الأخبار

السكر والأرز.. «يد التجار» أعلى من «يد الوزير»

كانت الآمال فى استقرار الجبهة الداخلية والسيطرة على حركة الأسواق فى هذا المنعطف الصعب الذى يمر به الاقتصاد معقودة بشدة على وزير التموين محمد على مصيلحى الذى تولى الحقيبة الوزارية قبل أربعة أشهر فقط إذ توقع الجميع أن إدارته ستضع حدا رادعا أمام التجار.

كانت الدولة تحتاج فى هذا التوقيت لجراحة عاجلة ترفع عن كاهلها ثقل منظومة الدعم، لكن مع الأسف تفاقمت الأزمة تلو الأخرى، واختفت السلع الأساسية بسبب سياسة اليد المرتعشة التى حكمت الوزارة فى هذه الشهور الأربع.

وبدلا من أن تضع الوزارة خطة واضحة للسيطرة على الاحتكارات بالأسواق، شهدت مجموعة من السلع الأساسية أهمها السكر والأرز أشد وأعنف الأزمات التى واجهتها فى عقود، إذ ارتفع سعر الأرز لما يعادل 200% عن سعره قبل شهرين فقط، ورغم أنه متوفر نسبيا فى السوق خارج منظومة التموين والدعم، ولكن الزيادة الكبيرة فى سعره تسببت فى تراجع إقبال المواطنين عليه.

أما السكر فهو السلعة التى تحولت لحديث الشارع، إذ اختفى تماما من الأسواق الحرة والمجمعات الاستهلاكية ومنظومة الدعم، وارتفع سعره إلى حوالى 14 جنيها فى المحال العادية، مقارنة بسعر أقل من 5 جنيه للكيلو أى بنسبة زيادة 250% فى أقل من ثلاثة شهور.

هذه الزيادات دفعت وشجعت التجار على مزيد من المضاربة، وتخزين السلع خصوصا مع تسريبات رفع أسعار هذه السلع بشكل رسمى داخل منظومة الدعم قبل صدور القرارات بها، وفى الوقت الذى أطلق الوزير محمد على، عدداً من التصريحات عن اقتراب حل أزمة السكر، ازداد الأمر تعقيدا، فمع كل تصريح كانت زيادة جديدة تهبط على المحال والبقالات، ومع كل خطوة تتخذها الحكومة لمصادرة كميات السكر من مصانع الحلوى، كانت الصورة تزداد غموضا وتعقيدا، فمن جهة تحولت قرارات المصادرة لتهديد يدفع بالتجار لإخفاء السلع فى مخازن سرية، وعدم الإفراج عنها ولو بضعف سعرها، ومن جهة أخرى بدأت خطوط الإنتاج فى المصانع الكبرى تتوقف واحدة تلو الأخرى، حتى أن بعض الشركات العالمية هددت بوقف خطوط إنتاجها فى مصر.

مع هذا التفاقم الخطر لم يعد أمام الوزارة إلا خطة بديلة لم تكن موفقة أيضا، فطالبت الوزارة مجلس الوزراء بقرار تخفيض 30% من الجمارك على استيراد الأرز والسكر، بهدف ضبط سعر السوق وتوفير الكميات المطلوبة ليصبح هناك مخزون استراتيجى لـ6 أشهر، وبدلاً من مواجهة حاسمة مع تلاعبات التجار، ودعم المصانع الوطنية وحل مشكلاتها المتفاقمة، شاب أداء الوزارة الضعف والعجز عن تحقيق الهدف الأهم وهو ضبط السوق واستقرار أسعار السلع الأساسية، وتحول قرار الوزارة بتخفيض الجمارك إلى قرينة جديدة تؤكد للمحتكرين وللمستهلكين أن مخازن الوزارة خالية وأنها لا تملك ما يغطى احتياجات السوق لستة أشهر متواصلة.

والمثير للدهشة حقا أن أزمتى السكر والأرز، تباينت حدتهما فى الأقاليم، ففى الوقت الذى تحولت ساحات بيعها إلى معركة سقط فيها ضحايا، فى محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية، وهى محافظات تضم حوالى 50% من الكثافة السكانية لمصر، لم تشهد بعض المحافظات أى أزمات فى هاتين السلعتين مطلقا، وهو مؤشر على أن الأزمة فى جزء كبير منها ناتجة عن تلاعب واحتكارات فى أسواق هذه المحافظات، وأنه تم تخزين هذه السلع بكثافة كان بهدف إجبار الدولة على رفع سعرها بالأساس.

ونتجت أزمة السكر بسبب عجز يقدر بحوالى مليون طن سكر، من أصل 3 مليون طن هى إجمالى الاستهلاك السنوى من السكر، وهو ما يعنى أن المصانع المحلية وعمليات تكرير السكر الخام المستورد قادرة على توفير ثلثى احتياج السوق، فيما يتبقى ثلث تحتاج مصر إلى استيراده من الخارج، وبقراءة بسيطة نستطيع تخمين أن غياب السكر عن المحافظات الثلاث الكبيرة التى تضم حوالى 50% من الكثافة السكانية، يعنى أن المطروح فى هذه الأسواق أقل حتى مما تنتجه المصانع المحلية.

وعلى الرغم من ضبطيات مباحث التموين المتكررة، ومحاولات الوزارة تصدير صورة أنها ستضرب بيد من حديد، غابت عن خطة الوزارة حلول مثل إجبار المصانع على وضع تسعيرة ثابتة على السلع الأساسية وخصوصا الحكومية منها، بالإضافة لحملة توعية للمواطنين والتواصل معهم لاكتشاف المخالفات لهذه التسعيرات، ربما خوفا من اتهام الوزير بالتدخل المباشر فى الأسواق!

بل إن هذا الضعف العام فى أداء الوزارة تسرب لكثير من تصريحات الوزير خصوصا فى مواجهة كبار المتلاعبين فى الأسواق، منها على سبيل المثال تأكيده “طرح مناقصة لتوريد الأرز وتقدم لها 45 موردا، قدموا أسعارا لا تتناسب مع المواطن” هو تصريح يدل على أن التلاعب فى السوق أصبح مكشوفا وفى أسوأ مراحله.

ورغم أن الأرز المستورد معفى من الجمارك منذ عام تقريبا، إلا أنه هو الآخر شهد زيادة مفاجئة فى السعر وبدا أنه هو الآخر فى طريقه للاختفاء على طريقة السكر، وكان رد الوزارة الوحيد هو إصدار قرار بمنع تصديره، وهو قرار ساعد على توفير الأرز فى الأسواق نسبيا لكنه لم يسيطر على أسعاره.

مبتدا

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى