الأخبار

هو الجنس هو الحب؟

89

 

 

أنا شابة عمرى 25 سنة, لم أكن يوما جميلة, أحدثك بصدق, فأنا لم أشعر بأنى لفت انتباه أحدهم فى مره من المرات, لا أقول أنى قبيحة, ولكنى غير مميزه بل على العكس أصبحت أشعر أنى أقل من أخواتى وزميلاتى اللواتى مررن بتجارب حب وارتباط بدلا من المرة عدة مرات.. كنت دائما أتساءل ما الفرق بينى وبين أختى الصغرى التى يلتف حولها المعجبون باستمرار بالرغم من أن ملامحنا واحدة تقريبا, والجميع يقول عنا أننا (فولة واتقسمت نصين)؟؟ فلا أجد إجابة محددة, ولا يزيدنى ذلك غير عدم ثقة فى نفسى يوما بعد يوم.

انتهت مرحلة الجامعة دون أن يدخل حياتى شخص واحد, أنا كنت منطوية وقليلة التعارف بطبعى، كما أنى كنت أخاف دائما أن أقترب من أحدهم دون أن يبادلنى الشعور, بل والأسوأ أن يصدنى ويحطم ما تبقى من كبريائى.. وصلت إلى سن 24 وأنا صفحة بيضاء, لم يخط فيها الحب حرفا واحدا.

بدأت حياتى العملية منذ سنة تقريبا فى إحدى الشركات الخاصة بعقد عمل مؤقت, وعرفت منذ أول يوم عمل أنه لا مستقبل لى فى هذا المكان الذى يستنزف قدرات الشباب العاملين فيه بدون أى مقابل مادى أو معنوى, ولا حتى أمل فى التثبيت فى المستقبل, باختصار هى شركة من الشركات التى تستغل حالة البطالة المتفشية فى البلد وتسخر الشباب لتسويق منتجاتها فى مقابل الفتات (وإن كان عاجبكم !!).

لم يصبرنى على البقاء فى هذا المكان إلا شىء واحد فقط, زميل لى تعرفت عليه فى أول أسبوع عمل لى, كان هو من يقوم بتدريبى, وبالتالى كنت أقضى معه معظم الوقت, وكنا نخرج بمفردنا سويا إلى الأماكن التى نسوق فيها منتجات شركتنا, تقاربنا سريعا جدا, والحقيقة أنه هو كان المبادر والبادئ دائما, فقد كان لبقا جدا ويجيد التحدث, وعرف كيف يدخل لى ويقتحم حياتى بمعنى الكلمة, فأنا كنت خجولة وكتومة جدا طوال الوقت, ولكنه هو الوحيد الذى استطاع أن يخرجنى من هذا القالب الذى حصرت نفسى فيه طوال عمرى.

فرحت به جدا, ولم أكن أصدق نفسى لأنه أخيرا أصبح هناك من يهتم بى, ويبحث عنى, ويسأل عنى فى غيابى.. شعرت أخيرا أننى اكتملت وأصبحت مثل كل البنات التى تحب وتجد من يحبها, فقد أحببته بكل قوة, أخرجت فيه كل مشاعر الماضى المكبوتة، والتى لم أكن أجرؤ حتى على أن أخرجها فى خيالى, قبلت العمل المرهق والمرتب المتدنى من أجل فقط أن أبقى بجواره.

مشكلتى الوحيدة معه أنه وسامحينى فيما سأقوله يطلب منى دائما أن أبرهن له على حبى بطريقة (عملية) كما يقول, فهو يلمسنى كثيرا, ويطلب منى ألا أفكر فى أى ضوابط وأنا معه.. تطورت علاقتنا إلى حد بعيد, فلم يعد هناك ما لم أمنحه له سوى العلاقة الكاملة, وقد تغضبى منى إذا قلت لك أن ما منعنا حتى الآن فقط أنه لم يكن هناك فرصة لا أكثر.

أعرف أن ما أفعله خطأ وحرام, وضميرى أصبح يعذبنى ليل نهار, وكل مرة أندم وأقول لن أكررها ثانية, ولكنى أعود وأخاف أن أخسره, لأنه يغضب منى ويأخذ موقف إذا حاولت مقاومته أو مخالفة ما يريد, تمالكت نفسى يوما وصارحته بأنى لا أريد أن يحدث بيننا هذا إلا ونحن زوجان, رد علىّ بكلمات فى منتهى القسوة, وقال لى (وهى إلى زيك عمرها ها تتجوز؟, طول ما انتى بالشكل ده محدش هايفكر يقرب لك, انتى فاكره ايه؟ ماهو ده الحب, وإذا كنتى فاكره غير كده تبقى عايشة فى الوهم, خليكى كده وابقى قابلينى لو حد حبك بعد كده!!)..

طبعا صدمت, لكن أكثر ما صدمنى فى كلامه أنه جاء على الجرح, هل كان يعرف ما بداخلى من قبل؟ هل كان يشعر بأنى أفتقد الحب والاهتمام حتى عرفته؟ هل كنت ضعيفة ومحتاجة ومكشوفة إلى هذه الدرجة؟ والسؤال الأهم من كل هذا يا دكتور.. هل هذا هو الحب فعلا؟ يعنى باختصار وبوضوح وبمنتهى الصراحة.. هل الجنس هو الحب؟ ولو كنت أتمنى أن أكون فتاة طبيعية يجب أن أقدم هذا فى مقابل ذاك؟ أفيدينى بالله عليكى لأنى فقدت الاتزان تماما ببعده عنى، واختلت لدى كل المعايير والموازين.

وإليك يا (ن) أقول:

كان هناك عالم نفس شهير جدا اسمه (فرويد) قد تكونى سمعتى عنه من قبل, فرويد هذا كان يرى أن كل شىء يشعر به أو يفعله الإنسان ليس له دافع إلا الجنس, فقد كان يقول إن الجنس هو الأصل فى كل شىء, أراد أن يمحو من التاريخ ومن البشرية أى معنى لكلمة حب, فلم يكن يرى من الود والمشاعر الحلوة والتفاهم بين أى اثنين، إلا أنها مجرد مقدمات للجنس, ومجرد طرق مؤدية إليه, وبالتالى هو أول من أشاع فكرة أن (الجنس) هو الأصل والأساس, أما الحب والعاطفة والانجذاب ليسوا إلا فروعا, وبسبب هذا الرأى اجتاحت العالم موجات بعد موجات من الانفتاح والانفلات الأخلاقى مختلفة الأشكال والأنواع, ولما لا وقد أقر فرويد _ وهو من يلقبونه بأبو الطب النفسى الحديث_ بأن كل الطرق تؤدى إلى روما !!

لكن هيهات.. فهناك ألف فرق وفرق بين الحب والجنس, عدى معى:
1) الجنس (فى حالة انفصاله عن الحب) هو فعل جسدى محدود زمنا ومكانا ولذة, أما الحب فهو إحساس غامر يمتد ليشمل الجسد والنفس والروح, وهو شعور غير محدود لا بزمان ولا بمكان ولا بعمر
2) الجنس هو حالة رغبة مؤقتة تنتهى بإفراغ الشهوة, أما الحب فهو رغبة مستمرة تبدأ قبل الشهوة ولا تنتهى بعدها
3) الجنس قد يفتر أو يقل أو يتأثر بالتقدم فى السن أو بالحالة الصحية للشريكين, أما الحب الحقيقى فلا يذبل حتى مع تدهور كل هذا
4) الحب إحساس جميل وراق ويسمو بمن يشعر به, والجنس فى العلاقة الشرعية رباط مقدس, أما الجنس منفردا يحط من الإنسان ويجعله يشعر بالدناءة والحيوانية والتدنيس
5) الحب هو من يخلق الرغبة فى التقارب الجميل والتلامس الرقيق, فيأتى الجنس تعبيرا عنه وشكلا من أشكاله, وليس العكس, فالحب غاية والجنس ما هو إلا وسيلة من وسائل التعبير عنه
6) المحبون لا يتعجلون الجنس, ولا يفتعلونه, وإنما يصلون إليه كتطور طبيعى للعلاقة, وبالتالى فهم يمارسونه بأرواحهم أيضا حينها وليس بأجسادهم فقط, فيشعرون بعدها بالارتواء الجسدى وبالرضا النفسى, أما الجنس للجنس فقد يمنح شبعا جسديا لكنه أبدا لا يمنح حالة من الرضا والسلام النفسى بعدها
7) فى الحب تكون نظرات الرغبة ودودة رقيقة لطيفة, وتكون لمسات الشكر والامتنان من بعدها, أما فى الجنس المنفصل تكون نظرات الرغبة كلها غريزة وقسوة وأنانية, ولا يكون بعدها أى نوع من أنواع التقارب أو التراحم أو الود
8) الحب هو التقاء إنسان بكل بأبعاده بآخر بكل أبعاده أيضا, نفس وروح وجسد, أما الجنس فهو لقاء جسد بجسد فقط, وقد يحدث بلا روح وبدون أى حضور للقلب
9) فى الحب تقل أهمية الكثير من التفاصيل, كوسامة الرجل وقوته, وجمال المرأة ونضارتها, لا شىء يهم فى سبيل الاقتراب والتناغم والانسجام بين المحبين, أما فى الجنس فلن يحدث إلا إذا كانت هناك المثيرات والمغريات التى تدفع إليه
10) فى العلاقة المشروعة يشعر الإنسان بأنه ازداد قربا ومحبة للآخر بعد الجنس, أما فى الجنس المنفصل فلا يشعر أيهما بالآخر وقت الممارسة, ويكرهان أنفسهما بعدها, بل ويكره بعضهما البعض بعدها, وقد يحاولان التخلص من هذه العلاقة وإنهائها بسرعة, وكيف لا وقد أصبح كل منهما وكأنه وصمة عار فى ماضى الآخر، وأصبح كل منهما يذكر الآخر بالجانب الحيوانى الشهوانى المتدنى من نفسه
11) فى الحب والعلاقة المشروعة يفكر كل طرف فى إمتاع وإشباع الطرف الآخر, ويسعد ويستمتع لرضاه ولمتعته, أما فى الجنس للجنس فلا يفكر أى طرف إلا فى نفسه, ولا يركز إلا على تحصيل أكبر قدر ممكن من المتعة حتى وإن كان على حساب الآخر… لا يهم
12) فى العلاقة المشروعة لا يكون لعدد مرات الجنس أو مدته أو أوضاعه أهمية كبيرة, لأنه مع الحب يحدث الشبع تحت أى ظرف, أما فى الجنس المنفصل يصبح لهذه الأمور الأهمية القصوى, فتجدين الشخص وخاصة الرجل يبحث دائما عن ما يزيد أو يجدد من المتعة لأنه بدون هذه الأشياء لن يحدث أى إشباع أو رضا.

نقول كمان؟؟ أبعد كل هذا يمكن أن يكون هناك شك فى أن هناك فرق كبيييييييير بين الحب والجنس؟, أو بين الجنس فى العلاقة المشروعة والجنس فى غيرها؟, ده (فرق السما من العمى ) كما نقول نحن المصريون.

حبيبتى مشكلتك الأساسية أنك فاقدة للثقة بنفسك, وليس لديك أى تقدير لذاتك أو لشخصك, وهذا هو ما بعد المحبين عنك, فالرجل قد يلتفت للمرأة بسبب جمالها, لكنه لا يحبها إلا إذا جذبته روحها وشخصيتها, وهذا هو الفرق بينك وبين أختك التى تقولين عنها إنها تكاد تكون مطابقة لك فى الملامح والشكل, من المؤكد أن لها شخصية, أيا كانت, ولكنها لها روح وحضور تفرضه على الآخرين, ولم تكتف أو تعتمد على أنها أنثى شكلا فقط.

زميلك هذا أنانى وسيئ النية ويتلاعب بك ويستغلك, لكنه ذكى.. استطاع أن يقرأك ويطوع ضعفك لتفعلى ما يريد هو برضاك, لأنه أفهمك أن ما يحدث هذا هو الحب, وهو الشىء الذى تفتقدينه, والذى يعلم جيدا أنك تبحثين عنه.

مهما كان تعلقك به أرجوكى ابتعدى عنه, لأنه هو من سيتركك عاجلا أو آجلا, فلا شىء يربطه بك سوى موافقتك على تلبية رغباته, فما الذى سيبقيه عليى إن لم تفعلي؟, وحتى وإن فعلتى أؤكد لك أنه سيتركك فور ظهور من هى أجمل أو أصغر منك فى الصورة, وحينها لا تلومى إلا نفسك, فهناك مقولة رائعة تقول (الارتباط بمن نعرف أنه سيتركنا لاحقا كاللعب تحت المطر, يكون ممتعا ومغريا حينها لكننا نعلم جيدا أننا سنمرض ونتعب بعدها بشدة).

أنت شابة ولديك الوقت والصحة والجهد لتكونى شخصا أفضل فى المستقبل, اهتمى بنفسك و(اشتغلى) عليها, ركزى فى طرق التحسين من ذاتك وروحك وعقلك, فهذا هو السبيل الوحيد لأن تجدى نفسك, وتجدى من يستحق حبك بعد ذلك.

 

اليوم السابع

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى