الأخبار

هل نجح أبومازن فى ترويض «حماس»؟!

 

162

على غير توقعات كثيرين، حقق مؤتمر إعادة إعمار غزة الذى استضافته القاهرة نجاحاً كبيراً، وضح فى التزام المجتمع الدولى بتغطية عملية إعمار غزة بتكلفة تصل إلى خمسة مليارات ونصف المليار دولار، تزيد على ما كان يطلبه أبومازن، صحيح أن الوعود شىء والتنفيذ شىء آخر، لأنه من مجمل أربعة مليارات دولار التزم بها المجتمع الدولى فى مؤتمر سابق، وصل إلى السلطة الفلسطينية فقط ما يقرب من 200 مليون دولار، لكن الواضح أن الانقسام الفلسطينى والصراع المحتدم وقتها بين فتح وحماس، كان العامل الأساسى وراء تحلل معظم الدول من وعودها! هذه المرة تبدو الصورة جد مختلفة، خاصة بعد أن نجحت حكومة الوفاق الوطنى الفلسطينى فى عقد أول اجتماعاتها فى قطاع غزة وسط ترحيب واضح من حماس يؤكد وحدة الصف الفلسطينى.

والحق أن الرئيس الفلسطينى أبومازن نجح بمعاونة أساسية من القاهرة فى استثمار أزمة قطاع غزة، وأحسن استخدامها لصالح الشعب الفلسطينى، وتمكن من أن يضع حماس أمام مسئولياتها، ويلزمها المشاركة المسئولة فى سيناريو الأحداث الذى صمم خططه وأولوياته بذكاء بالغ، فى إطار رؤية واضحة تعجز حماس عن تقديم بديل لها، ولا يزال أبومازن يقود الموقف بشجاعة وعقلانية، لأنه يعرف جيداً أن حماس الآن أضعف كثيراً من أن تتشبث بالمقاومة المسلحة بعد الخسائر الضخمة التى تكبدها قطاع غزة، كما أنها لا تملك القدرة على أن تفرض من جديد قرار الحرب على الشعب الفلسطينى فى غزة بعد الدمار المخيف الذى حدث فى حرب الخمسين يوماً، وأدى إلى استشهاد أكثر من ألفى فلسطينى، معظمهم من النساء والأطفال، وتدمير أكثر من 80 ألف منزل فى القطاع، وتشريد 120 ألفاً من السكان لا يجدون ملاذاً آمناً يلجأون إليه!

وما من شك أن أبومازن يعرف أيضاً أن حماس لم تعد تملك قدرة التنصل من مسئولياتها عما حدث أمام شعبها، بعد اعتراف مسئوليها بأنها اختطفت المستوطنين الثلاثة وقتلتهم بهدف تثوير أوضاع الضفة الغربية! وإطلاق العنان لإسرائيل كى تفعل فى الضفة نفس الذى فعلته فى قطاع غزة! لكن أبومازن نجح فى إفشال هذا المخطط، والواضح من علاقات رئيس السلطة الفلسطينية الجديدة بحماس، أن أبومازن لا يزال على موقفه يرفض مداهنة حماس، ويحمّلها الجانب الأكبر من مسئولية حرب الخمسين يوماً، ويعلن على المفتوح اعتراضه على تنفيذ أحكام الإعدام على عشرات الفلسطينيين بدعوى أنهم جواسيس دون محاكمة! لكنه لا يطالب حماس بتغيير مواقفها وأيديولوجياتها من أجل تحقيق المصالحة الوطنية الفلسطينية، مكتفياً بقبول حماس لتشكيل حكومة الوفاق الوطنى، واحترام هذه الحكومة التى لا تشارك فيها، والالتزام بتنفيذ قراراتها، والذهاب إلى انتخابات رئاسية وبرلمانية جديدة يقرر فيها الشعب الفلسطينى حقيقة ما يريد، وفى إطار هذه الصيغة يملك محمود عباس رئيس السلطة الوطنية حق التفاوض نيابة عن الشعب الفلسطينى، كما تتحمل حكومة الوفاق الوطنى الفلسطينى وحدها مسئولية النهوض بعملية إعمار غزة دون تدخل أى من الفصائل، تتسلم مواد البناء من معابر الحدود المصرية والإسرائيلية لتعيد توزيعها على أصحابها تحت رقابة لجان الأمم المتحدة كى لا تذهب مواد البناء إلى غير أهدافها المتعلقة بإعمار غزة، كما تتسلم أموال التبرعات القادمة من المانحين لتعيد إنفاقها على مشروعات الإعمار المختلفة، وتقبل فى البداية والنهاية بمراجعة تصرفاتها وقراراتها من جانب لجان الأمم المتحدة التزاماً بالنزاهة والشفافية.

والواضح حتى الآن أن حماس تلتزم تماماً بأبعاد السيناريو، تستقبل حكومة الوفاق الوطنى فى غزة بترحيب بالغ، ويؤدى جهازها الأمنى تحية حرس الشرف لرئيس وزراء حكومة الوفاق الوطنى رامى حمدالله، وتؤكد فى تصريحات مسئوليها التزامها بتسليم كل مواقع الإدارة فى القطاع إلى السلطة الوطنية بما فى ذلك الجانب الفلسطينى من معبر رفح والشريط الحدودى الملاصق لمصر، بينما يعرف الجميع أن السلطة الحقيقية على الأرض فى غزة لا تزال لحماس.

وما من شك أن هذا التوافق الجديد بين حماس وفتح ساعد على تغيير صورة الموقف الفلسطينى، وعزز الأمل فى نجاح حكومة الوفاق الوطنى بالنهوض بعملية الإعمار، وأنعش الآمال فى إمكان تحقيق مصالحة وطنية فلسطينية تنهض على الاختيار الحر للشعب الفلسطينى فى انتخابات برلمانية ورئاسية جديدة، كما ساعد على خلق مناخ دولى جديد مكن مؤتمر إعادة الإعمار من تحقيق نجاح ملموس، تجسد فى وصول حجم المنح إلى خمسة مليارات دولار بما يزيد على كلفة الإعمار التى قدرها أبومازن.

وربما لا يكون أبومازن قد حقق مع إسرائيل النجاح ذاته الذى مكنه من ترويض حماس، لكن ما من شك أنه وضع حكومة نتنياهو فى وضع بالغ الصعوبة، عندما أعلن رفضه استئناف التفاوض غير المباشر مع الإسرائيليين ما لم يتم تحديد موعد زمنى قاطع لإعلان إنهاء احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية، كما أعلن أبومازن التزامه مع جميع الدول العربية بتقديم مشروع قرار جديد إلى مجلس الأمن فى غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة، يحدد عام 2016 موعداً لإنهاء احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية، ويدعو مشروع القرار الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى إلى تفاوض مباشر ينظمه جدول زمنى محدد لإنهاء كل مشكلات الحل النهائى بما فى ذلك المستوطنات والمياه وتعليم الحدود.

ولأن أبومازن يعرف أن مشروع القرار العربى الفلسطينى يمكن أن يجابه بالفيتو الأمريكى، يجاهر أبومازن علناً بأنه سوف ينضم إلى باقى اتفاقات الأمم المتحدة بما فى ذلك اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية التى تمكنه من طلب محاكمة قادة إسرائيل على جرائم الحرب التى وقعت فى غزة، خاصة أن كافة الفصائل الفلسطينية تطالبه كتابة بالذهاب إلى المحكمة الجنائية، وربما يدخل فى خطط أبومازن لمواجهة الفيتو الأمريكى، أن يعلن فض السلطة الوطنية التى حولتها إسرائيل إلى خيال مآتة لا يهش أو ينش، الأمر الذى ينذر بإمكان وقوع انتفاضة فلسطينية ثالثة، ورغم أن أبومازن يعرف جيداً أنه لن يسلم من عقاب أمريكا وإسرائيل لاجترائه على الدخول فى هذه المقامرة الصعبة، فإنه يراهن فى الحقيقة على التغيير الواضح فى مواقف الرأى العام العالمى تجاه القضية الفلسطينية، بسبب صلف حكومة بنيامين نتنياهو، وإصرارها على استمرار بناء المستوطنات فى الضفة، وتواطئها على تدمير الحياة فى قطاع غزة على هذا النحو المخيف.

وتنتشر الآن فى كل دول الاتحاد الأوروبى دعوات مقاطعة المنتجات الإسرائيلية فى الأرض المحتلة، كما تنشط فى جامعات الولايات المتحدة حركة قوية تدعو لمقاطعة الجامعات الإسرائيلية لصمتها المتواطئ على احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية، كما يتزايد عدد الدول التى تعلن استعدادها للاعتراف الفورى بدولة فلسطين دون حاجة إلى المزيد من التفاوض، ويوشك مجلس العموم البريطانى على التصويت لصالح قرار يلزم الحكومة البريطانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية، فضلاً عن النتائج المدهشة لمؤتمر إعادة إعمار غزة الذى أكد رغبة المجتمع الدولى الملحة فى تسوية شاملة وسريعة لقضية الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، وكلها تطورات مهمة تضع إسرائيل أمام خيارين لا ثالث لهما، إما التسليم بحقوق الشعب الفلسطينى فى دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية تعيش إلى جوار دولة إسرائيل، مقابل اعتراف عربى وإسلامى واسع بدولة إسرائيل وفقاً لشروط المبادرة العربية التى وافق عليها القادة العرب فى قمة بيروت عام 2002، وإما الدخول فى مرحلة صراع جديدة أولها الذهاب إلى المحكمة الجنائية الدولية يمكن أن تقود إلى متاهة العنف والعنف المضاد بسبب الاحتمالات المتزايدة لقيام انتفاضة فلسطينية ثالثة، وبرغم أن الولايات المتحددة لا تتحمس لقرارات أبومازن الأخيرة، فإنها عجزت حتى الآن عن تقديم أى بدائل واضحة، خاصة فى الاجتماع الأخير الذى جرى فى القاهرة بين رئيس السلطة الوطنية محمود عباس ووزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، الذى لم يقدم أى حل جاد للخروج من الأزمة الراهنة دون تصعيد جديد.

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى