الأخبار

وزير العدل فى حوار ساخن

133

بقـدر هـدوء ملامح المستشار محفـوظ صـابر، وزير العـدل، بقدر حماسه – وربما انفعاله- الذى يظهر على وجهه عندما يتحدث عن أزمات العدالة، التى كانت الدافع الرئيسى وراء إجرائنا هـذا الحوار مع الوزير المسؤول عن إدارة مرفق العدالة، ورغم تشابك وسخونة الملفات التى يتولاها «كان دقيقاً» فى اختيار كلماته وألفاظه.. بين القضاء والسياسة تحدث الوزير مع «المصرى اليوم»، موضحاً رؤيته لمطالب إصلاح القضاء، ورأيه فى دعوات ما يسمى «تطهير القضاء».. وتحدث الوزير عن موقفه من المستشار أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، وحقيقة دعمه لمنافسه على رئاسة النادى المستشار محمود حلمى الشريف، مساعد وزير العدل، ولماذا أحال المستشار زكريا عبدالعزيز للمحاكمة التأديبية، كما أفصح عن كواليس إحالة ما يوصفون بـ «قضاة اعتصام رابعة» إلى مجلس الصلاحية والتأديب، وإلى نص الحـوار:

■ كقاض أولا وكوزير للعدل أيضا.. ما رأيك فى مصطلح «إصلاح القضاء»؟

– إذا كان القضاء به أى اعوجاج أو فساد، فمن الضرورى إصلاحه، لأن القضاء لابد أن يكون صحيحاً، وسليما ومعافى، وإذا وجد الخطأ هنا فلا يمكن أن نسميه «قضاء».

■ إذن.. هل تتفق مع من يرفضون عبارة «إصلاح القضاء»؟

– لا أتفق بالطبع، فأى قاض مخطئ وغير ملتزم بالإرث القضائى، الذى ورثناه من سنوات طويلة، وغير ملتزم بما يفرضه قانون السلطة القضائية، وبما يفرضه المجتمع، لا يصح أن يعمل بالقضاء، وهو بذلك يكون قد فقد مصداقيته كقاض، والذى يتبين عدم صلاحيته للعمل بالقضاء أو حدث انحراف فى سلوكه «بيروّح».

■ كيف كنت ترى القضاء من خلال عملك لفترة طويلة وكيلا ثم مديرا للتفتيش القضائى بوزارة العدل؟

– بالطبع يوجد داخل القضاء «الوِحش» وهذا نقوم بطرده، و«المعوج» وذاك نقوّمه، وكما يقول الشاعر: «إن الأغصان إذا قومتها اعتدلت.. ولا يجدى فى الخشب اعتدال»، فإذا أخطأ القاضى صغير السن، وكان هذا الخطأ بسيطا، فكنا داخل إدارة التفتيش القضائى نطبطب عليه ونفهّمه خطأه، وننبه عليه بعدم العودة لمثل ذلك مستقبلاً، ونضعه تحت المراقبة، فإذا عاد فلا يلومن إلا نفسه، لكن إذا وقع منه خطأ كبير فيعاقب، وكثير عوقبوا، وتم إخراجهم من العمل بالقضاء لعدم صلاحيتهم وانحرافهم، وهناك أيضاً كثير من القضاة تم تقديم شكاوى كيدية ضدهم، وبكوا كثيراً، ولكننا لم نقف عند بكائهم، بل تحققنا بالأوراق والمستندات التى جعلتنا نربّت عليهم، ونقول لهم أنتم على حق، والعام الماضى عندما كنت رئيسا للجنة الصلاحية والتأديب، باعتبارى رئيس محكمة استئناف المنصورة، عُرض علىّ الكثير من القضاة، ومنهم من تم فصله، ومنهم من تمت إحالته للمعاش، ومنهم من قُضى ببراءته أيضا.

■ هـل هـناك زيادة فى عـدد القضاة المحالين للصلاحية حاليا عن الفترات السابقة؟

– المسألة نسبة وتناسب، لأنه إذا تمت إحالة قضاة إلى مجلس الصلاحية والتأديب يجب أن تضرب ذلك فى إجمالى عدد القضاة، لكن بالفعل هناك زيادة لكنها مع ذلك زيادة بسيطة، ولا يشترط أن يكون السبب فيها فقط ناتجا عن فساد انحرافى وسلوكى، أو مالى، ولكن بسبب العمل فى السياسة مثلا، وهى الوصمة التى وُصم بها بعض القضاة دون داع، فالشخص العادى من حقه العمل بالسياسة لكن القاضى، وفقا لقانون السلطة القضائية، لا يعمل بالسياسة.

■ لكن هناك خلطا بين الاشتغال أو العمل بالسياسة، وبين الحديث فى السياسة، والأخيرة مسموح بها للقاضى لأنها شأن عام وهو مواطن فى نهاية الأمر؟

– يا سيدى.. لا أحد يمنع القضاة من الحديث فى الشأن العام، لكن عندما خرج بعض القضاة فى الفضائيات، وأعلنوا نتيجة انتخابات رئاسة الجمهورية، فهذا عمل واشتغال بالسياسة، وليس رأيا فى السياسة، وعندما قال بعض القضاة إن المتجمهرين فى ميدان رابعة العدوية على صدق، وإن الحكومة ليست صادقة، فهذا أيضا عمل واشتغال بالسياسة.

■ لكن هؤلاء عبروا عن رأيهم فيما يسمى «بيان رابعة» ولم يشتغلوا بالسياسة؟

– غير صحيح، هــؤلاء كانوا متواجدين وسط المتجمهرين فى الميدان، ومعهم مدير التفتيش القضائى وقتها على سبيل المثال، وهم متهمون بممارسة العمل السياسى من خلال الانضمام لحركة لأجل هذا الغرض، بالمخالفة للقانون، ومناصرة فصيل سياسى على حساب الدولة، بتوقيعهم وإذاعتهم بيانا يؤيد الرئيس المعزول، من مقر المركز الإعلامى باعتصام جماعة الإخوان فى الميدان، وهم عقدوا اجتماعات، ومنهم من صعد على منصة الاعتصام، إذا لم يكن ذلك اشتغالا بالسياسة، فما هو الاشتغال بالسياسة، كما أن حال البلد لم يكن يحتمل حينها أو حاليا أى تجمهر للوقوف ضد السلطة، للقاضى أن يقول رأيه.

■ لكن.. كيف يقول رأيه.. ثم يفاجأ بإحالته للصلاحية والتأديب، ثم فصله من القضاء؟

– يا سيدى.. لا أحد يكمم الأفواه، وإذا اقتصر أمر قضاة رابعة العدوية على بيان أصدروه مثلا، ما تعرضوا لأى عقوبة، لكن فى حقيقة الأمر ما يقبل فى ظروف عادية لا يقبل فى ظروف غير عادية، أما وأنه قد صدر من قاض، فهذا لا يصح، «البلد كانت هتضيع».

■ هل ترى أن المستشار زكريا عبدالعزيز، رئيس نادى القضاة السابق، اشتغل بالسياسة حتى تحيله للتحقيق؟

– سبق لى أن قضيت ببراءة المستشار زكريا عبدالعزيز، فى العام الماضى، أثناء رئاستى مجلس الصلاحية والتأديب، وقضيت بعدم السير فى إجراءات الدعوى المقدمة ضده حينها، لأننى رأيت وقتها أن الدعوى لا تستأهل إحالته للصلاحية، وكانت حينها شكوى من أحد المحامين، تقول إن عبدالعزيز دأب على الحديث فى الصحف بما يسىء للقضاة، ورأيت وقتها أن الموضوع لا يستدعى إحالته لتحقيق، لكن عندما عُرض على كوزير تحقيقات تستدعى إحالته للتحقيق فى واقعة اقتحام مقر أمن الدولة، فتمت إحالته وبما أنها أمام القضاء الآن، فالعدالة يجب أن تكون عمياء، ولا يمكن النقاش فيها، إلى حين انتهاء التحقيق فيها.

■ هل يملك المستشار محفوظ صابر بصفته وزير العدل إعادة النظر فى إحالة القضاة للصلاحية أو فصلهم؟

– لا بالطبع.. فأنا لا أملك قرار إعادة أى قاض من مجلس الصلاحية والتأديب، وقضايا التأديب والصلاحية مثلها مثل أى محاكمة تنظر على درجتين، وهناك قضايا حاليا فى مرحلة الاستئناف ولم يصدر فيها حكم نهائى، على سبيل المثال قضاة بيان رابعة العدوية.

■ هل هناك قضاة يمكن وصفهم بأنهم رجال السلطة أو على هوى السلطة؟

– ليس هناك قضاة على هوى السلطة، القاضى يقضى بالبراءة ويقضى بالإدانة، وفقاً للأوراق والمستندات فقط.

■ إذن كيف تابعت مثلاً أحكام الإحالة للإعدام، منها مثلا إحالة 500 متهم من الإخوان للمفتى فى المنيا؟

– أحكام الإحالة إلى فضيلة مفتى الجمهورية، تقف على تقدير الأدلة ويقين القاضى، وهو تيقن أن جميع المتهمين شاركوا فى ارتكاب الحادث، وللعلم فإن النيابة أيضا حققت الموضوع وأحالتهم جميعاً للمحاكمة، فهل يعنى ذلك أن النيابة أيضا على هوى السلطة، ليس هناك قضاة على هوى السلطة بعد أن مُنح القضاء استقلاله، ربما كان ذلك موجوداً منذ زمن، لكن ليس هناك داع لذلك الآن.

■ لكن بعض القضاة مثل المستشار محمد ناجى شحاتة تحدث للصحف ووسائل الإعلام عن قضايا منظورة أمامه وعن متهمين ينظر محاكمتهم؟

– لا أستطيع التعليق، لأننى لم أر أو أقرأ مثل هذه الحوارات والتصريحات.

■ كيف ترى دور وزارة العدل فى إصلاح القضاء فى إطار مبدأ الفصل بين السلطات وتحديدا السلطة التنفيذية، ممثلة فى الحكومة، «الوزير والرئيس»، والقضاء كسلطة مستقلة؟

– نحن كلنا قضاة، وأنا قبل أن أكون وزيرا، كنت قاضيا وأتشرف بذلك ما حييت، والقاضى مطالب بتطبيق القانون، وهناك قانون ينص على مواد ولوائح، ويحدد اختصاصات الجميع، بمن فيهم وزير العدل. نحن نطبق القانون، ودور وزير العدل أن يحيل أى قاض تتوافر ضده الاتهامات إلى مجلس الصلاحية والتأديب.

■ لماذا يعتبر بعض القضاة المطالبة بإصلاح القضاء دعوة لإسقاطه؟

– المفترض أن نحارب جميعاً للحفاظ على كيان القاضى وقامة القاضى، وعندما نفعل ذلك يحترمنا الشعب الذى نحكم كقضاة باسمه، وبذلك سيؤدى عمله فى سكينة وهدوء، وسيعطى كل ذى حق حقه، أما إذا تم الضغط على القاضى سينفعل لأنه بشر؛ ووقتها إما يتنحى عن نظر القضية وبهذا تم تعطيل سير القضية، أو يقضى بما يضره، ولذلك فإن أى شىء يمس القضاء من المفترض ألا يكون له موقعا فى الصحف أو المجلات، ولا فى أوجه الإذاعة والتليفزيون، وإصلاح القضاء معناه أنه إذا أخطأ القاضى يأخذ جزاءه، لأن ذلك واجبنا وحق الناس علينا، لكن لا نقول إن القضاء فاسد وسنصلحه، أنا لا أملك أن أقول إن القضاء فاسد أو أنى سأصلح القضاء.

■ فى ضوء رأيك هذا.. كيف ترى دعوات ما يسمى تطهير القضاء؟

– أمور القضاء يجب أن تكون خاصة، وبعيدة عن الأنظار، ومن يردد هذه الدعوات «موتورون»، إما صدر ضده حكم لا يرضى عنه أو بينه وبين قاض خلاف.

■ ولكن من بين المطالبين بذلك قضاة؟

– القضاة الذين يرددون مثل هذه المعانى على خلاف مع القضاء أيضا، وبالفعل خرج بعض القضاة عن النهج، ويجب على من يتحدث بذلك أن يقيم الدليل على كلامه، ويقدم طلبا إلى الجهات المختصة، سواء رئيس مجلس القضاء الأعلى، أو مدير إدارة التفتيش القضائى فى وزارة العدل، ويقدم الأدلة ضد من يتهمه.

■ هل بالفعل تم تقديم بلاغات ضد المستشار أحمد الزند، رئيس نادى القضاة، فى فترة سابقة؟

– المستشار أحمد الزند، زميل مثله مثل أى زميل، ولست الآن فى موقع استقبال شكوى أو فى موقع تحقيق فى شكوى، ويُسأل فى هذه البلاغات الجهات التى تم تقديم الشكاوى إليها، وأى شخص فينا يخطئ يقبل العقاب، سواء وزير العدل أو أحمد الزند، والقاضى الذى يعاقب المتهم إن أخطأ، يجب أن يعاقب هو إن أخطأ، ويجب أن يكون عقابه مضاعفا، ومنذ توليت منصبى كوزير للعدل لم يتم التحقيق مع المستشار أحمد الزند فى أى بلاغات، وخلال عملى مديرا للتفتيش القضائى، لم يتم التحقيق مع المستشار الزند، وإذا حدث ذلك فبالتأكيد سيكون بعيدا عن التفتيش القضائى، لأن التفتيش مختصة بنظر البلاغات والشكاوى المقدمة ضد قضاة المحاكم الابتدائية ( أ وب)، والتحقيق مع المستشارين الأعلى درجة يتم فى إدارة مستقلة عن التفتيش القضائى، اسمها إدارة شكاوى المستشارين.

■ هل صحيح أن المستشار الزند قاد حملة ضد توليك الوزارة عندما تم ترشيحك فى المرة الأولى؟

– فى المرة الأولى لترشيحى تحدث معى رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب، وكنت وقتها فى المدينة المنورة لتأدية مناسك العمرة، وطلب منى العودة لأنى مرشح للوزارة، فطلبت منه البقاء لمدة يومين للسفر إلى مكة لتأدية مناسك العمرة، فقال لى: «نبقى نعمل عمرة سوا إن شاء الله لكن لابد من مجيئك حالاً لتولى وزارة العدل»، وعندما عدت إلى مصر رأيت المذيع أحمد موسى، يقول إن محفوظ صابر إخوانى، وكثيرون قالوا لى إن المستشار الزند، قاد حملة ضد تعيينى، لكنى لم أر بعينى، وأنا لا أعتمد على تصديق ما أسمع، ما لم أر بعينى.

■ لكن البعض كان يحسبك على تيار بعينه داخل القضاء؟

– «مقاطعا» .. أنا لست محسوبا على تيار.. أنا قاض كنت أمارس عملى بتجرد ونزاهة، وسأحكى لك موقفا يعتبر مفارقة، أن الشخص الذى رد على اتهامى بانتمائى أو تعاطفى مع جماعة الإخوان، هو وليد شرابى، القاضى المحسوب على الإخوان، والذى أعلن فى إحدى القنوات التى تبث من خارج مصر، أن محفوظ صابر هو الذى فصله من القضاء، وأن تعيينى وزيرا للعدل بمثابة مكافأة السلطة لى على فصله من القضاء، وأنا فى الحقيقة فصلته، هـو وحوالى 15 قاضيا بسبب اشتغالهم بالسياسة.

■ طيب.. البعض أيضاً وجه إليك اتهاما بأنك فلول؟

– إذا كان السبب فى ذلك هو عملى قبل ثورة يناير 2011، فكلنا فلول، لأن الجميع كان يعمل قبل الثورة.

■ وماذا حدث بعد ذلك مع رئيس الوزراء؟

– قال لى المهندس إبراهيم محلب إن الرئيس يزكينى للوزارة، وإننى أقوى المرشحين، لكن هناك مرشحين آخرين، وكان ذلك على عكس ما فهمته لى وأنا فى السعودية، «حيث بدا الأمر أنه تم الاستقرار على بشكل نهائى»، فقلت لسيادته «مفيش داعى»، وأصدرت بيانا قلت فيه «إننى لا أقبل أن أكون سببا فى انقسام القضاة» رغم يقينى أن الرافضين لتعيينى لا يتجاوز عددهم العشرات، ثم بعد فترة حدث تعديل وزارى، وتم اختيارى لوزارة العدل، وفى اليوم الأول لتولى الوزارة، أعلنت صراحة أنى أتيت وزير عدل لكل رجال القضاء بكافة طوائفهم، فكلنا إخوات وكلنا على قلب رجل واحد.

■ ماذا عما يتردد عن تدخلك فى انتخابات نادى القضاة المقبلة عن طريق الدفع بالمستشار محمود حلمى الشريف، مساعد وزير العدل لشؤون المحاكم؟

– المستشار محمود الشريف هو أيضا سكرتير عام لنادى القضاة، واتخذ قرار ترشيحه دون أى تأثير من أحد، وأنا قلت له «يا ابنى اللى يريحك اعمله»، وأصدرت بيانا أكدت فيه أن وزارة العدل والوزير، سيكونان على مسافة واحدة من جميع المرشحين فى انتخابات نادى القضاة، ولهذا السبب وافقت على منحه إجازة حتى انتهاء الانتخابات.

■ إذن.. لماذا يردد البعض أن هناك رغبة من النظام فى إبعاد المستشار الزند عن رئاسة نادى القضاة؟

– لا أعلم شيئا عن هذا الأمر، وما أعلمه ومتأكد منه بحكم المسؤولية وقربى من موقع صنع القرار، أن الرئيس عبدالفتاح السيسى، أعلن أكثر من مرة، أنه لا ولن يتدخل فى القضاء، وليس له صلة برجال القضاء أو أعمال القضاء، وللعلم، فقالها لى أكثر من مرة، عقب اجتماع مجلس الوزراء بعد حلفى اليمين، وفى اتصال هاتفى بيننا أكد على ذلك المعنى، ثم أعقب ذلك برسالة خطية «أنا مليش دعوة بالقضا انت المسؤول عن القضا».. وأنا أعتقد أن السلطة السياسية أكثر فكرا وحفيظة من هذا، لأنها تعرف أننا كلنا قضاة ويوم ما السلطة تحارب قاضى، كلنا هنقف مع هذا القاضى، وحتى لو أن السلطة تريد ذلك، فلماذا تدخل نفسها فى قيل وقال، وللعلم أيضا المستشار أحمد الزند باقى له عام ويخرج على المعاش «مش مستاهلة يعنى».

المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى