أخبار مصر

مقال نيافة أنبا إرميا مصر الحلوة 466 «الدولة الأيوبية»

تحدثت مقالة سابقة عن “البابا مرقس ابن زرعة”، الثالث والسبعين في بطاركة الإسكندرية، السريانيّ الأصل، الصالح العفيف التقيّ، المرسوم بطريركًا في عهد خلافة “العاضد لدين الله” آخر خلفاء الدولة الفاطمية بـ”مِصر”،المعاصر وَزارة كل من “أسد الدين” وابن أخيه “صلاح الدين”، وانتهاء حكم الفاطميِّين على “مِصر” بوفاة الخليفة “العاضد”، وتولي حكم البلاد “صلاح الدين الأيوبيّ”.
وقد قاسى المَسيحيُّون في بَدء حكم “صلاح الدين الأيوبيّ” إهانات كثيرة وتهديم كنائسهم. أمّا “البابا مرقس ابن زرعة”، فقد عكف على الصلاة في مواجهة تلك الشدائد حتى تغير قلب السلطان من نحوهم. وقد ذُكر عن البابا “مرقس ابن زرعة” أنه بعد استقراره في منصبه، أدى واجباته نحو رعيته بأمانة، مقاومًا ما ظهر من بدع في عصره الذيشهِد أيضًا حروب الفرنج، ثم تنيح بسلام سنة1189م، بعد أن جلس على الكرسيّ المَرقسي قرابة 22 عامًا ونصف العام؛ وخلفه “البابا يوحنا السادس”.
السلطان “صلاح الدين بن أيوب” (567-589هـ) (1171-1193م)
كان بعد موت الخليفة “العاضد”، أن حمل “صلاح الدين” إلى داره ما يصلح له ولنسائه من الملابس والجواهر والذهب والفِضة، وباع ما لا حاجة له من الكتب والأواني وغيرها، أمّا أولاد الخليفة وسراريه فوضعهم في “دار المظفر” بمنطقة “برجوان” بالقاهرة، وأقام عليها حراسًا يمنعون الدخول والخروج. وجمع “صلاح الدين” كل من له صلة قرابة بالخليفة؛ فذُكر عنهم: “وأما الأهل والأقارب، وكل من انتمى إليهم من الرجال، فإنه جمع منهم مئتي رجل وأكثر أكثر … وجعل في أرجلهم قيود حديد تمنعهم من التصرف، ووكل بهم من الرجال من يحفظهم، وأطلق لهم من القوت ما يكفيهم. فلما صار القاهريون والمِصريون يدخلون لهم بالصدقات، قطع ذٰلك عنهم؛ فصاروا يعيشون من الصدقات … ومات كثير منهم في قيوده على ما هو عليه ودفنوه به”. أما الخدم والعبيد فقد بيعوا.
وسنة 573هـ (1177م)، أمر “صلاح الدين” بإبطال جميع الضرائب من الديار المِصرية عن المِصريين جميعًا بمسلميها وأقباطها، لكن وصلته أنباء أن بعض أمراء البلاد ما يزالون يجمعونها من أهل بلادهم، وكان حينئذ بـ”الشام” يحارب الغزاة، فكتب رسالة بخطه إلى أخيه “الملك العادل” يطلب فيها إيقاف جمع الضرائب من الشعب.
وقد ذكر “ابن الأثير” أنه في سنة 567هـ (1171م) صارت العَلاقة بين “نور الدين” و”صلاح الدين” إلى فُتور ووَحشة بسبب أحداث وقعت أثناء حرب الفرنج؛ فقد قاد “صلاح الدين” حملة عسكرية للسيطرة على “قلعة الشُّوبَك” (120 كيلو مترًا جنوب “الكَرَك” و35 كيلو مترًا شَمال “البتراء”) وضرب عليها حصارًا شديدًا؛ فطلب إليه الفرنج مهلة عشرة أيام فقبِل. وعندما وصلت تلك الأخبار “نور الدين”، سار بجيشه من “دمشق” إلى الفرنج ليحاربهم من جهة أخرى، فقيل لصلاح الدين أن يعود إلى “مِصر”: “إن دخل «نور الدين» إلى بلاد الفرنج وهم على هٰذه الحال – أنت من جانب ونور الدين من جانب – ملكها، ومتى زال ملك الفرنج عن الطريق، لم يبقَ لك بديار «مِصر» مقام مع «نور الدين»؛ ومتى جاء «نور الدين» إليك وأنت هٰهنا، فلابد لك من الاجتماع به؛ وحينئذ يكون هو المتحكم فيك: إن شاء تركك، وإن شاء عزلك، ولا تقدر على الامتناع عليه؛ وحينئذ المصلحة الرجوع إلى «مِصر»”. فعاد “صلاح الدين” إلى “مِصر” متعللاً باختلال أمورها وحتمية العودة لها لإعادة استقرارها، فلم يقبل “نور الدين” عذر “صلاح الدين” وتغير من ناحيته، وقرر الدخول إلى “مِصر” وعزل “صلاح الدين” عنها؛ فبلغت تلك الأنباء مسمع “صلاح الدين” و… والحديث في “مِصر الحلوة” لا ينتهي!
الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ

المصرى اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى