الأخبار

الأزهر يدخل «ماراثون» المبادرات عشية «جمعة الخلاص»

97images_pic_D007103_20130131172248

وائل عبد الفتاح
يتحدثون إلى مجهول. 
هذا هو حديث المبادرات التي يُقال إنها أغرقت مصر خلال الساعات الأخيرة. آخرها من الأزهر الذي نجح في جمع جبهة الإنقاذ وحزب «الإخوان» للمرة الأولى منذ أزمة الإعلان الدستوري في تشرين الثاني الماضي. محمد البرادعي ظهر ضمن واجهة المبادرة، وعلى مقربة منه رئيس «حزب الحرية والعدالة» (ذراع «الإخوان») سعد الكتاتني، وبينهما ممثل للكنيسة، وفي الخلفية عمرو موسى. 
هذا في المؤتمر الصحافي، أما في ما قبله من اجتماع لسماع كلمة الشيخ أحمد الطيب، فقد حضر حمدين صباحي وعبد المنعم أبو الفتوح (المنشق عن «الإخوان»)، وقيادات من «حزب النور» (السلفي) وأحزاب أخرى أصغر، بالإضافة إلى ممثلي المبادرة التي اتخذت اسماً كودياً «نبذ العنف»، وخرجت عنها وثيقة قالت الديباجة إنها تمت باسم «جمهرة من شباب الثورة»، ويقصد بهم كل من وائل غنيم ومصطفى النجار وعبد الرحمن يوسف. 
ووسط حشو كبير من بلاغة الإنشاء السائلة يمكن العثور على بنود قد تبدو لها ملامح سياسية: 
ـ الالتزام بقَداسة وصِيانة حُرمات الدماء والأموال والأعراض، أكانت هذه الدماء فرديَّةً أو اجتماعيَّةً. 
ـ توظيف التعدُّديةَّ والاختلاف، وسِلميَّة التنافُس على السُّلطة، وتجريم كلِّ ألوان العُنف والإكراه لتَحقِيق الأفكار والمطالب والسِياسات. 
ـ دعوةِ كلِّ المنابر الدِينيَّة والفكريَّة والثقافيَّة والإعلاميَّة إلى نبْذ كلِّ ما يتَّصل بلُغة العنف في حلِّ المشكلات. 
ـ جعل الحوار الوطني الذي تُشارك فيه كلُّ مُكوِّنات المجتمع المصري من دون أي إقصاءٍ هو الوسيلة الوحيدة لحلِّ أيَّة إشكالات أو خِلافات. 
العنف المنبوذ هنا بدا بلا صاحب، أو يبتعد عن أصحابه الأصليين، والنبل أيضاً بدا مجانياً، يساوي بين الأطراف كلها: المعتدي والمعتدى عليه… بين إجرام قوات الأمن الرسمية التي قتلت ما يفوق الستين متظاهراً، وبين شباب ومراهقين أقصى ما تحمله أياديهم العارية الحجارة وربما الـ«مولوتوف». 
وهذا ليس غريباً عن تلك الوثائق الصادرة عن الأزهر، وتستهدف غالباً وضع «كريمات مرطبة» على الأوضاع الساخنة، بما يتيح للجالس على المقعد الكبير أن يلتقط أنفاسه أو يحمل ورقة يلوّح بها مؤكداً على نبله. حدث هذا كثيراً أيام مبارك، وتحوّل مقر المشيخة إلى مسرح دائم للقاءات عن الوحدة الوطنية، وأضواء وكاميرات تلتقط قبلات المشايخ والقساوسة، وتكوينات (آخرها بيت العائلة المصرية) تشبه بنايات الرمل، تختفي بعدما تنسحب الأضواء، ولا يبقى لها أثر إلا عند الاستدعاء المقبل، فيعمل الموظفون وتتحرك الميزانيات وخلفها بقية «أكسسوارات» مسارح امتصاص صدمات السلطة. 
ربما الجديد هذه المرة هو احتياج المعارضة أيضاً إلى هذه المسارح، وبالتحديد «جبهة الإنقاذ» التي تحركت خلال الساعات الماضية لتدفع عن نفسها تهمة «منح الغطاء السياسي للعنف»، وكانت الخطوة الأولى: مبادرة البرادعي. 

لكن «الإخوان» لم يقبلوا البرادعي إلا في الأزهر. 
رفضوه وهاجموه حينما ألقى بالكرة في ملاعب السياسة، والتقى مع حليفهم/منافسهم «حزب النور» في الدعوة إلى اجتماع عاجل يضم الرئيس ووزيري الدفاع والداخلية وجبهة الإنقاذ والتيار السلفي. 
الهجوم على البرادعي بدأ من أحزاب صغيرة وجدت لها مكاناً في غياب أحزاب الجبهة، حيث إن المبادرة «تعيد الجيش إلى المشهد السياسي». 
وامتد الهجوم إلى مستويات التلسين حول اللقاء بين «الإنقاذ» و«النور»، أو محاولات حصار سياسي لـ«الإخوان» ومندوبهم في القصر ليبدو وحيداً وظهره إلى الحائط. 
البرادعي كان مقبولاً حينما ظهر على مسارح الكلام المرطب في الأزهر، لكنه قطع الطريق على انفراد «الإخوان» بالدعوة إلى الحوار، ورقتهم الوحيدة أمام أطراف غير مرئية على سطح الأحداث، لكنها فاعلة في تحريكها. 
خطوة البرادعي لعبت في المسافة بين «السياسي» و«الثوري»، وأثارت غضباً ليس قليلاً: كيف تتحاورون مع القتلة؟ كان هذا هو السؤال الكبير أمس تعليقاً على المبادرة التي بدت محاولة «إبراء للذمة» أو حفاظاً على الاستمرار في الملعب، بعد تصريح قائد الجيش عن «انهيار الدولة»، و مبادرة «حزب النور»، التي حازت قبولاً من «الجبهة» وأربكت «الإخوان». 
الشارع يسبق الجبهة بخطوات واسعة، تجاوزت مطلب الحوار أو تعديل الدستور والحكومة الائتلافية أو إقالة النائب العام، ولم يعد مطلب «إسقاط النظام» يقال عابراً، لأن لا شرعية لرئيس يصدر أوامره بقتل متظاهرين، وإلا لماذا ينام مبارك الآن في زنزانته الطبية؟ 

«الجبهة» اشتركت في الدعوة إلى «جمعة الخلاص». 
التظاهرات اليوم إلى ميدان التحرير وقصر الاتحادية، شعارها يتجاوز «الحوار» إلى استكمال الثورة على «حكم المرشد». 
رهان «الإخوان» على الجمهور الصامت الخائف من العنف والراعي الدولي لشركة الحكم بين «الجماعة» والجيش. 
لكن الخوف من العنف لا يصبّ في اتجاه ترميم شعبية «الإخوان»، لأنهم في نظر الغالبية الآن «خطر على الدولة»، بالنزوع إلى السلطوية وجر مؤسسات الأمن الجريحة إلى مواجهات مع المتظاهرين دفاعاً عن نظام «الجماعة». 
المؤسسات تحاول التمرد على اتفاقات قيادتها، ليس انحيازاً للثورة، ولكن عدم رغبة في دفع فواتير الحاكم مرة أخرى، وبعدما اختار وزير الداخلية السابق موقعاً أكثر حياداً، وطالب بأوامر مكتوبة من الرئيس للمواجهة، يعيد الوزير الجديد دفع الشرطة إلى خطوط المواجهة الأمامية لتخرج من كواليس الشرطة روايات عن تمرد في الأمن المركزي (ضباطاً ومجندين)، تنفيه الوزارة، وتؤكده صفحات «فايسبوك»، وتثير الريبة حول حقيقته تصريحات المسؤولين بأن «التمرّد مجرد شائعات تهدف إلى كسر الحالة المعنوية». 
كأنهم في حرب. وهم في حرب فعلاً. يضعهم فيها «الإخوان» في مقدمة الدفاع عن رئيس تتآكل شرعيته، ولا سبيل لاستمراره إلا بناء حلف مع الشرطة والتأكيد على شراكته مع الجيش، إلى جانب القضاء أو حصار الحالة الثورية. 
وهي مهمة يسارع طهاة القوانين من أجل تنفيذها بإصدار قانون «التظاهر». وبحسب المشروع المعلن على لسان وزير العدل أحمد مكي، يشترط موافقة وزارة الداخلية قبل موعد التظاهر بأربعة أيام، وحظر الهتافات المعادية والرسم على الجدران («غرافيتي») ارتداء الأقنعة… القانون محاولة للسيطرة، واعتمد من جديد على الحل الأمني، ورغبة في وضع أسوار حول المجال العام. تتحجج بأنها قوانين موجودة في الدول الديموقراطية في تغافل على ان اللحظة الثورية لم تنته بعد، كما لم توضع أساسات الحريات السياسية لتوضع ضوابطها. وقبل الإسراع في إصدار قانون تقييد التظاهر، كان سيفرق كثيراً الاهتمام بقوانين تحرر المجال السياسي من سطوة السلطة التنفيذية والأمنية… لكنها عادات موروثة من استبداد مبارك وربما قبله، والتي خرجت منها أيضاً رواية «بلاك بلوك». 
فقد أصدر النائب العام التابع للرئيس قراراً بالقبض على أعضاء التنظيم، أي بالقبض على مجهول، ويكمل النائب العام بحثه في دواليب النظام ويخرج بالأعمال الكاملة للشعوذة السياسية. وبعدما تحوّل قراره إلى هوجة، أمسك بملابس سوداء وأمسك بقناع، وسرب المكتب الفني أخباراً عن العثور على مخطط إسرائيلي بتفجير المنشآت في بنطلون عضو في «بلاك بلوك». 

عاد مرسي محبطاً من ألمانيا . 
رفضت ميركل طلبه تأجيل ديون تبلغ 240 مليون يورو، وكذبت صحيفة جماعته في مانشيت عريض، وروت أنه أتى بـ 365 مليون يورو منحة واستثمارات. 
«دير شبيغل» وصفت مرسي بأنه المخادع ذو الوجهين، وقالت إنه عاد ليس محملاً بالأموال كما كان يحلم، ولكن بنصائح عن كيفية إدارة الدول. 
الصور الصحافية التقطت دهشة ميركل عندما لاحظت أن مرسي ينظر إلى ساعته في مؤتمر صحافي حاصرته الأسئلة الهجومية، ولم تكن لديه إلا روايات خرافية عن محاولة تحطيم طائرة عسكرية في بورسعيد واصطيادها من أعلى أسطح المنازل… رواية كانت من أجل تبرير الطوارئ. 
لماذا كان مرسي يشعر بالملل؟ 
ولماذا ألغى زيارة باريس؟ 
هل كان يريد العودة قبل «جمعة الخلاص» خوفاً على مكانه في القصر؟ 
وصل مرسي إلى القاهرة بينما أخبار النميمة تطارد رحلة عائلته الترفيهية إلى طابا، وتتسابق المواقع الإخبارية في استعراض التفاصيل والتكاليف. وصل مرسي والأنباء تتسرب عن قرار سري من خيرت الشاطر بتجهيز ميليشيات لحماية «شرعيته»، بينما لم يصدر عن الرئاسة أي رد فعل حول المبادرات، ربما لأنها تنتظر رد المجهول الذي تتحدث إليه المبادرات. 

الحزمة. 
هذا نصف ما توعدت به المصادر الأميركية للخروج من الأزمة، فهي تضمن الضغط على مرسي للموافقة على «حزمة» قرارات تعيد الوضع إلى ما قبل الإعلان الدستوري، مثل تعديل الدستور، والوصول إلى اتفاقات حول الانتخابات، وإقالة النائب العام، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني. 
«الحزمة» الأميركية ناقصة من دون الحوار، وهو السبيل الوحيد الذي تراه واشنطن، وترى ان مرسي يرحب به بينما المعارضة برفضها تثير الغضب… ليس ذلك فقط لكنها أيضا معارضة غير منظمة. 
الثورة محذوفة من هذا التصور، ويتعامل أصحاب هذه الرؤية كما لو ان الثورة على «الإخوان» هي من صنع معارضة تنافس على السلطة، وهي رؤية «الإخوان» ومندوبهم إلى القصر الرئاسي نفسها. 
أصداء الحزمة الأميركية لم تعد موجودة فقط على لسان مرسي وفريقه النشيط، لكن ملامحها موجودة في تصريح قائد الجيش و«ماراثون» المبادرات… وتبقى ملاحظة ان كل طرف ينظر إلى «الحزمة» الأميركية كما تخيّل له هندسته لموقع بين الحكم والشارع. 

السفير العربي

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى