الأخبار

الأربعينى الطائش

24

كتبتُ بعد الثورة بشهر مقالا اسمه «الحبيب المجهول» أتحدث فيه عن مواصفات رئيس الجمهورية الذى أحلم به بعد الثورة، مفرطا فى وصف نشأته واهتماماته وميوله، حلم لم يتحقق للأسف وربما لو كان جاء رئيس جمهورية يحمل 60% من تلك المواصفات ما كنا وصلنا إلى ما نحن فيه الآن.

 

اليوم أنظر إلى هذة المواصفات وأرى أن وقتها قد فات، وأن الأمور أصبحت بحاجة إلى رئيس جديد بمواصفات ربما تتناقض تماما مع كل ما ذكرته عقب الثورة بشهر.

 

فاليوم نحن بحاجة إلى رئيس أربعينى، شاب لا يخلو من بطش ما، يمتعض بالمقدار نفسه من كل من الإخوان وجبهة الإنقاذ ورجال مبارك، ويؤمن أن كلهم حصلوا على الفرصة وأهدروها بغباء تام، وبالتالى وجب عزلهم بعيدا عن الدفة على الأقل لمدة عامين، عزل لا يخلو من حسم ولا يتجاوزه إلى الظلم.

 

رئيس أربعينى يؤمن خلال فترة رئاسته الأولى على الأقل بأن كل من تجاوز الخمسين فى هذا البلد يصلح كمستشار، لكن المناصب القيادية بما تحتاج إليه من دماء ثائرة وأفكار جديدة لا بد أن تكون من حق أهل الأربعينات، الذين لم يشكّلوا بعد شبكة مصالح أو مواءمات ولديهم قدرة على تدمير قاعدة «هىّ دى الأصول» أو «طول عمرها بتتعمل كده»، ويمنحهم سلطات واسعة شبه مطلقة يتم تقديم كشف حساب عنها كل شهر.

 

أربعينى متوحد لا عصابة حوله ولا أصدقاء له أو شلة، يبطش بمن يضلله أو ينافقه ويقرأ كل كلمة تنتقده باهتمام، ويرى أن قوة مؤسساته من قوة معارضته، وقوة معارضته تأتى من قوة مؤسساته، لا يتردد فى اتخاذ قرارات مجنونة، مثلا بتعطيل البث التليفزيونى فى مصر لمدة ستة أشهر وكذلك مواقع التواصل الاجتماعى حتى يتخلص الناس من كل التشويش المحيط بهم ويستعيدوا تركيزهم وصفائهم الاجتماعى الذى تبدده تويتة أو مداخلة تليفونية فى برنامج ما، يعدم بحبل واحد الضابط الذى يعذّب والمواطن الذى يعتدى على ضابط فى أثناء عمله، والمتحرش ومن يَرِد على لسانه تعبير «فلان كافر»، يعاقب من يقطع طريق بالقسوة نفسها التى يعاقب بها خطيب مسجد يفتى فى السياسة، يفتح كل الشوارع المغلقة ويزيل كل الجدران العازلة ويُوقِف استيراد أو ترخيص سيارات جديدة حتى يتم إصلاح الطرق وأحوال المرور، يخلع الحكومة بكل مكاتبها ومبانيها من العاصمة ويرميها فى الصحراء، يسخِّر الشباب الذين تم إعفاؤهم من الخدمة العسكرية فى كل المشروعات التى يحتاج إليها البلد من تعمير الصحراء إلى محو الأمية، نريد الفترة الحالية رئيسًا «عنده حتة رايحة منه»، يعشق التراب الذى يدوس عليه المصريون بنفس حماس وغباوة اللمبى، لا يعمل خاطرا لدول أجنبية أو منظمات عالمية أو حسابات معقدة. جرىء فى تعامله مع المشكلات. يعيد جماهير الكرة إلى المدرجات على مسؤوليته الشخصية، ويهدد إثيوبيا صراحة بتفجير السد، ويلغم الأنفاق بين مصر وحماس، ويمنع وضع إعلانات بالملايين على كوبرى أكتوبر ويحوِّل قيمة كل إعلان لدعم مشروع ما ليكون هذا المشروع هو الدعاية بصفته تحت رعاية الشركة الفلانية. يطلب من كبار كل مهنة الذين يثق بهم الشعب أن يضعوا ميثاق عمل أهل المهنة وعقوبات من يخالفه. يجعل عودة السياحة إلى مصر مسألة حياة أو موت حتى لو ألزم كل بيت مصرى بأن يستضيف سائحا واحدا على الأقل كل موسم.

 

أربعينى حكيم ولكنه حاد الطباع ويدخِّن بشراهة ويأخذ كل ما يخص مصر والمصريين فى الداخل والخارج على كرامته الشخصية. يؤمن بأن الحرية درجات وليست فكرة مطلقة، وأن التدرج فى تبنيها أمر حتمى خصوصا أن الشعب بطبيعته لم يحسن استغلالها فانقلبت من أداة بناء إلى أداة هدم. يؤمن بأننا بحاجة إلى إعادة تعريف كل الأفكار فى مجتمعنا، بعد أن اختلطت الأمور وصار كل واحد يفسر كل شىء على هواه بحجة حب البلد.

 

هذه ربما أفكار خيالية لن يرضى عنها أحد لكن صدق أو لا تصدق، هى الحل الوحيد، فيما عدا ذلك سنظل جميعا أسرى نظريات ستأخذ كل واحدة وقتها حتى يثبت فشلها.

 

الدستور الاصلى

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى