أخبار مصر

مقال نيافة الأنيا إرميا مصر الحلوة 427 «وقف الخلق…»

  صفحة جديدة من التاريخ الإنسانيّ خطتها أيدٍ مِصرية الخميس الماضي، حين اتجهت أنظار العالم إلى درة شرقه: “مِصر”، وهي تعرض لأجمل دررها الأثرية: مدينة “الأقصر”، الضامّة وحدها ثلث آثار الأرض، فأمست مُتحفًا عالميًّا مفتوحًا،بعد أنأحيت أقدم طريق أثريّ في العالم بها: “طريق الكباش”، رابط معبدي “الأقصر” و”الكرنك”، على امتداد ٢٧٥٠ مترًا طولاً تقريبًا، وقرابة ٢٥٠ قدمًا عرضًا. ويأتي افتتاح “طريق الكباش”، بعد أن قدمت “مِصر” موكب المومياوات إبريل الماضي، ما يعكس حرصها على إبراز أمجاد ماضيها وكفاح حاضرها، في ظل قياداتها الرشيدة؛فأتذكر على فوري كلمات عميد الأدب العربيّ “طٰه حسين”، سنة ١٩٣٣م بمجلة “كوكب الشرق”: “إن الحضارة المِصرية الفرعونية متأصلة في نفوس المِصريِّين، وستبقى كذٰلك، بل يجب أن تبقى وتقوى”.

وفي لمحة سريعة لتاريخ “طريق الكباش”، الممتد ٣٥٠٠ سنة تقريبًا:بدأ بناؤه في حكم الأسرة الثامنة عشْرة، وتم في عهد الملك “نِخْتِنِبُّو الأول” مؤسس الأسرة الثلاثين (٣٨٠-٣٦٢ ق. م.)، لٰكن بمرور الأيام،اختفت ملامحه تحت الرمال!!! حتى سنة ١٩٤٩م، حين اكتشف منه عالم الآثار المِصريّ “زكريا غنيم” ثمانية تماثيل. ثم توالت الاكتشافات في الخمسينيات والستينيات بالقرن الماضي. وبدأت العزيمة المِصرية التي لا تكلّ ولا تهدأ في مواصلة العمل، منذ ١٩٨٤م حتى مشارف القرن الجديد، لتحديد مسار الطريق كاملاً؛ في مرحلة جديدة من العمل المتواصل: بدأت سنة ٢٠٠٧م، وتوقفت ٢٠١١م، لتعود في ٢٠١٧م حتى ٢٠٢١م وتقديم “مِصر” لهديتها إلى العالم.

يتألف “طريق الكباش” من رصيف حجريّ بمنتصفه، ويصطف على جانبيه ١٢٠٠ تمثال من الحجر الرمليّ، متخذةً ثلاثة أشكال: الأول كبش كامل يرمز إلى الإلٰه “آمون”، والثاني رأس كبش على جسم أسد، والثالث رأس إنسان على جسم أسد (رمزًا إلى الإلٰه “أبي الهول”)؛ ليزن التمثال 5 إلى 7 أطنان، بطول يصل ٣٬٧ أمتار. وعُرف “طريق الكباش” بأنه “طريق مَواكب الآلهة”للاحتفال على امتداده بأعياد، منها “عيد الأُوبِتْ” (موسم الفيضان)، و”عيد تتويج الفرعون” على رأس موكب عظيم من الكهنة وكبار رجال الدولة،قادم من “معبد الكرنك” حتى “معبد الأقصر”؛ وكان له قديمًا اسمان: “وَات نِثِرْ” (أي “طريق الرب”)، و”تا ميت رِهْنِتْ”(أي “طريق الكباش”).

ومع اكتشاف الطريق، كان لا بد من حلول لعدد كبير من مشكلات تُعيقإحياءه، ما يستدعي وجود إرادة قيادة تُدرك أهمية ما نملكه من تاريخ، وأبناء يعملون بكل طاقاتهم لرفعة بلادهم، وهٰذا شأن المِصريِّين كل عصر.وصدقت كلمات رجل السياسة والأعمال الإيطالي”سِلڤيو بِرلِسكُوني”، الذي رأس ثلاث حكومات إيطالية: “لا شيء جديدًا في «مِصر»؛ المِصريون يصنعون التاريخ كالمعتاد.”.

تهنئة قلبية خالصة: إلى الشعب المِصريّ الأصيل، وفخامة الرئيس “عبد الفتاح السيسي”؛بالإنجاز العظيم الذي كان حُلمًا سنوات طوالاً، وبالعرض المهيب لآثار “الأقصر”، وبافتتاح “طريق الكباش”بمايليق بـ”مِصر” أول دولة متحضرة في العالم؛ وإلى العالم الجليل الوزير أ. د. “خالد العناني” الذي رسم،بدقة وبمعرفة بانورامية وبكم متنوع من المعلومات، إطلالةً تاريخيةً بديعةً، تحدثت بعظمة “مصر” التي لطالما بَهَرت العالم على مر حِقَب التاريخ. وتحية تقدير وفخار إلى جميع المشاركين في تحقيق الحُلم: أثريين ومرمِّمين، عمالاً وإداريِّين، هيئات ومؤسسات. نعم، إنها “مِصر” التي تؤسس الحضارة الإنسانية وتصنع التاريخ منذ فجره بأبنائها المخلصين، “مِصر” التي عهِدتها الدنيا تتحدث عن نفسها بآثارها وأفعالها، بماضيها وحاضرها، بطموحاتها ومستقبلها، حتى إنها حركتشاعر نيلها العظيم”حافظ إبراهيم” لينظم:

وَقَفَ الْخَلْقُ يَنْظُرُونَ جَمِيـــــعًا           كَيْفَ أَبْنِي قَوَاعِدَ الْمَجْدِ وَحْدِي

وَبُنَاةُ الْأَهْرَامِ فِي سَالِفِ الدَّهْـر           كَفَوْنِي الْكَلَامَ عِنْدَ التَّحَــــدِّي

أَنَا تَاجُ الْعَلَاءِ فِي مَفْرَِقِ الشَّـرْقِ          وَدُرَّاتُــــــــــهُ فَرَائِـــــدُ عِقْـــــــــــدِي

أَيُّ شَيْءٍ فِي الْغَرْبِ قَدْ بَهَرَ النَّاسَ       جَمَالاً وَلَمْ يَكُنْ مِنْهُ عِنْــــــدِي

        و… والحديث في “مصر الحلوة” لا ينتهي!

 

الأُسقف العام رئيس المركز الثقافيّ القبطيّ الأُرثوذكسيّ

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى