أخبار مصر

أنبا أنطونيوس

تعد الرهبنة – التى عرَفها العالم أواخر القرن الثالث الميلادى، وازدهرت فى القرن الرابع، حتى إنها، بنهايته، صارت مئات من الأديرة وآلافا من القلالى (القلاية مسكن الراهب) – هى الوليد الروحى للمسيحية الخارج من رحم أرض «مِصر»، ولا عجب أنها قد انتشرت فى براريها وصحاريها ووديانها نتاجًا حيًّا للحياة الروحية العميقة التى عرفها المِصريون آنذاك، حتى رغِب عدد كبير فى تلك الحياة السامية الدائمة الكاملة مع الله، يخدمون العالم بصلواتهم التى يرفعونها إلى الله من أجل خير البشرية وسلامها.

ومن «مِصر» انطلقت أسس الرهبانية وتعاليمها وحياتها فقدمتها الكنيسة القبطية إلى سائر المسكونة، بعد أن نبعت جميع جذور الأديرة المسيحية على نحو مباشر أو غير مباشر من حياة الرهبنة المِصرية. ففى سنة 357 م، جاء «القديس باسيليوس»، منظم الحركة الرهبانية بآسيا الصغرى، إلى أرض «مِصر»، وزارها سنة 400 م القديس چيروم الذى تَرجَم الكتاب المقدس إلى اللغة اللاتينية، وترك تفاصيل خبراته بـ«مِصر» فى رسائله. وكذلك القديس «بنيديكت» أسَّس أديرة فى القرن السادس على مثال ما فعله القديس باخوميوس أب أديرة الشركة الرهبانية بـ«مِصر». وأيضًا زار آباء البرية عددٌ لا نهائى من الرحالة السواح وقَلدوا أنظمة حياتهم الروحية وانضباطها، لتتقدم «مِصر» دول العالم، لا فقط حضاريًّا ومعرفيًّا، بل روحيًّا أيضًا.

أنبا أنطونيوس «أب الرهبان»

يعتبر العالم «أنبا أنطونيوس الكبير» (251- 356 م)، الذى احتفلنا بعيد نياحته فى الثانى والعشرين من طوبة (الموافق 30/1/2023 م)، هو «أب الرهبنة» ومؤسسها، هذا على الرغم من أنه لم يكُن أول من سلك فى حياة الرهبنة، بل قد سبقه آخرون فيها. بدأت حياة «أنبا أنطونيوس» الرهبانية فى الكنيسة يوم أن اخترق قلبه وعقله كلمات «السيد المسيح»: «إن أردتَ أن تكون كاملاً فاذهب وبِع أملاكك وأعطِ الفقراء، فيكونَ لك كَنز فى السماء، وتعالَ اتبعنى»، فعلى فوره هَمّ ليتمم الوصية، فأخذ يبيع كل ما يملكه ووزع الأموال على الفقراء والمساكين، وأودع أخته ديرًا للراهبات، وبدأ رحلة النسك: أولاً على ضفاف النيل، ثم انطلق إلى البرية الجوانية ليسكن إحدى المغارات، حيث قضى قرابة العشرين عامًا فى حياة وحدة وصلاة وتعبد لله. وفاح عطر حياته المقدسة فجذبت إليه كثيرين رغِبوا فى السير على آثار خطواته الروحية، فصار أبًا ومرشدًا لهم. وهكذا بدأت الرهبنة فى الانتشار فى الجبال، وصارت البريَّة منارة ممتلئة بالرهبان الذين آثروا أن يتركوا العالم من أجل الحياة لله. وكان من بين الذين تتلمذوا على يد «أنبا أنطونيوس» وعرَّفنا بسيرته، البابا «أثناسيوس الرسولى» (العشرون فى بطاركة الإسكندرية).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى