الأخبار

البرادعي.. قصة موت مُعلن لمشروع زعيم

 – تأخرت طائرته عن الوصول الأول له إلى مصر وكان ذلك بداية تأخره الدائم

– كان شجاعا عندما دعا المصريين للنزول ضد مبارك ولكنه لم يكن شجاعا بعد الترشح للرئاسة

– يعانى دكتور البرادعى من «فرق التوقيت» حيث انتظر 3 سنوات لتبرير تركه لمنصب مستشار رئيس الجمهورية

الزمن ليس بالبعيد، 5 سنوات بالتمام الكمال كان الظهور الأول له، وبالتحديد فى تاريخ 19-2- 2010، تأخرت ميعاد وصول طائرته، التى من المفترض أن تصل فى الساعة الثالثة ظهرًا، ينتظره عدد لا بأس به من النخبة السياسية المصرية وبعض الشاب، والذين كانوا يتوسمون به أن يكون زعيمًا سياسيا قادرًا على توحيد صف المعارضة ضد فساد سياسى استمر لعقود طويلة، واتضح بعد ذلك أن وصول الطائرة متأخرة ليس هو التأخير الوحيد لدكتور البرادعى، فالتأخير سمة من سماته التى صعب أن يتخلى عنها.
هو الدكتور محمد مصطفى البرادعى، الدبلوماسى الشهير، ورئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، الذى وقف أمام الولايات المتحدة فى اجتماع مجلس الأمن، مؤكدًا أن العراق خالٍ من أسلحة الدمار الشامل، ليس ذلك فقط، ولكن ليس هناك نية أو بوادر داخل العراق لهذا العمل.
كان أول حديث له مع الإعلامية منى الشاذلى، وتحديدًا بعد يومين من وصوله مصر، فى تاريخ 21- 2 -2010، تحدث دكتور البرادعى فى هذا الحوار بجرأة لم يتعود المصريون عليها، نطق ببعض الكلمات لم نكن نسمعها من قبل: التغيير، ثورة، مليونية، كانت تنظر إليه منى الشاذلى كأنه من كوكب آخر جاء يتحدث عن أمور مستحيل حدوثها.
خلال متابعتك لطريقة حديث البرادعى، تلاحظ أنه رجل هادئ لحد كبير، صعب أن تستفزه، أن تجعله يغضب، فهو موظف دبلوماسى جيد، توسم فيه عدد من النخبة المصرية، وجزء لا بأس به من الشباب بأن يكون زعيمًا للتغيير فى مصر، لكن الدكتور البرادعى لم يكن يتمتع بصفات الزعيم القوى لكثير من المواقف التى ظهرت له بعد ذلك.
فى كتاب «سحر القيادة» للدكتور مصطفى الفقى، يصف الزعيم بأنه شخص ماهر فى وضع الخطط والرؤية، قادر على الحماسة التحفيز، يتواصل مع الآخرين بشكل مُبهر، مرن تجاة المشكلات، يهتم بالجانب الإنسانى فى التعامل مع الآخرين، يحب الجميع العمل معه.
الصفات السابقة يمكن أن تكون هى نفس الصفات التى يتمتع بها دكتور محمد البرادعى، فهو قادر على التواصل مع الآخرين، وخصوصا الشباب، الذى كان يتواصل معهم دائمًا عن طريق الوسائل التكنولوجية الجديدة، مثل «تويتر» و«فيسبوك»، وأيضًا من خلال الاجتماعات، فكان أغلب الشباب يحب العمل مع هذا الشخص، فكانوا يرون فيه القائد والزعيم والمُلهم.
وفى نفس الكتاب يصف الدكتور مصطفى الفقى، يصف الزعيم أو القائد، أنك لم تجده يفتقر إلى الشجاعة فى اتخاذ القرارات، ومستحيل أن يتقلد منصبًا وهو بعيد عن منطقة القرار وتبعاته.
أما عن السمات التى لا يجب أن يتمتع بها القائد فهى اتخاذ القرار فى الوقت الخطأ، فلا ينفع القرار إذا تم اتخاذه فى غير وقته المناسب.
هاتان السمتان (الشجاعة، والتوقيت المناسب)، لا يتمتع بهما دكتور محمد البرادعى، إذا تحدثنا عن الشجاعة، فالدكتور البرادعى كان شجاعًا فى بعض المواقف فقط دون الأخرى، كان شجاعًا عندما جاء إلى مصر وتحدث عن التغيير، بالإضافة إلى رغبته المستمرة فى تحفيز الشباب على التغيير، كان شجاعًا عندما قرر مشاركة الشباب جمعة الغضب، وغيرها من المواقف المشرفة لدكتور البرادعى، لكنه لم يكن شجاعًا عندما قرر عدم الترشح لانتخابات الرئاسة، وأيضًا عندما قرر ترك رئاسة حزب الدستور، وتلاشى الحزب وتم تمديره قبل أن يبدأ، لم يكن شجاعًا أنه لم يبرر سفره المفاجئ من مصر بعد أحداث رابعة العدوية وميدان النهضة.
إذا تحدثنا عن شجاعة الرئيس جمال عبد الناصر بالتحديد، لأنه جاء بعد ثورة، كان يتخذ قرارات شجاعة وسريعة حتى وإن كانت بعض هذه القرارات خاطئة، فكان مثالا للزعيم الذى يتخد قرارات جريئة، مثل تأميم قناة السويس، وإلغاء النظام الاقطاعى، حتى إنه كان جريئًا عندما قرر أن يترك منصبه كرئيس للجمهورية بعد نكسة 1967، على عكس ما يقوم به دكتور محمد البرادعى باعتباره شخصية ثورية ظهرت بعد 25 يناير، فقراراته لم تتحلَ بقدر كافٍ من الشجاعة.
أما عن التوقيت، فيمكن أن نعطى دكتور محمد البرادعى العلامة الكاملة فى فشله فى اتخاذ القرار بالوقت مناسبة، فالدكتور البرادعى اختار وقتًا غير مناسب تماما لترك منصبه كمستشار الرئيس عدلى منصور، حيث اتهمه كثيرون أنه ترك منصبه فى توقيت حرج تمر به مصر، ليس ذلك فقط بل إنه تأخر أكثر من 3 سنوات ليوضح سبب استقالته، وبغض النظر عما جاء فى هذا البيان من إيجابيات وسلبيات، لكننا نتحدث هنا عن التأخر فى اتخاذ قرار توضيح سبب استقالته، حيث نسى أغلبنا استقالته والأحداث التى حدثت وقتها، ليس ذلك فقط، فنسى البعض الدكتور البرادعى شخصيا.
يمكن أن نقول وبقلبٍ مطمئن إن الدكتور محمد البرادعى فرط فى فرصة أن يكون زعيمًا ثوريا حقيقيا يمكن أن يعتمد عليه الشباب فى مرحلة كانت يتوسم كثيرون فيها أنه البديل الحقيقى للمصرين بعد ثورة 25 يناير، وقرار ظهوره فى بيان بعد 3 سنوات من خروجه من مصر يؤكد أن البرادعى يعانى من «فرق التوقيت»، فهو لم يكن رجل المرحلة الأمثل منذ تأخر وصول طائرته فى 2010.
الموجز

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى