الأخبار

خلايا «الإخوان» اليقظة

 

34

 

 

 

يجب أولاً توجيه التحية إلى شعب مصر العريق لأنه عاد ليصنع التاريخ كعادته، وأطاح بحكم مستبد وعاجز وفاشل، بموجة ثورية مذهلة فى زخمها وسلميتها. والتحية واجبة أيضاً لجيش مصر العظيم الذى لبى نداء الشعب كعادته، ونفذ إرادته بدرجة عالية من الحكمة والإحكام.

قد يكون هذا الوقت مناسباً لتحية شعب مصر وجيشها، لكنه بلاشك ليس وقت الفرح، فمازال أمامنا الكثير من المخاطر والتحديات التى يجب التعامل معها بحكمة، لتجاوزها بأقل قدر ممكن من الخسائر والتضحيات.

تطرح جماعة «الإخوان المسلمين» تحديات خطيرة على المصريين فى هذا الوقت الحرج، وتتصرف بطريقة تعكس درجة عالية من الأنانية واللامبالاة بالمصالح الوطنية، وتخاطر بإصرار بمستقبل البلد وأمنه، وتبدو حريصة على مكاسبها الخاصة أكثر من حرصها على أرواح المصريين وأمنهم.

لا تتورع «الجماعة» عن فعل أى شىء يمكن أن يعيدها إلى السلطة التى أهانتها وأساءت إليها، حتى لو كان ذلك يتضمن إسالة دماء المصريين، أو التعريض بوحدة جيشهم وتماسكه، أو زعزعة استقرار الدولة، أو إشعال حرب أهلية، أو إثارة الفتنة الطائفية.

تعيد «الجماعة» التأكيد على انقطاعها عن الكثير من القيم السامية التى بُنيت عليها الوطنية المصرية، وتكرس بعض ما قيل بحقها عن سلوكها الانتهازى ونزعتها الأنانية ورغبتها فى الهيمنة وخوائها الثقافى، فضلاً عن معاناتها الواضحة من ضيق الأفق، وانعدام الحس، وتدنى الكفاءة، وتشوش الرؤية.

لا تريد «الجماعة» أن ترى حجم الرفض والمعارضة، بل و«الكره»، الذى يغمر مشاعر المواطنين إزاءها بعد أدائها المتهافت الذى قاد البلاد إلى أزمات عنيفة متكررة، ولم تتفهم بالطبع أن سلوكها السياسى أدى إلى تراجع شعبيتها بشكل حاد، وأفقد مرسى شرعيته، وبات يشكل خطراً على المصالح الوطنية.

يبدو أن «الجماعة» لم تعرف أن ملايين المصريين خرجوا مطالبين مرسى بالرحيل، ولم تدرك حجم الغضب العام على أدائها، ولم تفهم أن الإطاحة برجلها من موقعه الرئاسى كانت مطلباً شعبياً نفذته القوات المسلحة، ولم تع أن إعادة الأمور إلى ما كانت عليه أمر مستحيل، ولم تقتنع بأن العالم أجمع بات يدرك أنها فشلت فشلاً قياسياً، وأنها فقدت أى شرعية سياسية أو ذريعة أخلاقية يمكن أن تبرر بقاءها فى الحكم.

ولذلك، فإن «الجماعة» لم تقبل بقرارات الشرعية الثورية التى أطاحت بها من الحكم الذى أهانته وأساءت استخدامه، ولم توافق على أن تعود إلى ممارسة أدوارها الميدانية فى العمل السياسى، تمهيداً للمنافسة فى الاستحقاقات الانتخابية الجديدة، بعدما أزيحت بعيداً عن السلطة بشكل عادل ولأسباب موضوعية وبطريقة منصفة.

وبدلاً من ذلك، قررت «الجماعة» إعلان الحرب على الدولة المصرية وجيشها وشرطتها وإعلامها وقضائها ومؤسساتها، كما قررت استهداف المواطنين الذين عارضوا حكمها تحت عناوين براقة عن «الجهاد» و«الشرعية» و«الاستشهاد» و«نصرة الإسلام».

منذ وصلت «الجماعة» إلى السلطة لم يمر يوم واحد دون أن أوجه لها انتقاداً حاداً بالقول أو الكتابة، خصوصاً أنها أعطتنا مئات الذرائع المقنعة بضرورة معارضتها ورفض سلوكها السياسى وانتقاد سويتها الأخلاقية.

ولطالما تعجبت كثيراً من بعض الزملاء والرموز السياسية والثقافية، الذين اكتشفنا جميعاً أنهم كانوا «خلايا نائمة» لـ«الجماعة» بيننا، ولم يستيقظوا إلا بعدما وصلت إلى السلطة، فظهروا على حقيقتهم وأفصحوا عن انتمائهم، أو أعلنوا ولاءهم على طريقة «المؤلفة قلوبهم»، ليحصدوا مغانم من جراء مداهنة السلطة وتقديم الخدمات لها.

فى هذا المقال، سأتوقف برهة عن نقد «الإخوان» وفضح ترديهم المادى وعوارهم الأخلاقى جماعة وسياسة، وسأحاول بدلاً من ذلك أن أسلط الضوء على مناقب عدد منهم جمعتنى بهم صداقة أو زمالة أو معرفة عابرة.

لقد عرفت عدداً من «الإخوان» معرفة عميقة، سواء قبل «ابتلائهم بالسلطة» أو بعده، وأشهد أن بين هؤلاء من كان راقياً أخلاقياً، وورعاً دينياً، وبارعاً مهنياً، وودوداً إنسانياً.

وسوف أذكر دوماً أسماء مثل «على»، و«مراد»، و«أسامة»، و«حازم»، و«أحمد»، و«علاء»، و«جمال» بكل تقدير وإعزاز، لما أبدوه من مناقب أخلاقية وشعور أخوى ظل محل تقدير عندى فى جميع الأوقات.

وأحسب أن بين «الإخوان» كثيرين لم تتح لى معرفتهم معرفة مباشرة، ربما يتمتعون بمثل تلك المناقب أو أقل منها أو أكثر، وأحسب أيضاً أن انخراطهم فى جماعة لها منطقها الأخلاقى واعتباراتها التنظيمية ومصالحها الملتبسة ربما كان سبباً فى تشوش رؤيتهم وانحراف وجهتهم.

لكننى مازلت رغم ذلك قادراً على اعتبارهم «خلايا يقظة» فى جسد «الجماعة» الأقرب إلى الموت، ومازلت قادراً على مناشدتهم باسم كل قيمة نتفق على احترامها فى هذا الوطن، أن يفعلوا كل ما بوسعهم ليوقفوا تلك «الجماعة» عن نهش جسد مصر.

 

المصرى اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى