الأخبار

أحمد زكي يَصِفُ موته!

 

blal fadl

 

 

عندما أعدت بعد موته قراءة ما كنت قد نشرته من حوارات صحفية معه أثناء حياته، أذهلتني قدرته على التنبؤ بما سينتهي إليه حتى وإن اختلفت التفاصيل، لكنني الآن وبعد مضي كل هذه السنين على رحيله أدرك أنه لم يكن يتنبأ أبدا، بل كان يمشي في طريق رسمه لنفسه وكان راضيا به ومقتنعا وليس لديه أي شك في أنه الطريق الأمثل.

 

يقول عبقري فن التمثيل في مصر أحمد زكي في حوار أجريته معه عام 1998 أثناء تصوير فيلم (أرض الخوف) ونشرته في مجلة (صباح الخير) «أنا حاسس إني ممكن يحصل لي زي ما حصل لأساتذة عظام لنا من الممثلين العباقرة اللى ماتوا فى قصر العينى فى سراير العلاج المجاني والمدعوم .. وهم مش سايبين لولادهم حاجة ..أنا ما عنديش مانع يحصل لي ده. وعارف إن في ناس كتير يمكن ما بيعجبهاش كلامي ده ويقولون على إنى بتاع كلام .. هم أحرار .. أنا أخترت حياتي وراضي بيها .. فخور إني لاعندي شاليه فى مش عارف مين ولا فيللا فى مش عارفين فين .. كل اللى حيلتي شقة وممكن لاسمح الله ترسى على لوكاندة سويس كوتاج تاني أرجع فيها زي مادخلتها أول مانزلت مصر .. بس ده مش المهم المهم إن عندى حاجة وأربعين فيلم وحاجة وأربعين شخصية غير اللى ربنا يقدرنى وأعملهم ودول عندى كفاية».

 

تحدثنا يومها عن قراره الغاضب الذي اتخذه وقتها بأن ينتج كل أفلامه القادمة بنفسه بعد أن خذله المنتجون في أكثر من تجربة وافق عليها بناء على تفاصيل إنتاجية معينة ثم بعد أن دخل الفيلم وجد أن هذه التفاصيل لم تكن موجودة مما أغضبه كثيرا وجعله يعيش فترات عصيبة على المستوى النفسي، وسألته يومها سؤالا تحذيريا عن مدى إدراكه للمصيبة التي سيدخل عليها والتي أدت إلى إفلاس البعض من الفنانين الذين خاضوا هذه التجربة. قال «شوف أنا عارف .. أنا لا أفهم فى الفلوس والإنتاج وجميع أصدقائى يعرفون ذلك، دخلى معروف ولست متفرع القنوات، لا أعمل فى المسرح ولا التليفزيون ولا الإذاعة، ولا أعمل حساب للفلوس، أساسا تكوينى كده، أنت عارف فيه فنانين بيموتوا فى قصر العينى ويقولوا عليهم « ياعينى»، مسكين كسب كتير ومات وماحيلتوش حاجة، أنامن النوع ده، لكنى قررت مع سبق الإصرار والترصد أن أنتج أفلامى من أجل الحفاظ على ماتبقى لى من عمر، أنا ليس عندى فكرة عن الإنتاج لكن أخذت هذا القرار لأنه ماحدش قادر يحافظ لى على هذا الممثل ، وللأسف فيه شيزوفرينيا عند بعض الناس، يشوفوك وأنت عمال تكبر وتنحت فى الصخر ودور يوصل لدور لغاية ما تقف على أرض صلبة وبعدين مايرحموكش. وينزلوا عليك هجوم، وأنا بانتج عشان ماأخليش للي زي دول حجة».

 

سألته مشاكسا «هل من دوافع هذا القرار أن تضمن لنفسك كنجم السيطرة الكاملة على الفيلم، زي ماناس تانية بتعمل؟»، رد بحماس كاد أن يكون عصبية «أنا باعمل ده مش علشان أتدخل فى الفيلم، علشان أوفر المناخ الجيد للفيلم، للأسف ماحدش بياخد رأيى فى حاجات كتيرة منها مثلاً توقيت عرض الفيلم.. مش عايز أتكلم عن فيلم معين، لكن لست مستعداً لأن أكرر ما حدث اختلاف فى تنفيذه عند التصور الذى قبلته على أساسه.. ودائما أنا اللى فى وش المدفع، أنا لما آخذ هذا القرار مش عايز أكسب، حتى لو خسرت سأستدين وأرهن مكتبى وبيتى، وأنا أعلن لك هذا القرار لأول مرة، بعد فيلمى (أرض الخوف) الذى قارت من الانتهاء من تصويره من يريدنى إما يشاركنى فى إنتاج الفيلم بالنصف وإما أنا اللى أنتج أفلامى».

 

أخذت أستفزه وكنت أعشق ذلك لكي أخرج كل مالديه من حماس واندفاع، قلت له «لكنى من يوم ماوعيت على الدنيا وأنا أسمع أنك ستنتج ولا يحدث شئ مما تعلن عنه؟»، كظم غيظه وحاول أن يكون دبلوماسيا لكنه لم يستطع ووقف منتفضا وقال بحماس: «ليه بتقول كده .. ياأخي تعال شوف مكتبى وستجد أننى اشتريت سيناريوهات كتيرة وماخلصتش، الناس اللى بتتهمنى لازم تعرف أن عندى أكثر من 5 أفلام، كل واحد منها أتكتب 3و4 مرات واتغير عليه أكتر من مخرج، وكل دول اتكلفوا مصاريف». قلت له «يعني العملية جد المرة دى مش شوية إنفعال وهيروحوا لحالهم؟»، لم يفقد انفعاله وحماسه وانطلق قائلا «صدقنى ياكده يابلاش وأسيب الجمل بما حمل، أنا سأنتج ليس حباً فى الإنتاج، ولكن حفاظاً على النص الذى يمتعنى. تخيل قعدت مرة مع موزع عربى قعد يقول فى قصائد شعر ويحكى لى عن حب أولاده لى، لما سألته طيب ليه بتاخد فيلمى بـ4 قروش مع أنك تعلم أنه يستحق 7 قروش، قال لى كلامك صحيح لكن دى تجارة. أنا اللى محيرنى وأقوله لنفسى: (الناس اللى بتعرف قيمتك ماحدش بيدافع عنك ليه). شوف بصراحة أنا آخد هذا القرار لأنى عايز أستمتع أكثر منك بالفيلم، حتى لو ماحدش دخل الفيلم هابقى مبسوط، وأنا متأكد أننى لو أستمتعت بما امثله الناس ستستمتع، والدليل أننى دائما فى أفلامى الملاحظات التى أقولها لصناع الفيلم أجد الناس يرددونها. أنا عندى شيزوفرينيا، ولعلمك أنا مشاهد سخيف على نفسى، جوايا أحمد زكى الإنسان بيقطّع أحمد زكى الممثل، أنا ساعات أبص لنفسى فى المراية واقول مالك ياابنى أتضربت على قلبك ليه. ما أنت كنت كويس يأخى. صدقنى عندما أستمتع أنا سيتمتع بتاع قهوة بعرة وبتاع قهوة التحرير وبالعكس أنا هابقى أرحم على نفسى منهم».

 

رحم الله أحمد زكي. الفاتحة أمانة والنبي.

 

(مقتطف من كتابة طويلة عن الفنان أحمد زكي تضم حواراتي الكاملة معه سأنشر جزءا أكبر منها في (المعصرة) يوم الأربعاء القادم بإذن الله)

 

بوابة الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى