى منهما، ولا يتم إعادة ما هو مصرى المنشأ، المرة الوحيدة التى تم فيها ذلك كانت منذ 13 سنة، وقت ما كان هناك إدارة حياة برية، والجهاز المركزى للمحاسبات يتابع القصة من خلال رجل ليس فى النهاية خبيراً بيطرياً، ليعرف كل حيوان يلد بمعدل كم مولود، وهل تتكاثر مرة أو مرتين سنوياً، هو فقط يجرى حصراً لما هو موجود أمامه ليس أكثر، ومن هنا تبدأ التجارة غير الشرعية».

وعن عملية الشراء التى قامت بها «الوطن» لإثبات وجود هذه التجارة غير الشرعية بعدة طرق قالت «ذو الفقار» إنه «متوقع أن يتم ذلك من داخل الحديقة أو خارجها، لأن فى النهاية جهاز الحياة البرية مجرد (مكاتب وكراسى وشلت)، وإذا أردت الإبلاغ عن بيع غير شرعى لن يجيبك أحد، ولا يمتلكون إحصائيات بالحيوانات التى زاد أو قل إنتاجها، وعندما سألتهم من قبل قالوا: لا توجد إمكانيات لعمل إحصائيات، ولذلك وفقاً للاتفاقية الدولية لتنظيم الاتجار فى الحيوانات والنباتات المهددة بالانقراض (السايتس)، أكدوا أن الاتجار فى الحيوانات فى مصر هو الأكثر رواجاً بعد السلاح والمخدرات».

بالصوت والصورة.. عربون القرد 100 جنيه.. وسعر النمر العربى 150 ألف جنيه .. ورئيس «الخدمات الطبية»: التجارة غير الرسمية واردة وتحدث فى أى مكان

من جانبه، أكد اللواء الدكتور أسامة سليم، رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية، أن التجارة غير الرسمية واردة جداً، وتحدث فى كل مكان فى العالم مثل بيع ربان المراكب للحيوانات فى معابر أو رواد المراكب الصغيرة فى محطاتهم المائية، لكنه استبعد تماماً أن يتم ذلك داخل حديقة الحيوانات نفسها، مشيراً إلى أن كل مولود جديد يتم عمل شهادات إدارية له، وهناك سجلات للمواليد والوفيات، وإذا تم ذلك فهو مسئولية مرتكب الجريمة فحسب من الناحية الجنائية، لكن فكرة الرقابة على العمال لرصد تلك العمليات غير الشرعية لن يتعدى الدور الإدارى، أى أن مدير الحديقة ليس طرفاً، وبالتالى العقاب الأكبر لمن باع فقط.

وطلب «سليم» ضبط أى حالة بيع تتم داخل الحديقة قائلاً «يا ريت تجيبولى أى حالة بيع من داخل الحديقة وهل فعلاً ممكن رصدها أم لا، من سنين باسمع مجرد سمع أن فى تجارة لكن اللى بقوله دائماً عايز حد يمسك حالة بيع واحدة، وأنا هشترك معاكم ونشوف هعمل إيه وقتها فقط ويتم إبلاغ السلطات الرقابية للتدخل أيضاً».

لم ينكر الدكتور عصام رمضان، مدير إدارة أوسيم البيطرية بمحافظة الجيزة، أن تجارة الحيوانات البرية سواء المفترسة والأليفة الممنوع تداولها أو بيعها تتم بشكل كبير فى مصر، على الرغم من توقيع الجمهورية على اتفاقية منع البيع أو الاتجار فى الحيوانات البرية، إلا فى أضيق الحدود لبعض الحيوانات، التى لها طرق شرعية للبدل أو البيع، وقال إن «هناك تجارة غير شرعية للحيوانات البرية وخاصة النادرة منها، سواء فى الأسواق العشوائية مثل سوق الجمعة بمنطقة السيدة عائشة أو سوق الخميس بالمطرية، حيث تعرض فيها بعض الحيوانات مثل القرود والنسانيس، بينما الأنواع الأخرى النادرة والمرتفعة الثمن، تباع بالاتفاق، حيث يتم الاتفاق عليها، ويذهب المشترى إلى المكان الذى يحدده البائع لتسلم ما يريد، مضيفاً أن هذه الأماكن غالباً ما تكون وسط المزارع التى تعيش فيها هذه الحيوانات التى توجد فى قليوب أو مزارع أبورواش وطريق مصر إسكندرية الصحراوى، كما أن هناك بعض الحيوانات التى يتم سرقتها من حدائق الحيوانات الحكومية وبيعها، وتسجل فى دفاتر الحديقة على أنها حيوانات نافقة».

وأكدت الدكتورة ماجدة شكرى، رئيس الإدارة المركزية لحديقة الحيوان، أن هناك عدة شكاوى من الاتجار فى الحيوانات، ولكن على أرض الواقع لم نتمكن من الإمساك بشىء أو بمعنى أدق لا توجد جريمة مكتملة الأركان بين يدينا، هناك قرارات حاسمة تمنع تلك التجارة، ولكن مع الأسف قد تتم بعيداً عن أعيننا مثلها مثل إيواء الحيوانات فى الفيلات الخاصة، التى من المفترض أن تتم بتصريح مسبق، وشروط غالباً لا يمكن توفرها فى الفيلات المصرية بشكل كبير، وأضافت «فى حال الإمساك بحالة تلبس بيع أو اتجار ستتم محاسبة من يقوم بذلك وصولاً إلى أكبر مسئول عن رقابة الحديقة، ولكن على الجانب الآخر، هناك حيوانات كثيرة مهربة، وخصوصاً الصقور والببغاوات، يتم تخديرها وتحنيطها وتوضع فى حقائب السفر وتمر فى المطارات دون ملاحظة الأجهزة الرقابية، وحتى فى حالة الإمساك بالحيوانات لا يقوم أحد بتحرير محاضر رسمية كما هو مفترض، ولكن يتم معالجة الأمر بأن المهرب يجهل القوانين المصرية والحياة البرية بها، ويوقع على تنازل رسمى عن الحيوان فقط، كما أن هناك غياباً لفكرة الإبلاغ عن عمليات البيع غير الشرعية، فمثلاً لو وجد أى شخص فى مصر تاجراً يبيع ثعلباً أو أى حيوان آخر، لن يخطر بباله الإبلاغ عن ذلك بوصفه تجارة محرمة»، موضحة أن غياب الوعى بما هو ثروة قومية ومال عام قد يتم إهداره دون علم كارثة أكبر من إهدار المال نفسه وأضافت أنه «لا توجد أى توعية بأهمية بعض الحيوانات، التى تباع على الملأ فى الأسواق الشعبية وغيرها من المتاجر الصغيرة، ولكن بالنسبة لبيع الحيوانات المفترسة، فهو أمر صعب لم نسمع عنه من قبل، ومن المفترض ألا يتم بهذا الشكل السهل».

عشرات الأسود خلف أسوار أقفاصها، تبدو عليها معالم النحافة، وعدد قليل من الغزلان تعيش بين أكوام من الإهمال والقمامة، وفِيلَة تبحث عن الرعاية بعد أن أنهكها الوهن والتعب من كثرة المرور بين الزائرين للتصوير، وهى مكبّلة الأقدام بسلاسل حديدية، وزواحف فى متحف خاص، لكنها لم تسلم من مظاهر الإهمال، بداية من الروائح الكريهة خلف بوابات المتحف، وصولاً إلى المرتزقة من المصورين الذين يدفعون رواد الحديقة إلى التقاط الصور بجانب الزواحف.

مشاهد عديدة اجتمعت فى مكان واحد بحديقة حيوانات الجيزة أو «جوهرة التاج» لحدائق حيوان أفريقيا، كما كان يُطلق عليها من قبل، الحديقة الأم من بين 7 حدائق هو إجمالى عدد حدائق الحيوان بمصر، ولكن تبقى «الجيزة» الحديقة الكبرى، التى تحتل 80 فداناً.

الإهمال طال أجزاءً رئيسية من الحديقة، كلمات ردّدها أحمد سعد، أحد الزوار الذى جاء بصحبة أبنائه لزيارة أهم حديقة حيوان بمصر، وبدأ رحلته بحثاً عن جبلاية القرود، يشد «أحمد» على يد ابنه، وهو يمر بين أقفاص الحيوانات، ليجد القمامة منتشرة على الأرض، وحيوانات أنهكها التعب من كثرة التصوير، وتطفّل الزائرين عليها. تذكّر الشاب الثلاثينى خبراً قرأه فى إحدى الصحف عن استبعاد مصر من عضوية الاتحاد الدولى لحدائق الحيوان، وذلك بسبب تفشى الأمراض بين الحيوانات والمعاملة السيئة لها من قِبل الحراس واستغلالها فى كسب عدد قليل من الجنيهات.

بمجرد الولوج من البوابات، يصعب على الزائر الوصول إلى المكان الذى يريده بسهولة، خريطة الحديقة كبيرة وغير واضحة، والأسهم الداخلية تشير إلى أماكن من المفترض أن يوجد بها حيوانات وفقاً لبعض الألواح المدونة خارجها، ولكن فى حقيقة الأمر بدت خاوية تماماً.

بضعة أمتار تصل بالزائر إلى مكان وجود «الجمال»، التى بدت هزيلة، وبعضها سقط سنمه على جسده، فبدت منهكة تماماً، خطوات قليلة إلى الأمام، وتظهر أقفاص القرود، يحيطها الباعة من كل حدب وصوب، إذا ما فكر المواطن البسيط فى أن يستريح وأسرته على أحد المقاعد، سرعان ما يأتى إليه شاب عشرينى يطالبه بأجرة الجلوس، فالمكان تم تأجيره لـ«نصبة شاى»، صاحبها هو المتحكم الرئيسى فى أماكن الجلوس، وبعد رفض بعض الزوار دفع الإتاوة، ربما يصل الأمر إلى حد الاشتباك بالأيدى بين الزائرين وأصحاب أماكن التأجير. وشكا نادر محمد أحد زوار الحديقة من سطوة الباعة الجائلين: «المفروض لما الواحد يتعب من اللف مع الأولاد يلاقى مكان يرتاح فيه ربع ساعة، حتى القعدة بفلوس، مش كفاية أن زيارة الحيوانات نفسها بفلوس، والدخول فى أى مكان، سواء بيت الزواحف أو الأسود أو الجلوس بالقرب منها، بات مدفوع الثمن، وكأن الإدارة تعوّض ثمن التذكرة الذى يراه البعض زهيداً (3 جنيهات)، بأن تجبر زوار الحديقة على الدفع فى الداخل».

حوادث كثيرة تداولتها الصحف فى العامين الأخيرين كشفت عن نهايات مأساوية لعدد من الحيوانات، نتيجة الإهمال فى رعايتها، أشهرها وفاة الدببة الثلاثة «لولو ونبيلة وفرح»، والعثور على الزرافة مشنوقة بالحبال، وهو الحادث الذى عُرف إعلامياً بـ«انتحار الزرافة».

تقول الدكتورة دينا ذوالفقار، الناشطة فى مجال حقوق الحيوان وعضو اللجنة المشرفة على الحدائق المركزية: إن «حديقة الجيزة يعمل بها 28 طبيباً بيطرياً معينين لـ7 حدائق، ولذلك تبدو إمكانيات المتابعة الدورية محدودة، ولا يوجد منهج لتلقى الشكاوى، أو ضمان الرد عليها، وعلى سبيل المثال قدّمنا شكوى بعدم وجود مكان مخصص للحيوانات الثلاثة التى أهدتها الإمارات إلى الحديقة، وبالفعل مات أحدها».

ويبدو أن مشكلات حديقة «الجيزة» لم تختلف كثيراً عن مثيلاتها فى حدائق حيوانات أخرى فى محافظات مصر، فعلى مساحة 5 أفدنة تتمدد حديقة الحيوان بمحافظة الشرقية، يحاصرها سور حديدى تتوسطه بوابة ضخمة، تعلوها لافتة تعلن تبعية المكان للهيئة العامة للخدمات البيطرية بوزارة الزراعة، تستقبل جمهورها الذى يتنوّع ما بين غالبية من العشاق، وقلة من العائلات تكاد تكون معدومة فى بعض الأيام، حسب «عم محمد» أحد عمال الحديقة.

خطوات معدودة بمجرد عبورك البوابة، يظهر على يمينك ما يطلق عليه «ملاهى الأطفال» تضم ألعاباً متهالكة تكسوها طبقة ترابية، تدل على عدم اقتراب الأطفال منها، بينما على اليسار مقهى مغلق منذ 4 سنوات، وفقاً لتقدير أيمن لطفى مدير الحديقة، الذى أعرب عن ارتياحه لغلقه، لأن تشغيله كما يقول كان يمثل أعباء إضافية على إدارة الحديقة، التى تلجأ إلى تعزيز الخدمات الأمنية بعد انتهاء مواعيد الزيارة فى الثانية ظهراً، حتى لا يتسلل رواد الكافيه إلى المساحات الخلفية من الحديقة.

طريق ترابى يشطر الحديقة إلى نصفين، تتناثر أقفاص وبيوت الحيوانات فى الشطر الأيمن، باستثناء بيت السلحفاء وأقفاص العصافير التى تقبع فى الشطر الأيسر، لا يتجاوز زوار الحديقة الـ25 زائراً يومياً، كما رصدتهم «الوطن» أثناء جولاتها داخل الحديقة التى استغرقت ساعتين، ولا يظهر أغلبيتهم أى اهتمام بالحيوانات الموجودة وإنما يتم الاكتفاء بالجلوس على المقاعد الخشبية المتناثرة فى أرجاء المكان، باستثناء ثلاث أسر لا أكثر بصحبة أطفالهم، يتجولون بين بيوت الحيوانات فى أرجاء الحديقة.

تقدر الثروة الحيوانية داخل الحديقة التى تستقبل الزوار طول أيام الأسبوع من الثامنة صباحاً وحتى الثانية ظهراً، ماعدا الثلاثاء بـ20 نوعاً من الحيوانات المستأنسة، أغلبها من فصيلة الحيوانات العشبية، وفقاً لمدير الحديقة، لا يوجد بينها أى حيوانات مفترسة، هو ما اعتبره أيمن لطفى المسئول الأول عن حيوانات الحديقة ميزة حتى لا تتعرض حياة الأطفال للخطر ولعدم خبرة العمال الكافية للتعامل مع هذه النوعية من الحيوانات المفترسة، موضحاً أن نوعية الحيوانات الموجودة داخل الحديقة مناسبة جداً لمساحة المكان وتكفى فى الوقت الحالى، خاصة أن هناك عمليات تكاثر تتم فى الحديقة، ما يساهم فى زيادة أعداد الحيوانات الموجودة فى الحديقة بطبيعة الحال.

وعلى الرغم من الهواء النقى الذى تتميز به محافظة الشرقية فإن رائحة الروث تفوح فى أرجاء المكان، والحيوانات ترقد وسط فضلات، والعطن يظهر على بقايا الطعام، سمات تشترك فيها بيوت وأقفاص الحيوانات داخل الحديقة، بينما تزيد معاناة كل نوع منها حسب إهمال العامل المسئول عنها، والمكان الذى تعيش فيه الحيوانات ومدى الرعاية التى تتوفر لها.

فالقرود مثلاً تعيش فى قفص حديدى بيضاوى الشكل يتكون من طابقين، قام عامل الحديقة بحبس أنثى القرد مع اثنين من أبنائها حديثى الولادة فى صندوق خشبى صغير متهالك لا تتجاوز مساحته النصف متر، يقبع فى زاوية القفص الحديدى، يبرر العامل ذو الأربعين عاماً المسئول عن رعايتها، هذه الوضعية «حتى لا يتعرض لهم الذكر الكبير»، على حد تعبيره، الذى ترك له القفص ذا المترين والمكون من طابقين يلهو فيه كما يشاء وسط رائحة نفاذة كريهة تعبئ أرجاء المكان، بينما تفشل محاولات أنثى القرد التى تحاصرها جوانب خشبية معتمة، فى الخروج من القفص الخشبى، تنبش بيديها لعل الخشب يلين لها، لكن بلا جدوى.

أما حال «السيد قشطة» الذى يوجد داخل الحديقة اثنان منه فلا يختلف عن الحال السيئ للقرود، فهو يعيش فى بركة مياه سوداء اللون، ماؤها آسن، تطفو على سطحها الطحالب والشوائب، بينما يغوص ويطفو فيها «السيد قشطة»، العامل المسئول عن البركة يؤكد أنه لم يتم تغيير ماء البركة منذ أكثر من عام، بسبب وجود مشكلة فى تصريف المياه لم تحل حتى الآن، مضيفاً «أن كمية المياه الموجودة فيها كبيرة، ويصعب تفريغها فى أى مكان وننتظر حتى يتم إصلاح الصرف».

على النقيض تماماً، تخلو بركة الأوز من المياه، التى يقبع فيها أكثر من 20 أوزة من فصيلتين مختلفتين، يتوسط البركة عمود خرسانى يضم العديد من صنابير المياه، ورغم ذلك تظل البركة دون مياه، وهو ما وثقته «الوطن» بالصور أثناء جولتها فى الحديقة.

ولا تجد إدارة الحديقة أى مشكلة فى وضع «عنز أبيض» الذى ينتمى لعائلة اللقلق موطنه الأصلى آسيا وفقاً للوحة الإرشادية مع «كبش روى» من عائلة البقرية، فى مكان واحد داخل الحديقة، بررها أيمن لطفى مدير الحديقة بأن الكبش «نقل مع العنز لأنه يعتدى على أبنائه».

ولم ينج الجمل ذو السنامين من الإهمال الذى تتعرض له الحيوانات داخل الحديقة، حيث أصيب بانحناء شديد فى إحدى سناميه، ويرقد وسط الروث الممزوج ببقايا الطعام المهدر، هو ما برره مدير الحديقة بقوله إنهم لا يقصرون فى توفير الطعام للحيوانات ويتم توقيع الكشف عليها بصفة دورية، ورغم ذلك نفى علمه بانحناء سنام الجمل، وعندما تمت مواجهته بالصور التى توثق ما تقوله «الوطن» أكد أن سبب ذلك هو صيام الجمل وعزوفه عن الأكل.

القوى البشرية العاملة فى الحديقة قدرها مدير الحديقة الذى يعمل بها منذ عشر سنوات بـ30 فرداً، منهم العمال الذين يتعاملون مع الحيوانات بصورة مباشرة، وأفراد الأمن المسئولون عن تأمين الحديقة، واثنان من الأطباء البيطريين، وتعتبر المشكلة الأكبر هى قلة الموارد التى لا تكفى الحديقة، وهو ما اتفق عليه محمد حسن ذو 45 عاماً، أحد عمال الحديقة، بأن مشكلة العاملين بالحديقة هى قلة الرواتب وعدم التثبيت، مضيفاً «نحن نعمل هنا منذ 11 عاماً وما زالت الرواتب لم تتجاوز 500 جنيه».

تختلف المحافظات ويبقى الحال على ما هو عليه، فخلف بوابة حديدية ضخمة تعلوها لافتة حديقة حيوان الفيوم، تظهر بيوت الحيوانات ذات اللون الأخضر، بشكلها الدائرى والمستطيل، معظمها خاوية من الحيوانات وقليل منها يرقد بها عدد من الطيور والحيوانات الأليفة والعشبية.

«الجيزة» و«الشرقية» و«الفيوم».. حدائق حيوان تعانى البيزنس وضعف الرقابة

تعود نشأة حديقة الحيوان الوحيدة بمحافظة الفيوم، إلى عام 1984 فى عهد المحافظ عبدالرحيم شحاتة، تشرف عليها الإدارة المركزية لحدائق الحيوان، ضمن سبع حدائق حيوان فرعية تنتشر فى العديد من محافظات مصر، تمتد الحديقة على مساحة 5 أفدنة، يتردد عليها أهالى المحافظة فى الإجازات الرسمية والأعياد والمناسبات بصفة دائمة، بالإضافة إلى الرحلات المدرسية لتلاميذ المحافظة خلال فترة الدراسة أو القادمين من محافظات مصر المختلفة، خاصة محافظات القاهرة والوجه البحرى لزيارة معالم الفيوم السياحية.

ممر ترابى طويل يقسم الحديقة إلى شطرين، يتجول نفر من زوار الحديقة فى ثناياه، بينما تقبع فى نهايته مديرة الحديقة الدكتورة ماجدة أنور عبدالعليم، على مكتب خشبى متهالك، تعترف المسئولة الأولى داخل الحديقة بأن الإمكانيات المادية محدودة ولكنهم يسعون دائماً إلى تطويرها ونظافتها، وكشفت جولة «الوطن» التى تم توثيقها بالصور فى أروقة الحديقة، عن صورة مغايرة لما تقوله مديرتها، حيث بدأت الجولة من أمام بركة «السيد قشطة» التى تقبع فى أقصى يسار الحديقة، والتى تأخذ شكل بحيرة دائرية الشكل يرسم حدودها سور حديدى يبلغ ارتفاعه مترين، تفوح منها رائحة نفاذة كريهة، تستشعرها أنفك قبل الوصول إلى البركة المملوءة بالماء الساكن لا يحركه سوى نزول وصعود «السيد قشطة»، بينما يطوف على سطحها الشوائب والأعشاب التى تحولت إلى طبقات طينية رقيقة، تغير بسببها لون المياه من الأبيض الشفاف إلى البنى الفاتح.

وفى أحد جنبات الحديقة يقبع حيوان «لاما» الذى ينتمى إلى الثدييات، حيث تضم الحديقة اثنين منه، وتؤكد مديرة الحديقة أنه تم استقدامه من حديقة بنى سويف، فى إحدى عمليات تبادل الحيوان التى تتم بين حدائق الحيوان، الوقوف لثوانٍ معدودة أمام بيت «لاما»، كفيلة لقدوم عامل الحديقة إليك، عارضاً عليك الدخول للعب مع لاما ومتبرعاً بتصويرك بكاميرتك الخاصة إذا أردت ذلك، مقابل قليل من الجنيهات.

بينما تتعرض «النعامة» لاعتداءات الأطفال، حيث يسمح العامل المسئول عنها لطلاب المدارس بالدخول واللعب معها أو الركوب عليها إن استطاعوا مقابل جنيه واحد لكل طالب وهو ما وثقته «الوطن» بالصور.

فى الجهة المقابلة يقبع بيت الأوز والبجع اللذين وضعتهما إدارة الحديقة معاً فى مكان واحد، ويسمح أيضاً للأسر بالدخول إلى الحرم المخصص للطيور والحيوانات الأليفة بمباركة من عمال الحديقة.

وقال الدكتور اللواء أسامة سليم رئيس الهيئة العامة للخدمات البيطرية «إن مشكلة حدائق الحيوان فى مصر أنها تنفق على نفسها من تمويلها الذاتى، أى من سعر التذاكر ليس أكثر، كما أن جزءاً من الدخل يدفع منه رواتب العمال، ومع ارتفاع أسعار أكل الحيوانات رفعنا ثمن تذكرة الدخول جنيهاً واحداً لتصبح 3 جنيهات، وقمت بزيارة حدائق حيوانات ودفعت 20 يورو للدخول بخلاف حساب الزيارات الداخلية، ومن الصعب أن ألوم على الحارس أو العامل الذى لا يزيد راتبه على 150 جنيهاً لأنه يحصل على جنيهات من إطعام الحيوان، خاصة أن الدولة لم تخصص أى ميزانية للحدائق، فإذا بحثنا عالمياً عن حق العامل فلا بد من توفير نصف كيلو لبن يومياً لأنه يجلس مع الحيوان عدد ساعات محدد يحتاج فى مقابلها تغذية معينة».

وعن مشكلات حديقة حيوانات الجيزة قال «سليم»: «أعرف أنه لا بد من توفير بيئة خاصة لكل حيوان ولكنى أسعى فى حدود الإمكانيات المتاحة، لم يكن لدينا زرافات وجلبنا واحدة، ولم نملك 20 نوعاً من الحيوانات أصبح موجوداً الآن، إنسان الغاب كان فى قفص وهذا خطأ كبير تم عمل مكان خاص به تكلفته بلغت نصف مليون جنيه كله من إيراد الحديقة، ونفكر فى إنشاء غرفة لخلع الملابس والاستحمام نظيفة جداً للحراس، ولكن فى النهاية (على قد لحافك مد رجليك)، ما فعلته أن هناك 8 أماكن مؤجرة، أتمنى إلغاءها ولكن لن أقدر أن أحرم نفسى من هذا الدخل فى الوقت الحالى».

من جهتها أقرت الدكتورة ماجدة شكرى رئيس الإدارة المركزية لحديقة الحيوان بتدهور حال الحدائق فى مصر وخاصة حديقة حيوانات الجيزة وقالت «كانت الحديقة على مستوى راقٍ، لكنها انهارت بعد تولى مصطفى عوض الإشراف على الحديقة، فقد كان مطلوباً للقضاء وهرب وعليه عدة أحكام قضائية، وسعى لتطفيش كل الخبرات الموجودة منذ 20 عاماً بالحديقة، ونحمد الله أننا دخلنا فى التصنيف العالمى فى أفريقيا بعد أن خرجنا منه ولكنى أعترف أيضاً بعدم وجود أماكن تكفى للمواليد مثل الأسود فلا يوجد أماكن لدينا لاستقبال المواليد الجدد من كل الحيوانات.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى