أخبار مصر

«زمن الملك الكامل»

تحدثت المقالة السابقة عن استقلال «الملك الكامل» بحكم «مِصر» وانفراده بتدبير أمورها بعد وفاة أبيه «الملك العادل»، وفشل محاولة بعض الأمراء خلعه وتفويض الحكم إلى أخيه «الملك الفائز»، وتصدى «الملك الكامل» لمحاولات الفرنج الاستيلاء على «مِصر» بعد إيقاعهم بمدينة «دمياط»، وانتصاره عليهم، ثم عقد الصلح بين الفريقين، ورحيل الفرنج عن البلاد.

 

وانتزع منه «دمشق» بعد مصالحة جرت بينهما فى التاسع من جمادى الأولى سنة خمس وثلاثين وستمائة، وأبقى له «بَعْلَبَكّ» وأعمالها، و«بُصرى» و«أرض السواد» وتلك البلاد». وبعد استيلائه على «دمشق» مرِض، ثم تُوفى ودُفن بالقلعة بمدينة «دمشق» سنة ٦٣٥هـ (١٢٣٨م)، بعد أن حكم قرابة ١٩ عامًا.

 

 

ومن الأحداث التى صارت أيام حكم «الملك الكامل»: أن أخاه «الملك المعظم عيسى» كان قد أخرب «القدس» بعد أن وصلت أخبار عن عزم الفرنج التوجه والاستيلاء عليها، وكان ذلك سنة ٦١٦هـ (١٢١٩م)؛ ويذكر المؤرخون: «فشرعوا فى خراب السور أول يوم من «المحرَّم»، ووقع فى البلد ضجة عظيمة. وخرج النساء المخدّرات والبنات والشيوخ وغيرهم إلى الصخرة (الصحراء) و«الأقصى».

 

 

وقطعوا شعورهم ومزقوا ثيابهم، وفعلوا أشياء من هذه الفِعال، ثم خرجوا هاربين وتركوا أموالهم وأهاليهم.. وامتلأت بهم الطرقات؛ فتوجه بعضهم إلى «مِصر»، وبعضهم إلى «الكَرَك»، وبعضهم إلى «دمشق»… ومات خلق كثير من الجوع والعطش…».

 

 

حارب «الملك الكامل» الفرنج، سنة ٦١٧هـ (١٢٢٠م)، وانتصر عليهم فى «واقعة البرلس» وعادوا مهزومين إلى «دمياط»، وفى تلك السنة كان أول ظهور للتتار بعد أن تمكنوا من عبور «نهر جَيْحُون» ومروا بعدد من المدن قتلوا وسبَوا أهلها.

 

 

وبعد ثلاث سنين (٦٢٠هـ/١٢٢٣م) دبت الفُرقة والبعد بين قلوب الإخوة الثلاثة: «الملك الكامل»، و«المعظم عيسى» حاكم «دمشق»، و«الأشرف موسى» حاكم «خِلَاط» وغيرها.

 

 

وفى السنة التالية (٦٢١هـ/١٢٢٤م) حل الخراب والهلاك ببلاد عديدة على أيدى التتار؛ فيذكر «ابن الأثير»: «وفيها عادت التتار من بلاد «القَِبْجَاق» (قبائل تركية متحالفة) ووصلت إلى (مدينة) «الرَّىّ»، وكان من سَلِم من أهلها قد عمّروها، فلم يشعروا إلا بقدوم التتار بغتة، فوضعوا فيهم السيف، ثم فعلوا بعدة بلاد أُخَر كذلك…».

 

 

ومرت ثلاث سنوات وتُوفى «الملك المعظم عيسى» (٦٢٤هـ/١٢٢٧م)، كما تُوفى أول ملوك التتار قائدهم الطاغية العَتِىّ «چِنْكِيز خان» بعد أن خرّب بلادًا كثيرة وأباد أهلها.

 

 

أما فى سنة ٦٢٦هـ (١٢٢٨/١٢٢٩م)، فقد وهب «الملك الكامل» بيت المقدس لملك الفرنج، ويذكر «ابن تَغْرى»: «ووصلت الأخبار بتسليم «القدس» إلى «الأنبرور» (ملك الفرنج)، فقامت قيامة الناس لذلك ووقع أمور، وتسلم «الأنبرور» «القدس»؛ و«الكامل» و«الأشرف» على حصار «دمشق»، فلم يُقِم «الأنبرور» سوى ليلتين، وعاد إلى «يافا» بعد أن أحسن إلى أهل «القدس»، ولم يغيِّر من شعائر الإسلام شيئًا»، كما تسلم «الملك الكامل» «دمشق» من ابن أخيه وعوضه «الكامل» عنها بـ«الشَّوْبَك».

 

 

وفى السنة نفسها، تُوفى «الملك المسعود» ابن «الملك الكامل»، بعد أن خرج من اليمن قاصدًا الاستيلاء على «دمشق»، فمرِض ومات بـ«مكة»، وقيل إنه كان ظالمًا سفاكًا للدماء قتل أعدادًا كبيرة من البشر فى «اليمن» ونهب أموالهم، كذلك ذُكر أن أباه «الملك الكامل» كان يخشاه ويكن له الضغينة، وأنه سُر بموته!!، واستولى على جميع أمواله، وقيل إنه فرق معظمها فى أوجه البر والصدقات.

 

 

ثم كان قدوم التتار إلى الجزيرة و«حَرَّان» مرة ثانية، سنة ٦٢٩هـ (١٢٣١م)، فأخذوا يستشرون فيهما قتلاً وأسرًا وسبيًا من البشر؛ فاجتمع «الملك الكامل» وأخوه «الأشرف» من أجل دفع خطر التتار و… والحديث فى «مِصر الحلوة» لا ينتهى!.

 

 

الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأرثوذكسى

المصري اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى