الأخبار

التنقيب عن كنوز الفراعنة فى “قرية «البكارشة»”

db179124-2adf-4e24-b7dc-8bb649633421

مصطفى زكريا

3 مارس 2013 07:43 م

التجار لا يعرفون سوى «المال» ويؤكدون: الآثار «حق لنا ورزق من السماء»
خبراء الآثار يطلبون أموالا طائلة مقابل تقييم القطع الأثرية.. وتصل أحيانا إلى «النصب»
البحث عن الثراء السريع، بالتنقيب عن الآثار وبيعها، لم يعد فقط من اختصاص شبكة التجار المحترفين الذين يشكلون مافيا للاتجار فيها بطريقة غير مشروعة، ولم يعد كذلك منتشرا فقط فى الأماكن القريبة من المناطق الأثرية المعروفة، وأصبح البحث عن بقايا مادية من حضارة الأجداد، وبيعها حلما يداعب خيال الباحثين عن المال أو الهروب من الفقر، وهم كثيرون فى كل مكان، ولا يرون ذلك حراما، وقد أعدوا عدتهم للهروب أيضا من قبضة القانون، بعدما رأوا فى انفلات الأمن مناخا يهيئ لهم تحقيق أحلامهم.
 «الصباح» تخترق عالم التنقيب عن الآثار بالشرقية وتحديدا بقرية البكارشة النجيحى وهى من قرى مصر المهملة التى لا تعلم عنها الحكومة شيئا، فضلا عن أن غياب الأمن  هو واحد مما دفع بعض الأهالى إلى عمليات التنقيب أملا فى إيجاد ما ينقذهم من الفقر، لا سيما أن الحرفة الوحيدة التى يعملون بها هى الزراعة، وانتحلنا شخصية سماسرة، وكأننا نبحث عن قطع أثرية قيمة بغرض عرضها على مكتب بالجيزة لشرائها، وبالفعل تقابلنا مع الشخص المطلوب ويدعى جابر محمد (عامل زراعة فى قرية البكارشة النجيحى)، وساعدنا فى الوصول إلى مكان عمليات بيع الآثار.
يقول جابر: حال البلد هنا لا يسر عدوا ولا حبيبا، فلا توجد مهن إلا الزراعة، والطرق منهارة، ولا يوجد إلا وحدة صحية واحدة وبإمكانيات ضعيفة، ونعانى الأمرين حال مرض أى شخص من أبناء القرية، مما يضطرنا إلى التوجه لمركز الحسينية لعلاجه، وهى مسافة طويلة قد لا يتحملها المريض.
وعند وصولنا إلى منزل بائع الآثار، دخل رجلان تبين أنهما شقيقان، كانا عظام البنية، ذوى بشرة سمراء، ثيابهما متسخة بالطين، وسألا عن حال السمسار الذى جئت من طرفه فأجبت: إنه يبلغكم السلام ويطلب منكم إنجاز طلبه، صافحانى وقال الأول اسمى «عادل .ح»، وأخى «جمال .ح»، وعرفتهما بنفسى على أنى سمسار قادم من مكتب فى الجيزة لشراء الآثار الفرعونية والمشغولات الذهبية القديمة، وأن المكتب يشترى مقابر فرعونية شريطة ألا تكون قد فتحت من قبل.
ودار النقاش بينى وبين الأخ الأكبر «عادل ح»، بينما خرج الآخر لإحضار الشاى لنا، وحكى لى عن الأسعار التى يقدمها المكتب، خاصة أنه لم يعمل فى هذه التجارة من قبل، وأن هذه هى المرة الأولى التى ينقب فيها عن الآثار، فأجبته أننا لا نتطرق إلى الأسعار حتى التأكد من جودة الآثار وكونها أصلية أم مقلدة، وذلك بعد عرضها على الخبير.
ويسأل عادل، وما شرط الخبير؟، فمن المعروف أن الخبير يتقاضى أموالا من صاحب الآثار مقابل حكمه عليها إذا كانت أصلية أم لا، كما أنه يحدد ثمنها.
عجز لسانى عن الكلام حينها، وأكدت أن خبرتى ما زالت محدودة فى الكار، وأنى لا أفقه كثيرا فى حركة السوق، ولا تزال هناك أشياء مجهولة بالنسبة لى.
وإذ بأخيه عادل يهمس إليه قائلا: «الشيخ شاف الباب بس الجن سحبها لتحت خمسة متر ولازم نسرع شوية»، وأدركت أن التنقيب يتم داخل المنزل ولكن فى مكان غير مرئى للزائرين، وسألت عادل عن الطلب الذى كلفنى به السمسار، فقال لى: «إنت لسه سامع بودنك الجن مغلبنا وعمال يسحب الباب كل شوية وكلفنا فلوس كتير لحد دلوقتى».
واستأذن للخروج تاركا معى شقيقه جمال وسألته عن هذا الباب وماذا يحتوى بداخله فأجاب «هذه أمور خاصة بناس تانية».
وطلب منى الاستعداد حتى ننطلق إلى مكان الآثار، لأنها ليست فى المنزل، وركبنا الدراجة البخارية، وتوجهنا إلى منزل تابع لهما أيضا يبعد ما يقرب من 3كم، وتم تصوير قطعة من الآثار على شكل أبوالهول، ورفض جمال الوجود داخل الغرفة التى بها التمثال خوفا من الظهور فى الفيديو، وعندما حاولت التحدث معه أثناء التصوير رفض الكلام وقال لى: «مفيش كلام بيطلع مع التصوير لمجرد الاحتياط»، وبعد الانتهاء من التصوير سألته عن قطع أخرى، فأجاب «نشوف تعاملاتك الأول وبعدين نتكلم فى حاجات أكبر»، وعن نوع التمثال قال «هو نوعية نادرة جدا لأنه من الخشب الأحمر ومفرغ من الداخل وهذا يرفع من سعره».
وطلب منى أن أسرع فى الرد لأن هناك آخرين يرغبون فى تلك القطعة، وكانت المعلومات منقوصة لا تفيد بأماكن التسليم والأسعار أو وجهة نظره فى هذه التجارة.
ويضيف «جابر» وهو الشخص الذى ساعدنى الوصول إلى المكان للمرة الأولى: أولا تجارة الآثار ليست حراما، فهى ملك لك ولك الحق فى التصرف بها، ولا سيما أنك تجدها «تحت بيتك» فليس عيبا أن تبيعها مادمت لم تسرقها.
ويتابع جابر: «السرقة هى اللى حرام وكمان دا رزق ربنا بعتهولنا»، أما عن مسألة التنقيب فيتم الاتفاق بين صاحب الأرض والعمال على مقاسمة نسبة من الآثار، تفاديا لأى محاولة من العمال لكشف سر صاحب الأرض أو تقديم بلاغ ضده، كذلك يتم الاتفاق معهم على أجر يومى خلال عملية التنقيب، وعادة يختار صاحب الأرض عمالا من أهل البيت أو العائلة أو الأصحاب المقربين؛ نظرا لحساسية الأمر، ويفتح أحد الشيوخ باب المقبرة للمساعدة على حماية الجن للآثار، كما يعتقد أهل القرية، وحينئذ لا يجرؤ أحد على فتحها إلا بمشاركة الشيخ، حتى لا تحل لعنة الفراعنة.
ويتابع جابر: الأسعار وهمية تتراوح ما بين مليون دولار وملايين الدولارات، ويتم التسليم على الطريق الصحراوى بعيدا عن الأماكن السكنية، ولو لزم الأمر التسليم فى منطقة سكنية، «فإننا نقطع النور عن المنطقة بالكامل» ولكن هذا لا يحدث كثيرا، ويجب على كل طرف تأمين نفسه بالسلاح والرجال، فضلا عن التأكد من أن الأوراق النقدية سليمة «غير مزورة».
ويضيف: المشترى يصطحب معه الخبير الذى يتأكد بدوره من سلامة الآثار، كما يقف أطفال على الطريق للمراقبة، «الكار ده مافيا»، فأحيانا يتنكر شركاء المشترين فى ملابس ضباط شرطة، ويستولون على الأموال ثم يلوذون بالفرار، وهذه المواقف تكررت مع أشخاص عديدة.
ويقول جابر: أكثر شخص «متعب» فى المهنة هو الخبير، الذى يطلب أموالا طائلة من صاحب المكان قبل المجىء إليه حتى يتأكد من مدى سلامة الآثار، ويكون صاحب المكان قد أنفق الكثير فى عمليات الحفر، والخبير يطلب «عشرة آلاف جنيه» على الأقل لمجرد التحرك من مكانه، والمشكلة أن معظمهم نصابون، ولا ينتهى الأمر بمجرد مجيئه والحصول على حقه بل تبدأ المعاناة معه بعد ذلك عند تقييم الآثار، وتأكد أنه لن يرضيك وسيقيمها على أنها مضروبة، وفى حالة سلامتها، يسترد صاحب الآثار أمواله بعد ذلك.
ويضيف: هناك سفارات دول أجنبية تشترى المقبرة بكل ما فيها، شريطة ألا يكون قد تم فتحها، ويتم بعد ذلك إبلاغ الحكومة المصرية أن هناك بعثة أجنبية عثرت على مقبرة، فتشترى الآثار من الحكومة بغرض الانتفاع بها، ووضعها فى المعارض الأوروبية، على أن تعود من جديد بعد عدة أعوام، وخلالها تستفيد الدولة الأخرى وتستفيد الحكومة بثمن البيع.
ويقول: تمت عملية لتهريب الآثار فى «صان الحجر» منذ شهرين، وكانت من العمليات النظيفة وهذا لا يتكرر كثيرا، حيث حصل كل شخص على حقه عن تراض تام.
ويكمل: الحكومة تعلم تماما أن «البكارشة» و«صان الحجر» من أفقر القرى فى المحافظة، وإن ظهر الثراء بشكل مفاجئ على أى شخص فينا، الحكومة لن تتركه بالتأكيد؛ لذلك نحرص على عدم لفت الأنظار، والحفاظ على مظهر فقير ومتقشف، لاسيما أن «كلام القرية كتير»، وهذا حال العديد من سكان قريتنا، فتجد فى حوزتهم ملايين الجنيهات، ولكن حين تراه قد تشفق عليه، وتخرج ما فى جيبك من أجل مساعدته.
وبعد اتنهاء جابر من حديثه، جاء جمال.ح ليخبرنى أن مهمته معى انتهت، وأنه مضطر إلى الذهاب لشقيقه، وطلب توصيلى خارج القرية والإسراع فى الرد.وبدأت رحلة العودة، وأثناء ركوبنا الدراجة البخارية سألت جابر عن عادل وجمال، وما إذا كانا قد باعا قطعا أثرية من قبل أم أنها هى المرة الأولى، فأوضح: لا أعرف عنهما شيئا فهما فى غاية  الكتمان ولا يتحدثان كثيرا على الرغم من عملى معهما منذ 5 أشهر.
وبدا واضحا أنه لا يريد الإفصاح عن أى تفاصيل حول الشقيقين، وأوضح السمسار الذى ساعدنا فى وصولنا إلى القرية، أنهما من أكبر المنقبين عن الآثار فى قرية «البكارشة»، و«صان الحجر»، إلا أنهما مزارعان.
وأثناء العودة لم يتحدث جابر بكلمة واحدة، خاصة عند وصولنا لشارع مكتظ بالأشخاص والزحام فى أرجائه، فكان حريصا على السرية، وعدم النطق بأى كلمة عن الآثار، فمثل «الحيطان لها ودان» ينطبق على كل ركن فى القرية.
خبراء: المنقبون لن يجدوا شيئا
قال أحمد سمير، خبير الآثار المصرية والمرشد السياحى: إن عمليات التنقيب التى تمت بالشرقية لم تصل إلى نتائج حتى الآن؛ لأن نوعية آثار المحافظة حجرية ممثلة فى مسلات وأعمدة حجرية، ولم يعثر حتى الآن بشكل رسمى على آثار ذهبية مثل الموجودة فى منطقة الصعيد، حيث إن الفيضانات التى وقعت فى مصر قبل آلاف السنين أدت لاندثار الآثار الفرعونية التى ترجع إلى عهد أسرة رمسيس الثانى، خاصة أن المقابر الفرعونية التى تحتوى على آثار ذهبية اختفت أسفل الأراضى الزراعية.
وأضاف إن عمليات التنقيب العشوائى من قبل الأهالى عن الآثار بدأت قبل فترة إلا أنهم لم يعثرو على شىء؛ لأن عمليات التنقيب التى ينفذونها تفتقد للأسلوب العلمى.
وأوضح إن «صان الحجر» التابعة لمركز الحسينية والقريبة من «البكارشة»، لقبها الفراعنة بـ«تانيس»، وكانت عاصمة لمصر فى عهد الأسرة الـحادية والعشرين، وتشهد آثارها الضخمة على مدى ازدهارها ونتيجة لأهميتها فقد قام الملك رمسيس الثانى بنقل ما استطاع نقله من آثار وتماثيل حجرية ضخمة ليتخذ منها عاصمة له، ويرجح أنها كانت عاصمة لأكبر إمبراطورية فى الشرق القديم، ونتيجة لأهميتها الأثرية، فالتنقيب كثيرا ما يحدث هناك لكن بشكل عشوائى.
وأكد مجدى إسماعيل، عميد سابق بمباحث الآثار، إن عدد حالات التنقيب عن الآثار فى المنطقة زادت بعد ثورة 25يناير، خاصة بعد اختفاء رجال الشرطة من الشارع، وحالة الانفلات الأمنى، مضيفا إن عدد حالات التنقيب وصلت إلى 5697حالة، وفقا لبيانات وزارة الداخلية، وهو ما يزيد 100 مرة عن  العام السابق، كما ارتفعت عدد الجرائم ذات الصلة بالاتجار والتنقيب عن الآثار، حيث وصلت حالات المتاجرة بالآثار إلى 1467 و130 حالة تهريب إلى الخارج، إضافة إلى أكثر من 35 قتيلا نتيجة عمليات التنقيب عن الآثار، انهارت الأنفاق فوق رؤوسهم، كما دفن 10أشخاص أحياء داخل مقبرة بنجع حمادى، بخلاف كثيرين لقوا حتفهم بسبب الخلافات على حصتهم فى بيع الآثار.
وتابع «إسماعيل» إن المجرمين أصبحوا أكثر جرأة عن ما قبل الثورة، حتى إن بعض العصابات تقوم بالتنقيب فى مناطق سكنية أمام أعين الجميع، إلا أن غالبيتهم لا يكتشف إلا الطمى لأن التنقيب عن الآثار له آلياته وأدواته التى تعتمد عليها الدولة، كما أن التشريعات الخاصة بالآثار مرنة ومطاطة وعلى البرلمان القادم أن يضع التشريعات اللازمة لمنع الاتجار بالآثار وتغليظ العقوبة على المنقبين عن الآثار للحد من انتشار المتاجرة والتنقيب عنها، خاصة أن الأمر أصبح يهدد الأمن القومى؛ لأن هوية البلاد أصبحت تباع فى مزادات أوروبا، مطالبا بتشديد العقوبة للإعدام.
وأكد الشيخ عماد المعداوى، أن مسالة تجارة الآثار والتماثيل التى تصور الأشخاص وكل ما فيه روح فهو «محرم وباطل لا يجوز»، كما أن فيه ضرر دنيوى لتعريض صاحبه للحبس القانونى.
أما غير التماثيل أو الذهب إذا لم تبع على أنها تماثيل ففيها الخمس يصرف فى مصارف الفىء؛ لقول النبى -صلى الله عليه وسلم-: (وَفِى الرِّكَازِ الْخُمُسُ) متفق عليه، والركاز دفن الجاهلية، وهذا لمن وجده.
وشدد على حرمانية استخدام السحر والجن والشعوذة فى البحث عن الآثار؛ إعمالا لقول النبى «مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَىْءٍ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاَةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» رواه مسلم.
الصباح

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى