المحكمة الدستورية المؤسسة القضائية التى أحكم الإخوان قبضتهم عليها

عع

البعض يظن أن الحرب ضد المحكمة الدستورية العليا من قبل النظام الحاكم وجماعة الإخوان المسلمين قد بدأت مع حكمها الصادر فى 14 يونيو الماضى بحل البرلمان، لكن الأمر ليس صحيحا، فاستهداف المحكمة بدأ قبل أن تصدر ذلك الحكم الذى جعل منها خصما كبيرا لدى النظام وعلى رأسه رئيس الجمهورية نفسه، وذلك من خلال مشروع القانون الذى قدمه عضو بحزب النور السلفى، الذى يغير من تشكيل المحكمة ويقلص من صلاحياتها، مما يكشف عن نية التيار الإسلامى وتفكيره تجاه المحكمة الدستورية قبل إصدارها حكم حل البرلمان، الذى زادهم إصرارا على الانتقام من المحكمة الدستورية العليا، هذا علاوة على موقف رئيس الجمهورية نفسه من المحكمة الذى رفض فى بداية حكمه أن يحلف اليمين أمامها، لكنه رضخ أمام إصرار أعضائها.

بداية خطة التيار الإسلامى للقضاء على المحكمة الدستورية ترجع إلى مشروع القانون الذى قدمه النائب حسن أبو العزم عن حزب النور، ووافقت عليه لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس الشعب المنحل بشأن المحكمة الدستورية العليا وإعادة تشكيل هيئتها، ومن هنا تفجرت الأزمة مع المحكمة الدستورية التى لولا وقفتها فى ذلك الوقت ورفضها بشدة مشروع القانون لمر بسهولة، حيث كان الهدف منه تحصين مجلس الشعب من الحل وإعادة تشكيل المحكمة الدستورية بما يمكن رئيس الجمهورية من السيطرة عليها.

مشروع القانون تم سحبه وقتها من البرلمان بعد أن لاقى اعتراضات كثيرة، سواء من قضاة المحكمة الدستورية أو من فقهاء الدستور والقانون، لكن فى ما بعد نجحت الجمعية التأسيسية للدستور برئاسة المستشار حسام الغريانى فى تمرير هذه التعديلات وإقرارها فى الدستور الجديد.

المستشارة تهانى الجبالى نائب رئيس المحكمة الدستورية السابق، قالت «المحكمة الدستورية العليا كانت مستهدفة منذ البداية من جانب التيارات الدينية، وذلك حتى يتم القضاء على المرجعية الدستورية فى مصر، ولتنفيذ جزء من خطة هذا التيار الذى يحمل مشروعا بوجود مؤسسات تتبنى مرجعيات تتوافق مع منهجه وأفكاره وأهدافه».

الجبالى أضافت أن استهداف المحكمة الدستورية سابق على حكمها بحل البرلمان، بما ينبئ عن تفكير التيار الدينى خصوصا الإخوان المسلمين تجاه المحكمة الدستورية، مشيرة إلى أن ما سمى بـ«وثيقة التمكين» التى وضعها الإخوان وتم الكشف عنها منذ سنوات، وهى عبارة عن خطة الإخوان المسلمين للسيطرة على المجتمع، وقد تحدثوا فى هذه الوثيقة عن المحكمة الدستورية، وكيف أنها تمثل عقبة أمامهم، مؤكدين سعيهم إلى تغيير مرجعيتها والسيطرة عليها، وذلك لأنها كانت المؤسسة المرجعية صاحبة تفسير المادة الثانية من الدستور، وهذا يفسر لماذا وضعوا فى الدستور الجديد المادة التفسيرية للمادة الثانية.

نائب رئيس المحكمة الدستورية السابق أكدت أن القضاء على المحكمة الدستورية هو جزء من مشروع الإخوان للسيطرة على مؤسسات الدولة ذات المرجعيات، التى من بينها المحكمة الدستورية، حتى تجد بديلا لها مؤسسات تتبنى مرجعيات تتوافق مع أفكار الجماعة.

المحكمة الدستورية العليا أصدرت فى 14 يونيو 2012 حكمها الشهير بحل البرلمان السابق، مؤكدة أن قانون انتخابات مجلس الشعب غير دستورى، لأنه يهدر مبدأ تكافؤ الفرص والمساواة بين المرشحين المستقلين ومن ينتمون إلى الأحزاب، واعتبرت المحكمة فى حيثيات حكمها مجلس الشعب باطلا وتكوينه غير دستورى ووجوده منعدما منذ صدور ذلك الحكم، ومنذ ذلك التاريخ تم تصنيف «الدستورية العليا» كخصم حقيقى للنظام الحالى.

الحكم بحل مجلس الشعب السابق كان مثار هجوم حاد من جانب الإخوان المسلمين وباقى التيارات الدينية، إلى أن أصدر الرئيس مرسى قرارا فى 8 يوليو 2012 بعودة البرلمان للانعقاد ضاربا بحكم المحكمة الدستورية عرض الحائط، وعاد بالفعل المجلس إلى الانعقاد مرة أخرى، إلى أن أقيمت دعوى «منازعة تنفيذ» ببطلان قرار رئيس الجمهورية بعودة المجلس للانعقاد أمام المحكمة الدستورية، فقضت المحكمة فى جلستها بتاريخ 10 يوليو 2012 ببطلان قرار الرئيس بعودة البرلمان.

وهكذا دار السجال بين المؤسسة الرئاسية والمحكمة الدستورية، واستمر إلى أن أصدر مرسى الإعلان الدستورى فى 21 نوفمبر 2012، الذى حصن فيه كلا من الجمعية التأسيسية ومجلس الشورى، فى الوقت الذى كان متداولا فيه أمام المحكمة الدستورية دعويان بشأنهما، وخرج الرئيس مرسى يبرر ذلك الإعلان الذى وجد اعتراضات واسعة فى الشارع، بأن هناك مؤامرة تحاك من قبل المحكمة الدستورية، وذكر أن حكم حلّ مجلس الشورى تم الإعلان عنه قبل أسابيع من الجلسة المقررة للنطق بالحكم، وذلك فى إشارة إلى احتمال صدور حكم قضائى مسيس، وعلق قائلا «البعض يريدون حلّ كل شىء»، فى إشارة منه إلى قوى تعمل ضد الثورة.

فى يوم 2 ديسمبر 2012 كانت الجلسة المقررة للمحكمة الدستورية لنظر دعوى «حل الشورى» و«بطلان التأسيسية»، إلا أنه حِيل بين المحكمة وبين نظرهما بسبب حصار المحكمة من قبل الإخوان المسلمين والسلفيين ومنع القضاة من دخول المحكمة، ذلك الحصار الذى استمر حتى صدور الدستور، الذى أعلنت المحكمة على أثره تعليق جلساتها بعد أن وصفت فى بيان رسمى لها حصار المحكمة بأنه يوم حالك السواد فى تاريخ القضاء المصرى.

ثم جاء ما فعلته الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور بالمحكمة الدستورية، ليؤكد نية النظام العصف بالمحكمة والاعتداء على القضاء الدستورى، الذى كثيرا ما وقف عقبة أمام أهداف هذا النظام -من وجهه نظره- لتغير فى تشكيل المحكمة بما يمس من اختصاصاتها وصلاحياتها، فتم عزل 7 من قضاة المحكمة لتتشكل من 10 أعضاء غير رئيسها، ويعود الأعضاء الباقون إلى أماكن عملهم.

المستشارة تهانى الجبالى كانت العضو الوحيد الذى تم إبعاده نهائيا من المحكمة، وهو أمرا كان مقصودا، حيث يؤكد كل المراقبين أن هذا النص وضع خصيصا من أجل الجبالى، حيث نص التشكيل على 11 عضوا، وكانت الجبالى هى العضو رقم 12. هذا فضلا عن أنه قصر رقابة المحكمة على قوانين الانتخابات ومباشرة الحقوق السياسية على الرقابة السابقة فقط.

مصدر بالمحكمة فضل عدم ذكر اسمه، قال إن ما ورد فى نصوص الدستور بالنسبة إلى المحكمة لا يختلف عما ورد فى مشروع القانون الذى قدم فى البرلمان من قبل، بالرغم من أنه كانت هناك مذكرات رسمية بين رئيس المحكمة ورئيس الجمعية التأسيسية خلال المناقشات برفض هذه المقترحات، علاوة على ذهاب كل من المستشارين على عوض وحسن بدراوى ورجب سليم وحاتم بجاتو إلى لجنة نظام الحكم بـ«التأسيسية»، وتم الاتفاق وقتها على نصوص محددة فى ما يخص المحكمة، إلا أنه تم التراجع عن كل ذلك فى تلك الجلسة الشهيرة التى عقدت بالليل، وانتهى فيها المستشار الغريانى من الدستور.

المصدر أضاف أن هذا يؤكد نية الانتقام من المحكمة الدستورية والرغبة فى السيطرة عليها، مضيفا أن استهداف المحكمة رغم ذلك لا يزال قائما حتى هذه اللحظة، خصوصا فى ظل ما يتردد عن خفض سن التقاعد، ولو تحقق ذلك سيتقاعد نحو 5 من الأعضاء الحاليين بالمحكمة، وبالتالى فإن رئيس الجمهورية هو من يعين قضاة بدلا منهم، وبالطبع سيكون الاختيار لمن لهم الولاء والطاعة.

الجبالى.. أول سيدة تصل إلى أعلى منصب قضائى فى مصر

التاريخ سيذكر أن هناك سلطة حاكمة، هى الإخوان المسلمون، قامت بشخصنة نص فى الدستور من أجل شخص معين، وهو المستشارة تهانى الجبالى، والإطاحة بها من المحكمة الدستورية العليا، نتيجة مواقفها الصارمة ضد سياسات الرئيس مرسى وجماعته.

الإخوان المسلمون قاموا بتفصيل نص دستورى خصيصا من أجل إبعاد الجبالى عن المحكمة الدستورية، وهو رأى يلمسه كل متابع ومراقب وقارئ للأحداث، فما معنى النص فى الدستور على أن يكون تشكيل المحكمة الدستورية العليا مكونا من 11 عضوا وترتيب الجبالى بها هو رقم 12؟!

الجبالى، كانت الوحيدة من بين أعضاء المحكمة التى واجهت جماعة الإخوان المسلمين مواجهة شرسة، مؤكدة أنهم يشكلون خطرا كبيرا على الدولة المصرية، فما كان منهم إلا التخطيط من أجل إبعادها عن المحكمة.

«صوتى يا تهانى دستورنا راجع تانى»، و«يا تهانى صح النوم النهارده آخر يوم»، و«ادينا إشارة نجيبلك تهانى فى شيكارة»، هكذا تصدرت المستشارة تهانى الجبالى هتافات الإخوان المسلمين والتيارات الدينية فى كثير من المظاهرات التى كانت تخرج لتأييد الرئيس على قرار ما أو موقف اتخذه، حيث كانوا يهتفون ضدها تحديدا بالاسم.

الجبالى، وصفت عزلها من المحكمة الدستورية هى و6 من أعضائها بأنه جريمة فى حق استقلال القضاء، واعتداء على سيادة القانون الذى ينص على عدم عزل القضاة، واعترضت على الدستور، الذى سمته بـ«الوثيقة الدستورية»، مؤكدة عدم شرعيته فى المذكرة التى تقدمت بها للمحكمة طعنا على الدستور، وعلى قرار عزلها من وظيفتها.

الجبالى، هى أول امرأة مصرية تتولى مهنة القضاء، وما زالت المرأة المصرية التى احتلت المنصب القضائى الأعلى فى تاريخ مصر، وذلك قبل استبعادها من هيئة المحكمة بعد إقرار الدستور المصرى الجديد. نضال المستشارة تهانى الجبالى ضد سياسات الإخوان المسلمين لم يظهر مؤخرا فقط، بل قبل أن تكون قاضية، حين كانت عضوا بمجلس نقابة المحامين، التى كانت وقتها يسيطر عليها التيار الدينى، فتصدت دائما لممارساتهم ومن وقتها اكتسبت عداوتهم.

فى 22 يناير 2003 صدر قرار جمهورى بتعيينها ضمن هيئة المستشارين بالمحكمة الدستورية العليا كأول قاضية مصرية، حتى عام 2007، حيث عينت الحكومة المصرية فى ذلك العام 32 قاضية، لكن لم تضف أى قاضية أخرى فى المحكمة الدستورية، مما أبقى القاضية تهانى الجبالى صاحبة أعلى منصب قضائى تحتله امرأة فى مصر.

 

الأخوان مكى .. التحولات العظمى فى المواقف

محمود مكى من ثورى إلى نائب رئيس «صورى» إلى سفير فى الفاتيكان

أحمد مكى.. عارض قانون الطوارئ أيام مبارك وحاول تمريره عندما أصبح وزيرًا!

الأخوان مكى، قاضيان لعبا دورا مهما قبل الثورة فى الدفاع عن استقلال القضاء، وشاءت الأقدار أن يتوليا أعلى المناصب بعد الثورة ووصول الإخوان إلى الحكم، حيث تولى محمود مكى منصب نائب رئيس الجمهورية، بينما تولى أحمد مكى وزارة العدل، لكن ما قبل الثورة وما بعدها يحمل كثيرًا من التغير فى المواقف بشكل يثير الاندهاش، فمن الدفاع عن القضاء إلى التدخل فى عمل المؤسسة القضائية، ومن رفض صارخ لقانون الطوارئ فى عهد مبارك إلى تبرير صدور قانون للطوارئ فى عهد مرسى.

المستشار محمود مكى كان معارًا لإحدى الدول، ومع اندلاع ثورة يناير عاد إلى مصر، ليشارك فى مظاهرات التحرير، وتسير الأحداث حتى أصبح نائبا لرئيس الجمهورية الإخوانى، ولأسباب غير معلومة تحوّل الرجل المناضل المعارض الثورى إلى موالٍ مخلص، وتتحول مواقفه لتتناقض مع تاريخه النضالى الحق. البعض يتخيل أن المستشار محمود مكى يرد الجميل للدكتور محمد مرسى، الذى تم اعتقاله فى الثامن عشر من مايو 2006، بينما كان يتظاهر أمام محكمة شمال القاهرة للتنديد بإحالة مكى إلى الصلاحية، وكان لا يزال وقتها قياديا بارزا بالجماعة، إلا أن ذلك ليس سببا يغفر لمكى تحوله الملحوظ عن مواقفه النضالية المعارضة، التى رسخت لاستقلال القضاء وفصله عن السلطة التنفيذية.

«البقاء للأقوى»، جملته الأشهر التى قالها فى مؤتمر صحفى عقده للدفاع عن رئيسه، بالتزامن مع عمليات العنف الدامية التى وقعت فى محيط القصر الرئاسى الذى كان يُبَث منه المؤتمر، التى لم يعر أى اهتمام لها أو للضحايا الذين سقطوا خلالها، بل وكان متحاملًا على المتظاهرين السلميين الذين يحاولون استكمال ثورتهم ضد قمع النظام الإخوانى الذى احتوى مكى. بينما تصريحاته عن أنه لا يعلم أى شىء عن الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى فقد أثارت سخرية الكثيرين منه، حيث إنه تصريح لا يصح أن يخرج عن رجل فى ذلك المنصب، فإن كان تصريحه حقيقيا فلا مهرب من كونه مجرد صورة يكمل بها الإخوان الديكور المتقن الذى صنعوه حولهم لتزيين مظهرهم، وإن كان محاولة منه للهرب أو التنصل مما يحويه ذلك الإعلان الدستورى، فدلالة ذلك لن تكون إلا كونه فاشلا.

الغريب فى الأمر، بل والمثير للدهشة، هو أن رئيس الجمهورية فى الغالب لم يراع رد الجميل أو لم ترقه الطريقة التى تم رده بها، أو ربما كان ينتظر المزيد من المحاباة للنظام من هذا الرجل ولم يجدها، ليتخذ قرارًا بتعيينه سفيرًا لمصر فى دولة الفاتيكان، وهى نفس الدولة التى كان يود مرسى إرسال النائب العام المُقال المستشار عبد المجيد محمود إليها.

أما المستشار أحمد مكى وزير العدل، فقد تغير 180 درجة فى ظل حكم الإخوان المسلمين، ليواصل تناقضه ويقف اليوم مناديا بتطبيق ما كان يثور ضده أمس، ويبرر ما كان يرغب فى إسقاطه وقت أن كان ثوريا، بل ويرفض الثورة على عديد من المفاهيم التى ناضل فى وقت من الأوقات لرفضها.

مكى الإخوانى حتى النخاع فى كل تصرفاته وأفعاله وقراراته، يعد أحد أبرز المتغيرين بعد الثورة، فهو «مَلِك المتناقضات» الذى التزم الكمون، ولم يظهر له موقف واضح من سياسات المجلس العسكرى خلال فترة حكمه للبلاد بعد ثورة يناير، وهو من ثار فى عصر مبارك ضد قانون الطوارئ، وعندما تولى حقيبة وزارة العدل تقدم بمشروع للقانون لا يختلف كثيرًا عن سابقه، وهو نفس الرجل الذى رفض الاعتداء على القضاة أيام نظام مبارك بما يحمله من فقد لهيبة السلطة القضائية، فى حين اتخذ موقفًا متخاذلا ومتواطئا ضد السلطة القضائية ورجال القضاء خلال أزمة المستشار عبد المجيد محمود النائب العام المُقال، ليقف موقف المتفرج على الرئيس الإخوانى، وهو يعبث باستقلال السلطة القضائية.

ليس هذا فحسب، فالرجل الذى أعلن بعد احتدام أزمة النائب العام أنه سوف يعمل على حلها، بذل جهدا حقيقيا، لكنه الجهد الذى جاء ليشق صف أعضاء النيابة العامة، بعدها تراجع عن وعوده لهم بحل الأزمة، ليعلن أنها ليست سوى «زوبعة فى فنجان»، وهو نفسه رجل القانون الذى لم يخجل حينما أعلن بملء فيه أن أبناء القضاة ليسوا كغيرهم من أبناء البسطاء، وأنهم أصحاب أولوية فى التعيين بالسلك القضائى والنيابة العامة.

 

 

 

 

 

التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى