الأخبار

نسف النظام بدلا من اصلاحه للخروج من هزيمة النكسة «5»

99

 

 

 

«دهم إحساسى بالهزيمة نفسى، بحيث استغرق شعورى، فكنت أعيش الهزيمة فى يقظتى ومنامى.. وكنت فى كل يوم أتكشف أبعادها، فيتمزق صدرى، ولكننى لا أعرف ماذا أفعل».

كان ذلك هو حال السادات عقب هزيمة يونيو. «ومما كان يزيد فى ذهولى وتمزق نفسى، ما كنت أشاهده يوميا من جماهير الشعب وقد امتلأت بها اللوريات قادمة من مديرية التحرير، وهى تسد شارع الهرم الواسع العريض.. والجميع يهتفون ويهللون ويرقصون فرحا بالنصر المزعوم الذى تذيعه عليهم أجهزة الإعلام ساعة بعد ساعة».

تلك الحالة من اليأس والاستغراق فى ذهول الهزيمة، لم يستسلم لها السادات كثيرا، فالسادات حسب ما ورد فى مذكراته المعلنة، اعتكف فى منزله نحو ثلاثة أسابيع: «حبست نفسى فى بيتى ثلاثة أسابيع كاملة، عشتها فى عزله تامة عن الناس».

ولم يكتف خلال هذه الفترة بالتأمل، إنما راح يرسم خريطة «الخروج من النكسة»، ليخط بيده «خطتين ــ طويلة وقصيرة»، حوتها جنبات «نوتة خضراء»، حفظها السادات بين مقتنياته، مدونا فيها يوميات وخواطر ومشروعات خطب ومقالات.

خطتا السادات الواردتان فى 5 صفحات، يستهلها بعبارة «الهدف.. الرئيس، الوزراء، القوات المسلحة، والشعب»، ويقول الرئيس الراحل فى تدوينته:

السادات يكتب روشتة «عبور الهزيمة»

•على جمال عبدالناصر أن يلغى الاتحاد الاشتراكى ومجلس الأمة وينسف النظام

•الاستعانة بالشعب على رأس الأولويات.. ولابد من توفير « الفول والفاصوليا»

•لابد أن نضع أسسـًا صريحة وواضحة للتعاون مع السوفييت.. حتى لو وصل الأمر إلى منحهم قواعد فى مصر

أرى أن نأخذ بالأسلوب الروسى، أى أن تبدأ الدراسة العسكرية فى سن مبكرة جدا، حيث تتكون أحلام الفتى.. العدو سواء أمريكا أو إنجلترا أو إسرائيل، باق أمامنا فى المستقبل، فلابد أن يكون الجيش على أعلى درجة من الوعى، الذى يغرس فى وقت مبكر، سواء كان عسكريا أو مدنيا، لنوجد المقاتل المحترف الشرس.

أرى الاستعانة بالاتحاد السوفييتى بالتدرج، أو حسبما تقتضى الظروف الدولية، ولكننى أصر أن نضع أسسا صريحة وواضحة، حتى لو وصل الأمر إلى إعطاء قواعد له، ولكننى أفضل اندماجا من غير قواعد بين قواتنا وقواته، بمعنى أنه فى حالة حدوث معارك، لابد أن نكون فى الوضع الذى يكون فيه ضمن قواتنا المسلحة، المدرعة والطيران وأفراد سوفييت، أما الخطط، فإننى أصر على أن تكون مشتركة، أيا كانت صلاتنا، حتى نستفيد من التقدم التكنولوجى الذى يجعلنا فى الصورة الحقيقية.

المؤكد أن إسرائيل تحصل على كل ما تريد من معلومات، عن طريق أمريكا وطائراتها للتجسس، ووسائل التكنولوجيا الحديثة لديها.

الوضع الداخلى

أرى أن تستغل التعبئة الشعبية التى لم تصل إلى مثلها فى يوم من الأيام، حتى فى أوج انتصاراتنا والتى بلغت القمة فى السبع عشرة ساعة التى أنقضت بين إعلان الرئيس تنحيه ثم عودته.

العوامل الموجودة قبل النكسة

1 ــ الدولة مفككة وقائمة على شلل من أعلى المستويات إلى أدناها.

2 ــ الاتحاد الاشتراكى عامل انقسام وصراع، بدلا من أن يكون عامل تجمع، وكل عمله أصبح مكتبيا.

3 ــ مجلس الأمة أيضا فى صراع رهيب مع الاتحاد الاشتراكى، ويسبب أيضا انقساما، بدلا من أن يجمع، لأن لكل عضو معركة مع الاتحاد من ناحية، ومع منافسه من ناحية أخرى.

4 ــ الحكومة والوزراء، منعزلة تماما عن الشعب والقوانين والبيروقراطية تقتل الناس.

5 ــ الصراع قائم بين فروع الدولة الرئيسية، وهى الحكومة ومجلس الأمة والاتحاد الاشتراكى على صور مختلفة.

وثبت من أحداث (السبع عشرة ساعة) أن الثلاثة أجهزة الرئيسية معزولة عن الشعب ولا تعرف حقيقته، لأن الصورة التى كانت موجودة هى أن العمال متفرقون، والفلاحين متذمرون، والموظفين وكل الشعب فى الوقت الذى خرج فيه العمال والفلاحون وصغار الموظفين وكل الشعب فى صلابة رهيبة، يتحدى العدوان، ويتحدى التسليم، ويطالب بكل إيمانه، وبإصرار، بالتضحية أيا كانت وراء الرئيس فى الوقت الذى كنا فيه فى أحلك ساعات الهزيمة.

نخرج من هذا العرض السريع بأنه لابد من إعادة التنظيم فورا، وقبل أن يفتر حماس الشعب وتبدأ التساؤلات والشائعات، وقد بدأت فعلا.

وأرى أن يبنى الحل على النقاط الآتية:

1ــ لابد من تحديد عدو الشعب لكى تظل الجماهير معبأة، وفى كل العالم لا تعبأ الشعوب إلا ضد عدو خارجى، حتى فى أمريكا التى تفعل حكومتها ما تريد تحت اسم مقاومة الشيوعية.. عدونا بصراحة يحدد أمريكا وبريطانيا وعميلتهما إسرائيل.

كل أجهزة الدعاية وكل الأعمال الأدبية والفن وكل شىء، لابد أن يتجه فى حملة مركزة، وليست هيستيرية، أى تقوم على حقائق التاريخ، من الحروب الصليبية، إلى حملة فريزر فى القرن الثامن عشر، إلى ما حدث فى القرن التاسع عشر كله، حتى ثورة 52 وما بعدها، والعدوان الثلاثى الأول، والعدوان الثلاثى الثانى.

ملايين الحقائق وملايين التفاصيل وملايين الوقائع والاستنتاجات ممكن أن تعمل فيها أجهزتنا عشرات السنين.

2 ــ لابد أن نبدأ فورا وفى نفس الوقت بإنهاء حالة التفكك والصراع بين أجهزة الدولة الرئيسية ــ الحكومة والمجلس والاتحاد ــ وبصورة صارمة ــ ورأيى فى ذلك ألا فائدة على الإطلاق من محاولة الإصلاح على الأوضاع الموجودة، وإنما يجب أن ينشأ وضع جديد، تذوب فيه الأجهزة الثلاثة لتكون جهازا واحدا، بمعنى أن يغير اسم المقاومة الشعبية، إلى أى اسم آخر، كالأمن القومى أو حماية الثورة الشعبية أو الدفاع الشعبى، ويتولاها الرئيس بنفسه، وتنصهر فيها الأجهزة الثلاثة على الوجه التالى:

أ ــ لجنة عليا برئاسة الرئيس، تتفرع إلى لجان فرعية للدفاع والقوات المسلحة والانتاج الزراعى والصناعى والتموين والمقاومة الشعبية.

ب ــ لجنة لكل محافظة برئاسة المحافظ، تتكون من جميع رؤساء الفروع الحكومية، وجميع اعضاء مجلس الأمة وممثلين من الشباب والعمال والفلاحين، ولها مكتب دائم من خمسة برئاسة المحافظ، وتنقسم أيضا إلى لجان فرعية مشابهة للجنة العليا وتتلقى التوجيهات، وتطبق حسب حالة كل اقليم، على أن يعطى للجان الإقليمية سلطة مطلقة فى حدود توجيهات اللجنة العليا، على كل شىء ، حكومى أو اتحاد اشتراكى أو نواب أو زراعة أو صناعة أو أى نشاط، ستكون هذه اللجنة فى كل اقليم هى برلمان مصغر، ومكتب اللجنة المكون من خمسة أعضاء هو السلطة التنفيذية المطلقة التصرف.

يستتبع هذا تغيير أى محافظ لا يكون على مستوى المسئولية، ولابد أن يكون جميع المحافظين من الضباط المخلصين.

ج ــ يشكل فى المصانع الكبرى والوحدات الجماهيرية، هذه اللجان فورا، ويلغى عمل الاتحاد، والنقابة، وأى نشاطات غيرها، ولابد أن يشترك العمال بنصيب الأسد فى هذه اللجان، لأن «السبع عشرة ساعة» كان أساسها العمال، وليس كما كان يقال.

د ــ ممكن بالتدريج وصول هذه اللجان إلى القرية وما هو فى مستواها.

كلمة يجب أن تقال:

الذى خرج فى «السبع عشرة ساعة» التاريخية، هم العمال والطلبة وصغار المواطنين من بوابين وصناع وشباب، من كل الأنواع. لذلك أقترح أن يعمل لهم شىء فى إعادة التنظيم.

3 ــ اقترح البدء فورا بإعادة التنظيم على ضوء معركة «السبع عشرة ساعة» والذين أثبتوا أنهم هم المنتفعون ففى الحكومة مثلا صف طويل من كبار الموظفين، وفى الشركات الضباط والمنتفعون، وفى الاتحاد الاشتراكى والأمانة العامة كلها.. إلخ.

4 ــ اقترح اتخاذ اجراءات تموينية، وإعلان أن الاستهلاك يجب أن يوفر ثلثه، وهذا انسب وقت للحد من الإسراف فى الاستهلاك، مع توفير الأكل الشعبى (فول وفاصوليا).

5 ــ حديث من الرئيس.. أطلب من الشعب ان يتحد فى هذه اللحظات الحرجة… اتصال دائم بالشعب.

كشف حساب.. عامان على الهزيمة

5 يونيو 1969 القناطر الخيرية

اليوم تمر سنتان على الهزيمة..

واليوم لابد أن نحمد الله ملء السماوات والأرض.. من يومين وصلت الطائرات الجديدة (أول دفعة). والأسلحة والصواريخ، وقواتنا على الخط تردع العدو منذ فبراير الماضى، يوميا.. والعدو ينزف فى رأس العش.

وعلاقتنا مع الاتحاد السوفييتى رائعة وتتطور إلى فهم كامل برغم صعوبة طريقتهم وظروفهم فى المعسكر الشرقى (اليوم ينعقد فى موسكو أيضا المؤتمر الشيوعى الكبير، لحوالى 70 حزبا شيوعيا، وهو ما كانت تعمل له موسكو منذ خلافها مع الصين من سنوات).

تحركاتنا فى قطاعات الشعب والاتحاد الاشتراكى أكثر، من اجل المعركة، وإلى الآن التقيت بأساتذة أربع جامعات، وهى عين شمس، والإسكندرية، والمنيا، وأسيوط..

إسرائيل تعانى بعد سنتين ازمة العمر، وتصريحات قادتها عصبية نتيجة خيبة الأمل.. ومحاولاتهم للاتصال بنا عن طريق رومانيا التى تحفظت من اللقاء معهم، إلا فى روما وليس فى رومانيا، بعد أن كانت سافرة فى تأييدها لهم.

ميزانيتنا عادت إلى أقوى مما كانت قبل العدوان، وحوالى 400 مليون جنيه استثمار، بعد وقفة زكريا محيى الدين التى كادت تخرب الاقتصاد.

أمريكا لا تزال تنفذ سياسة جونسون، وموقفها مخز ومعاد بسفالة.. ونحن والحمد لله نتقدم ببطء ولكن على أرض ثابتة..

اسطورة قوة إسرائيل التى لا تقهر انتهت بعد الروعة فى القتال والفدائيين.

وكان آخر فشل وخيبة، هى عملية نجع حمادى وادفو الثانية.

إننا نبدأ اليوم العام الثالث، عام التحرير والمعركة بإذن الله..

والحمد لله جمال فى أحسن صحة وأروع معنويات..

وشعبنا جاهز وشغوف ببدء المعركة..

وثورة السودان كانت علامة من السماء..

وقواتنا المسلحة تمضى فى طريق لبدء المعركة..

ومن يدرى ما يأتى به الله فى الشهور المقبلة. وهو خير على وجه التأكيد.. لقد انتهت أيام المرارة والذهول، ونحن نعمل على الأرض من أرض ثابتة.. والله معنا فى معركتنا.

أحداث العام الثانى:

ــ حوادث الطلبة فى 5 نوفمبر 68 فى المنصورة، ثم الإسكندرية، واجتماع المؤتمر القومى، وانتهاء المشكلة.

ـ الاربعة الكبار مجتمعون منذ نوفمبر بلا نتيجة

ـ محادثات امريكا وروسيا بلا نتيجة، وموقف أمريكا لم يتغير، بل تحاول جر روسيا معها بدون أى نتيجة.

ـ موعد المعركة على وشك أن يحدد.

أصابت النكسة السادات بـ«حمى تدوينات» سجل خلالها يوميات الاستعداد لما بعد الهزيمة

 

تغريدات من زمن فات

الأحد 16 فبراير 1969

● وجاء عام 1969.. عام جديد..

لم أستطع أن أجلس لأكتب إلا اليوم لاستقبال العام الجديد والحمد لله كان العام الماضى بكل ما مضى من قسوة وآلام وأحداث عام الإنجاز ومواجهة رد فعل النكسة بكل أبعاده.

● ففى فبراير 68 كانت أحكام الطيران وحركة الطلبة وما حدث من محاولة استغلالها.

● ثم كان بيان 30 مارس وما فيه من إعادة البناء.

● وكان الاستفتاء فى 2 مايو أبلغ تعبئة عندما خرج الشعب كله يقول نعم.

ـ وخروج زكريا باستقالته وموقفه المشين قبل ذلك.

● ومن خلال هذا كله وفوقه مرض جمال وتطوراته.

● وزيارتنا لموسكو فى 4 يوليو 68 ومحادثاتنا هناك.

● وسافر الرئيس إلى الاتحاد السوفييتى للعلاج فى أواخر يوليو 26 ـ17 أغسطس.

ـ وإعادة بناء الاتحاد الاشتراكى وانعقاد المؤتمر القومى فى 23 يوليو ثم فى سبتمبر وانسحاب اللجنة المركزية العليا وما حدث فى الأخيرة.

● وحل مجلس الأمة فى نوفمبر 1968.

● وأخيرا تدعيم قواتنا المسلحة ومعركتى المدافع ومعركة الطيران ثم رد اليهود فى نجع حمادى.

الحلقة الأولى

«السادات» يعلن استقلاله في وثيقة «كراسة الزنزانة 54» (1)

الحلقة الثانية

مذكرات «السادات»: انتحار عبدالحكيم عامر أشجع وأنجح قرار اتخذه في حياته (2)

الحلقة الثالثة

عن الحقد والشماتة.. السادات في مذكراته: عزيزتي أمريكا.. «نقبك على شونة» (3)

الحلقة الرابعة

السادات في مذكراته «4»: عبد الناصر..كثير من الحب والإشفاق.. قليل من النسيان

الشروق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى