الأخبار

المناظرة التى قصمت ظهر البحيرى

 

94

 

 

عدما كان صيته ذائعا فقط بين الليبراليين والتنويريين والقرآنيين، أصحاب الفهم اللفظى للقرآن بما يتناسب مع روح العصر وإن خالفوا السلف جميعا، ظهر إسلام بحيرى فجأة للجميع، وذاع صيته بين العامة والخاصة، وتواردت شتائمه على الألسن ليل نهار، وبدأت الصحف وقنوات “التوك شو” تحوم حول فتاوى الرجل الأخيرة، محققة شيئا من مكاسب الجذب والضجيج، وقد قيل، بحيرى يقدح فى أئمة الإسلام ويأمر بحرق كتبهم، ويتطاول عليهم بالسب، بحيرى فارق الملة، سبابه إيمان وقتاله بر، وكالعادة فإن له أنصارا ولو كانوا قلة، وغالبية من شهروا به وأشهروه من العامة، بعدما هدم عليهم أكواخ عقيدتهم، عقب رحلة عقلانية قرآنية لتقديم الإسلام بفهم تنويرى علمى، والرد على أعدائه والمشككين فيه خصوصا من الملحدين، سائرا على درب فرج فودة ونصر حامد أبو زيد وغيرهما.

البحيرى له ردود عظيمة على أعداء الإسلام
خطأ بحيرى فى الأئمة له سند سلفى! ولا فرق بينه وبين داعش
موقف الأزهر “جامد” كالعادة وبعيد عن دعوات التجديد المطلوبة

ليس من المنطق أن يقال بالمثل “إسلام بحيرى سافل”، سيرا على خطاه، وكما صنع مع عدد من الأئمة المشاهير، لا شك أن وقع الكلمة غير مستحب حتى بين مؤيديه ولا يقدم شيئا غير “الإفلاس”، وليس من العقلانية تمزيق بحيرى بألفاظ نابية، فالكلمات ترد بالكلمات، والحجج تقابل بالحجج، والكتب تقابل بالكتب، أو الردود بالردود، والعقل هو السيد وقبله الضمير الخالص، وهنا نفتح ملفا كاملا عن بحيرى، ليس “مع أو ضد”، وإنما محاولة لنقل الصورة أو رسم الضجة المثارة بحيادية، ومع أصعب الحياد.

أولا.. من هم القرآنيون؟

فرقة نشأت حديثا لا تأخذ إلا بالقرآن كمصدر للتشريع، وبفهم عصرى عقلانى علمى، يفوق حد اللفظ والمثبت فى أسباب النزول ومتون التفسير وحواشيه.

ويعتبر البعض أن حركة القرآنيين بدأت على يد الشيخ محمد عبده ودعوته الإصلاحية عام 1905، ويقولون إن محمد عبده رفض الحديث إذا خالف العقل وانتقد صحيح البخارى وأنكر الشفاعة وعددا من المعجزات النبوية، بل اتهم بعض أئمة الأزهر باتباع نفس المذهب ومنهم الشيخ محمد الغزالى السقا خصوصا بعد كتابه “السنة النبوية بين أهل الحديث وأهل الفقه” والذى أنكر فيه عددا من الأحاديث الصحيحة الواردة فى البخارى ومسلم بحجج عقلانية وقرآنية بحتة.

ويعتبر الدكتور الأزهرى أحمد صبحى منصور هو أهم رمز للقرآنيين فى مصر والعالم الإسلامى، وخلال عمله بالتدريس فى الأزهر عام 1977 اصطدم بعلماء السنة والصوفية والسلفية حيث تصدوا لدعوته إلى أن انتهى الأمر بفصله عن العمل عام 1987 وسجنه شهرين بتمهة “إنكار السنة”، واضطر بعدها للعمل فى مركز بن خلدون الليبرالى الذى أغلقته السلطات فقرر الهجرة لأمريكا عام 2002 هروبا من حملة اعتقالات نالت القرآنيين بتهمة “ازدراء الأديان“.

ازداد نشاط القرآنيين فى السنوات الأخيرة، عقب ثورة يناير، مع مساحات الحرية التى أتاحتها والتعبير عن الرأى، والخروج على الثوابث والتابوهات، اجتماعيا وسياسيا ودينيا، وساعد على انتشار النشاط الإقبال الشعبى الكبير على مواقع التواصل الاجتماعى والمدونات الشخصية والصحافة الإليكترونية؛ فكان تيار القرآنيين لا يختلف فى قوته وحدته عن تيار الملحدين الجدد، رغم الصراع الكائن بين التيارين.

وبالمثل يتضح المعنى، فمثلا فى مسألة حد السرقة، وقوله تعالى “فاقطعوا أيديهما”، يقول القرآنيون: القطع هنا بمهنى المنع، أى منع اليد عن السرقة بتوفير فرصة عمل لها، متساءلين: كيف يستيطع من تقطع يده أن يستبرئ من نجاسته فى الحمام؟ وكيف يقدر على العمل والشرف بعدها لو قطعت اليد التى تعمل؟ رافضين أحاديث قطع الكف، و”لا قطع إلا فى ربع دينار فصاعدا“.

بحيرى.. منافحا عن الإسلام

نشر بحيرى عددا من المقالات القرآنية العلمية فى عدد من المواقع والصفحات الإليكترونية، كـ”الحوار المتمدن”، يدافع فيها عن الإسلام وعقيدته ونبيه والقرآن.

ففى مقالة له نشرت فى الحوار المتمدن بتاريخ 11 يناير 2015، بعنوان “الرد على سامى الذيب وبيان جهل القائلين بالأخطاء النحوية واللغوية فى القرآن”، يقول بحيرى:

هذا ما وقف عليه أعداء الإسلام من الأغلاط النحوية والبيانية فى القرآن، ولكن إشفاقى عليهم فى هذا المقام لا يمكننى أن أعبر عنه بأية عبارة، وذلك لأن قواعد النحو والبيان التى يقول عنها هؤلاء إنما هـى موضوعة على أساس القرآن، لأنه هو الأصل العربى الذى تواتر عن سيدنا محمد وتحدى به أفصح العرب نطقاً وأبلغهم قولا، فعجزوا عن الإتيان بمثله، فكل ما يخالفه من العبارات يكون غير عربى بدون نزاع.

فهل يظن هؤلاء أن قواعد سيبويه والخليل أصل يطبق عليها القرآن فيقال لما خالف هذه القواعد إنه لحن؟ إن كانوا يظنون ذلك فقد بلغ بهم الجهل غايته، لأن الواقع أن قواعد الخليل وسيبويه وغيرهما من واضعى العلوم العربية إنما تكون صحيحة إذا وافقت القرآن الكريم، أما إذا خالفته فى شىء لا يمكن تأويله فإنه يكون غلطاً بلا نزاع

فهل ظفر أعداء الإسلام حقا بآية فى القرآن تخالف قاعدة من قواعد العربية؟

ثم بدأ يرد على شبهاتهم بوجود أخطاء قرآنية، شبهة شبهة، بالآية والدليل النحوى واللغوى.

وللبحيرى 3 مقالات على المنبر نفسه بعنوان “فضل النبى الأعظم على البشرية وأثره فى رقى الحضارة الإنسانية”، وأشهر مقالاته بلغت 14 حلقة فى الرد على الملحدين تحت عنوان: “الدين والإلحاد وجها لوجه“.

بحيرى.. وجه آخر

هاجم إسلام بحيرى، عبر برنامجه “مع إسلام” على فضائية القاهرة والناس، الائمة الأربعة، قائلا إنهم “أبعد ما يكونون عن الدين ولا أساس للإسناد لهم“.

كما هاجم ابن تيمية والبخارى ومسلم وعددا من سلف الأئمة، واصفا بعضهم بصفات ذميمة وصلت “للشتيمة“!!

هل للبحيرى سند؟

لا شك أننا نحن خير خلف لخير سلف، وحسب بحيرى لم يأت بجديد، بل هو أيضا يتحرك بالعقلية السلفية القديمة، فهذا أبو حنيفة إمام الرأى العظيم، يفرد له ابن أبى شيبة بابا كاملا فى “مصنفه” وهو من أصول الأحاديث النبوية قبل ظهور الصحاح وفى القرون الأولى بعد وفاة النبي “ص”، الباب بعنوان “الرد على أبى حنيفة”! بل خصص عبدالله بن الإمام أحمد بن أبى حنبل ردا كاملا على الإمام فى كتابه “السنة”، ذاكرا رأى الفقهاء والأئمة فى فقهه ومدرسته وآرائه، فمما نقله عن كبار الأئمة الذين لا خلاف عليهم قولهم “أبو جيفة”، وأنه مرجئ وخارجى يرى السيف على أمة محمد، واستتيب مرتين، وبلية ابتليت بها الأمة، بل وصل الأمر لتكفيره، ينقل ابن إمام الحنابلة بسنده عن أبى جعفر بن سليمان، قال: “كان والله أبو حنيفة كافرا جهميا“!!.

وكتب الرجال لم يسلم منها تقريبا فى الجرج إلا القليلون، هذا تالف وكذاب، وذاك لا يساوى فلسا، وفلان من الزنادقة، وبعضهم من السادة الأئمة والمعروفين، ومنذ وفاة النبى “ص” والخلاف بدأ يدب بين المسلمين، أولا فى تصديق وفاته، ثم اختيار القائد من بعده باجتماع السقيفة المشهور وما دار فيه من خلافات، ثم ظهرت فرق الإرجاء والرفض والاعتزال وغيرها، لتصل فى القرن الخامس الهجرى إلى مئات الفرق الإسلامية والمذاهب والملل والنحل، كل يصادر الآخر ويقدح فيه ويرى نفسه “الصواب”، واقرأ فى “الفرق بين الفرق” للبغدادى، والفصل بين الأهواء والملل والنحل لابن حزم، والملل والنحل للشهرستانى.

وفى عهد ابن تيمية، كان من أشد مناوئيه بل ومكفريه الإمام السبكى وابن رجب الحنبلى! ولا مجال للتشكيك فى صحة تلك المعلومة، بل السلفية أدرى بذلك ممن سواهم.

ومع ظهور الوهابية التى تعتبر نفسها امتدادا لابن تيمية والحنابلة، كان الصوفيون والعقلانيون وعدد كبير من الأزاهرة يرونها فتنة وضلالا، وأصحابها وعلماؤها يجب عليه الاستتابة وإلا القتل! ولا مساحة أيضا لتعضيد المعلومة بقول أحد؛ فالأمر أجلى من وضح النهار لكل الطوائف وأمام الأشهاد.

وبخصوص الصحيحين، البخارى ومسلم، فإن قامات كبيرة كأبى زرعة 264هـ، وأبى داود 275هـ، وأبى حاتم 277هـ، والترمذى 279هـ، والنسائى 303هـ، والدارقطنى 385هـ، والبيهقى 458هـ، وابن تيمية 728هـ، وابن حجر 852هـ، وغيرهم قد ردوا بعض الروايات بهما وانتقدوها وضعفوها، ولا أحد ينكر ذلك.

ونقف حديثا على موقف الألبانى السنى السلفى من الصحيحين، حيث ضعف بعضا من الأحاديث الواردة بهما، وألف كتابا خصه بضعيف صحيح مسلم، ليرد عليه الإمام المالكى الصوفى عبدالله الغمارى ردا خلاصته “الألبانى جاهل“!!

بينما الشيخ الغزالى يؤلف كتابا “السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث” مكذبا فيه أصح الأحاديث المتواترة فى الصحاح والسنن، مثل سحر النبى وفقأ موسى لعين ملك الموت وحديث الذبابة وحديث انشقاق القمر وغيرها! معتمدا على المنهج العقلى فى قبول المتن قبل السند، ما جعل السلفيين يشنون ضده حملة مدوية واصفين إياه بأشنع الأوصاف وأردأ العبارات.

وهلم جرا..

ردة فعل الأزهر

أعلنت مشيخة الأزهر أن الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، قرر التقدم ببلاغ للنائب العام اليوم الخميس ضد إسلام بحيرى، وبرنامجه لتشكيكه فى ثوابت الدين، وتأتى تلك الخطوة بعد مخاطبة المنطقة الحرة بهئية الاستثمار للمطالبة بوقف البرنامج “مع إسلام”.

المناظرة “القشة

كان من المفترض أن يظهر إسلام بحيرى، أمس الخميس 2 أبريل على قناة المحور، فى مناظرة مع أحد علماء الأزهر، الدكتور محمد الشحات الجندى، أستاذ الشريعة الإسلامية وعضو مجمع البحوث الإسلامية، إلا أنه تخلف عن الحضور.

وقال بشير حسن، رئيس تحرير برنامج “90 دقيقة”، على فضائية المحور، إنه تم الاتفاق مع الإعلامى إسلام بحيرى على عمل مناظرة على الهواء، ويكون ضيفًا للبرنامج اليوم الخميس مع أحد علماء الأزهر الشريف، إلا أنه أغلق هاتفه الشخصى.

وأضاف خلال مداخلة هاتفية لبرنامج “90 دقيقة”، على فضائية “المحور”، مع الإعلامية إيمان الحصرى، أنه بعد محاولات عدة للتواصل مع بحيرى تمكن من الاتصال به فى مكالمة قال عنها إنه “عليه بعض التحفظات فى مفردات قالها بحيرى بالمكالمة”، وتابع: “أقدّر الضغط النفسى”، حيث قال له: “أنت المسؤول أمامى قانونًا، ولم أقل إنى سأحل ضيفًا على البرنامج، رغم أنه قال ذلك“.

وتابع حسن: “احترامًا لجمهور برنامج 90 دقيقة بأن هناك مناظرة اليوم وكان لا بد أن تتم، وحلقة اليوم ليست تجريحًا فى بحيرى، حيث له أفكار يجب أن يتم طرحها للنقاش“.

وقالت الإعلامية إيمان الحصرى: “كل تقديرنا واحترامنا للبحيرى، ربما يكون قد تعرض لضغوط نفسية نتيجة الهجوم عليه، وكل التقدير لآرائه وأفكاره، ونعاتب عليه عدم الحضور“.

والسؤال: هل عدم تلبية بحيرى لأول دعوة للمناظرة ضعف منه؟ هل كانت عليه ضغوط؟ هل لا يرتقى مستواه لمستوى فرج فودة الذى أجرى مناظرة اغتيل بسببها؟!

الأيام تعيد تكرار نفسها، والتاريخ كأنه قطع متشابهات، والبقاء للصالح والنافع وما كان فى خدمة البشر، علميا ودينيا أو روحيا، ورقى دعوة الليبراليين أو التنوريين لا تقبل الدعوة بحرق كتب أو فكرة، كما دعا بحيرى! أو التلفظ بسباب ولغط شخصى، فضلا عن الاقتحام على العامة عبر برنامج يتابعه الملايين بمنازلهم وهدمها فوق رؤوسهم، بينما “منزلك وبرنامجك” من زجاج، وما الفرق بينك وبين داعش؟! هذا يستل سكينا حقيقيا وأنت سكينك لسانك.

 

مبتدء

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى