اقتصاد

ألغام الموازنة الجديدة.. 3 بنود تستهلك 70 % من إجمالي الإيرادات.. فوائد الديون وأقساطها أرقام مرعبة

استقبل متخصصون الموازنة العامة الجديدة للدولة بعد موافقة مجلس النواب عليها بالكثير من الأمل والقلق في الوقت نفسه بسبب الألغام التي فرضت نفسها على بنودها.

وبلغت الإيرادات المتوقع تحصيلها خلال العام المالي الجديد حوالي 1.5 تريليون جنيه، مقابل مصروفات تقدر بنحو 2 تريليون جنيه، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع حجم العجز النقدي من 472.6 مليار جنيه خلال العام الجاري، إلى 553 مليار جنيه خلال العام الجديد، وارتفاع العجز الكلى إلى 558 مليار جنيه، مقابل 475.5 مليار جنيه خلال العام الجاري.

هذه الأرقام جعلت التقديرات الاقتصادية التي تضمنها مشروع الموازنة تعكس حالة تفاؤل في قدرة الإصلاحات الاقتصادية المرتقبة على ضبط أداء المالية العامة، خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية.

لكن في الوقت نفسه كشف عدد من خبراء الاقتصاد والتمويل والاستثمار، مشكلات الموازنة الجديدة والمؤشرات الإقتصادية المتعلقة بالدين والعجز، ومعدلات النمو خلال العام المالي الجديد، وآثار التغيرات العالمية عليها  والودائع والديون، ومدى جدوى تحصيل الضريبة المستحقة على التجارة الإلكترونية للمرة الأولى بشكل فعال وتحصيل فوائض من البنوك العامة من تفعيل برنامج الطروحات الحكومية.

العجز

يقول الدكتور رشاد عبده الخبير الاقتصادي، ورئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية والإستراتيجية، إن هناك عجزا كبيرا في الموازنة العامة للدولة، بلغ حوالي 558 مليار جنيه، مما يجعل الدولة أمام تحديات قد تؤثر على المستقبل الإقتصادي في ظل الأزمات العالمية التي ظهرت تداعياتها بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، مضيفا أن فوائد الديون التي بلغت 690 مليار جنيه، بالإضافة إلى الأقساط الخاصة بها، تعتبر من أبرز الأرقام المرعبة في الموازنة العامة.

وأضاف عبده في تصريحات خاصة لـ”فيتو”، أن العجز في الموازنة كبير جدا، وسوف يضطر الحكومة إلى اللجوء للاقتراض من البنوك، مما يساهم في زيادة الأعباء على الموازنة العامة ويتسبب في تراجع المعدلات الاقتصادية التي تمر بها البلاد، مشيرا إلى أن 3 بنود في الموازنة العامة للدولة تأخذ حوالي 70 % من الإجمالي العام للإيرادات، والتي تتمثل في بند الفوائد، والأجور، والدعم، مما يجعلها تستهلك الموازنة والمعدلات الإيجابية التي تتمتع بها.

وأوضح أن الأرقام المبشرة في الموازنة العامة الجديدة تتمثل في الاستثمارات الحكومية والتي بلغت حوالي 376 مليار جنيه مما يساعد على زيادة الآمال حول السير في طريق إيجابي يستدعي رؤية متكاملة لوضع خطة لمنظومة عمل تعمل على تحقيق الإيرادات من مختلف القطاعات، مؤكدا أن الفرق بين الإيرادات والمصروفات وصل إلى رقم كبير يستدعي إلى تدخل الدولة لإيجاد حلول مناسبة والاستعانة بالخبراء للحد من الفجوة الكبيرة التي تأتي بين الإيرادات والمصروفات.

وعن زيادة الإيرادات، أكد الدكتور رشاد عبده، على الحكومة مزنوقة ولديها العديد من التحديات التي تواجهها، ولكنها في نفس الوقت تحتاج إلى خطط موازية تساهم في زيادة الإيرادات خلال الفترة المقبلة، موضحا أن نسبة الضرائب في أي دول بالعالم تبلغ حوالي 25 % من قيمة الإيرادات، مما يستدعي ضرورة العمل على تحصيل الضرائب من كافة الفئات المستحقة بشكل مستمر دون تجاهل أي جهة بما تساعد في دعم إيرادات الدولة، لأنه في الوقت الحالي يوجد هناك 77 % من إيرادات مصر عبارة عن ضرائب.

الضرائب

وبالنسبة لتحصيل الضريبة المستحقة على التجارة الإلكترونية، قال عبده، إن هناك عدد من الدول لا تحصل أي ضرائب على التجارة الإلكترونية، مؤكدا أن هذا النوع من التجارة يوفر للدولة الكثير من الأموال في حال تطبيقه بشكل فعلي لاسيما مع انتشار التجارة الإلكترونية بشكل كبير خلال الفترة الأخيرة، مطالبا بضرورة وجود ضوابط فعالة يتم من خلالها تحصيل الضريبة دون التهرب منها.
ويرى الدكتور هاني توفيق، الخبير الاقتصادي، أن الموازنة العامة للدولة لا تتعدى كونها موازنة تنتهي في نهاية العام بأرقام مختلفة عن ما بدأت به، لافتا إلى أنها  تعكس إيرادات ومصروفات 48% فقط من إيرادات الدولة والباقي خارج نطاقها، وبالتالي هي لا تعكس حقيقة الميزانية العامة للدولة.

وعن رفض بعض النواب الموازنة كونها تحمل عجزا نصف تريليون ومعدلات غير مسبوقة في الاستدانة، أوضح توفيق إن 100% من إيرادات الدولة موجهة لتسديد خدمة الدين من الأقساط والفوائد، مشيرًا إلى أن حل وزير المالية للخروج من هذه المعضلة هو الاقتراض مرة أخرى.

وقال توفيق، في تصريح خاص لـ “فيتو”، إن فكر الاقتراض يترتب عليه زيادة الدين من عام إلى آخر، ولكن يجب الخروج من فكر الاقتراض إلى تشجيع الاستثمار والإنتاج والتصدير وتسديد الديون.
أشار الخبير الاقتصادي، إلى أن خطة التنمية الاقتصادية تستهدف استثمار بقيمة تريليون و400 مليار جنيه منهم 500 مليار جنيه في قطاعات التشييد والبناء والنقل والأنشطة العقارية بما يعني أن  35% من الخطة لا تستهدف أي استثمار في الاقتصاد الحقيقي المتمثل في الزراعة والصناعة، وبالتالي تقليل فرص التصدير.

وألمح إلى أن توصية لجنة الخطة والموازنة بمجلس النواب بإعادة النظر في نظام الاستعانة بالمستشارين والخبراء بالجهات الداخلة في الموازنة العامة لتقليل الانفاقات، نقطة في بحر لأن المشكلة الحقيقية في كثرة الديون وكيفية سدادها.

معدلات النمو

وعن استهداف الموازنة تسجيل معدل نمو حقيقي 5.5% أشار الخبير الاقتصادي إلى أن العبرة ليست بالنمو، ولكن بإيجاد وسائل  لسداد الديون، مضيفا: قد يكون النمو في بناء عقارات، أما إذا كان في بناء مصانع وتشغيل عمالة فهو أمر جيد، مردفا: أما عن خفض العجز الكلي في الموازنة 1.6% من الناتج المحلي الإجمالي فالسؤال هنا هل تخفيض العجز تم بزيادة الإيرادات أم بتقليل المصروفات؟

ولفت إلى أهمية زيادة الإيرادات بما يعكس زيادة في التصدير والتشغيل والإنتاج وليس زيادة إيرادات شركات المقاولات والعقارات، موضحا أن أي رقم لا يوجد تحليل له فهو رقم مضلل، مؤكدا على أهمية وضع خريطة واضحة للشمول المالي وكيفية التنفيذ بالمواعيد وتحديد مسئوليات الأفراد تجاه هذا الشمول المالي لأن 52 % من إيرادات الدولة ومصروفاتها خارج سيطرة وزارة المالية والبرلمان.

من جانبه يقول الدكتور محمود عنبر، أستاذ الاقتصاد، إنه على الرغم من إعداد الموازنة العامة في ظروف اقتصادية صعبة سواء في ظل التداعيات الاقتصادية للأزمة الروسية الاوكرانية  التي ترتب عليها ارتفاع أسعار القمح والحبوب وأسعار الطاقة، وكذلك العجز في عدد من مصادر الإيرادات الدولارية مثل السياحة والاستثمار الأجنبي بشقيه مباشر وغير مباشر “أموال ساخنة”، إلا أن الأرقام الواردة في بنود الموازنة والتي من المفترض أن تتماشى مع الظروف الاقتصادية تشير إلى وجود بعض الخلل في مشروع الموازنة.

وأضاف عنبر، لـ “فيتو” أن المبلغ المخصص للدعم وإن تم زيادته فهو لا يتناسب مع حجم الضغوط التي فرضتها الأزمة الحالية على مستوى العالم، كما أنه من المتعارف عليه أكاديميا أن الموازنة العامة تعبر عن البرنامج المالي للدولة خلال عام واحد، مشيرا  إلى أن الدولة الآن تعيش في إطار اعتماد وثيقة ملكية والتي من المفترض أن تعبر عن أيديولوجية اقتصادية واضحة تدعم القطاع الخاص وتقلل من دور الدولة في النشاط الاقتصادي، وهذا لم يظهر جليا في أرقام الموازنة هذا العام سواء فيما يتعلق بالدعم لقطاعات معينة أو محفزات للقطاع الخاص.

وألمح إلى أنه هناك خروجا واضحا على مبدأ وحدة وشمول الموازنة العامة، وهناك بعض الوزارات لها موازنتان، بجانب الملاحظة التى أشارت إليها لجنة الخطة والموازنة وتكشف أنها لا تقف على حقيقة ما تم إنجازه من مشروعات بشكل تفصيلى.

واستطرد أستاذ الاقتصاد: فيما يتعلق بمبلغ الدين العام سواء إجمالى أو المبلغ المخصص لخدمة الدين، فالحقيقة هذا الرقم لا يقاس كرقم مطلق ولكن الحاكم فيه أمران، مضيفا: الأول نسبته من الناتج المحلى الإجمالى والثانى الغرض المستخدم لهذا الدين سواء كان غرض استثمارى أو استهلاكى، وبتطبيق هذه المعايير نجد أنه بالنسبة لتكلفة الدين العام، سواء المحلى أو الخارجى، تظهر مسودة الموازنة التى يناقشها مجلس النواب حاليًا تمهيدًا لإقرارها، لا سيما أن مخصصات سعر الفائدة المخصصة لسداد الديون المستحقة على الحكومة ستصل إلى 690.1 مليار جنيه، مقابل 579.9 مليار جنيه خلال العام المالى الحالى بزيادة 19.2%.

وأشار عنبر إلى أن استمرار حالة عدم التأكد من انتهاء الصراع الروسى الأوكرانى ولد مشكلة أخرى تتمثل فى زيادة كلفة استيراد المشتقات البترولية من بنزين وسولار ومازوت، فسعر النفط يتجاوز حاليًا 100 دولار للبرميل، والموازنة الجديدة لم تكشف عن القيمة الجديدة وإن كانت القيمة فى موازنة العام الجارى تبلغ 61 دولارًا للبرميل.

من جانبه يرى أحمد معطى، الخبير الاقتصادى، أن الحكومة تستهدف تحقيق أرقام عظيمة فى مشروع الموازنة الجديد وتسجيل معدل نمو حقيقى 5.5% وتحقيق فائض أولى بمقدار 132 مليار جنيه بنسبة 1.5% وخفض العجز الكلى لـ1.6% من الناتج المحلى الإجمالى.

وأضاف الخبير الاقتصادى، لـ “فيتو”، أن مثل هذه الأرقام تؤكد قدرة الدولة على امتصاص الصدمات وعدم وجود أزمة كبيرة تستدعى وجود انكماش فى معدلات النمو مثلما حدث فى العديد من الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التى يوجد لديها انكماش 1.5% فى معدل الناتج المحلى الإجمالى، لافتا إلى أنه على الرغم من معاناة معظم الدول العظمى الأيام الماضية وهو ما أجبرها على الانكماش وتحقيق معدلات النمو بالسالب، إلا أن مصر تتحدث عن نمو 5.5% بالموجب وهذا يعنى استمرار المشروعات القومية المحلية والاستثمارية وامتصاص الصدمة الروسية الأوكرانية.

وأوضح أن معدلات النمو تعنى الناتج المحلى الإجمالى وما تنتجه الدولة من السلع والخدمات ومعنى زيادته وجود إنتاج استثمار وهذا وضح جليا خلال خطة الدولة التى أعلن عنها الدكتور مصطفى مدبولى فى المؤتمر الصحفى الشهر الماضى، ملمحا إلى أن الدولة بدأت تجنى ثمار خطتها من خلال المشروعات التى تم افتتاحها فى القطاع الزراعى مثل مشروع مستقبل مصر، وفى القطاع الحيوانى مشروع الدواجن والألبان، بجانب التعاقدات والاتفاقيات التى تمت لتوطين صناعة السيارات داخل مصر وهذا ما يساعد فى زيادة الناتج المحلى ويثبت توازن الاقتصاد المصرى وقدرته على مواجهة الأزمات.

واختتم كلامه بالقول: اتفاقية تصدير المزيد من الغاز الطبيعى للاتحاد الأوروبى، بديلا للغاز الروسى سيزيد من إيرادات مصر خاصة فى القطاع النفطى وبالتالى زيادة الوظائف، مشيرًا إلى أن الأزمة الاقتصادية الحالية ستمر قريبًا بسبب خطة الدولة الواضحة فى زيادة الإنتاج والتصدير.

مشروع طموح

ومن جانبه قال الدكتور هشام إبراهيم أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة، إن الموازنة الجديدة، مشروع طموح ومتفائل، وتسعى الحكومة من خلاله إلى التعامل مع تراجع معدلات التداعيات الإقتصادية التي تؤثر بشكل سلبي على الاقتصاد المصري، بسبب عدة تحديات أبرزها الحرب الروسية الأوكرانية، مما يساعد في تراجع أسعار المنتجات التي تستوردها مصر من الخارج، مثل النفط والحبوب.

وأوضح إبراهيم، أن التراجع في إيرادات الموازنة العامة للدولة مقابل المصروفات، جاء بسبب تداعيات الأزمات العالمية التي أثرت على الدولة بشكل كبير، مؤكدا استمرار التراجعات في المؤشرات الاقتصادية لمصر بصورة غير مؤلمة، فحتى لو كنا نتوقع 5.5 بالمئة نموا اقتصاديا فإن تراجع النمو لحدود 5 %  فقط  يجعل الدولة لا تعاني بالتأثير بالمعدل الكبير.

وعن تداعيات الأزمة العالمية، أكد أستاذ التمويل والاستثمار بجامعة القاهرة أن التخضم جعل العديد من القطاعات تتضرر بسبب استمرار هذه الأزمة الروسية وجائحة كورونا لاسيما قطاع السياحة، وقطاعات الصادرات، وارتفاع أسعار الواردات، ومع ذلك فإن المبادرات الحكومية،وبرامج الحماية الاجتماعية استطاعت أن تعوض الأضرار بدرجة كبيرة، مشيرا إلى أن العجز في الموازنة الجديدة للدولة سوف يضطر الحكومة المصرية إلى اللجوء للحصول على حزم مالية عبر الاقتراض للعبور بالأزمة الحالية، مؤكدا قدرة الدولة على سداد الديون بفضل القدرات الإنتاجية التي تعمل عليها وارتفاع معدلات الصادرات، بالإضافة إلى الخطة الحكومية للحد من الاستيراد لتخفيف الضغط على طلب وتدبير النقد الأجنبي.

وعن الديون المصرية، أكد مدير مركز القاهرة للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية عبد المنعم السيد، أنها شوكة في ظهر الاقتصاد المصري، حيث تتسبب في تآكل الموازنة العامة بشكل كبير سواء من ناحية فوائد الديون، أو الأقساط التي يتم دفعها بشكل دوري، مشيرا إلى أن مصر تعمل على هيكلة الدين منذ عدة سنوات.

وتوقع  تراجع أسعار السلع الإستراتيجية خلال العام المالي الجديد، بالتزامن مع هدوء الطلب وانتهاء الحرب الروسية الأوكرانية لأن الإغلاق في الصين يتيح فرصة كبيرة بسبب وفرة المعروض وتراجع الطلب على حد قوله.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى