الأخبار

أميركا قد تضطر إلى خطة تقشف

 

واشنطن – محمد خالد

ظهرت في واشنطن، بعد أكثر من سنتين من الخلافات الحزبية الإيديولوجية المستعصية التي أصابت السلطتين التنفيذية والتشريعية بشلل تام اعتبره مراقبون مكلفاً اقتصادياً ومهيناً سياسياً، معالم رئيسة لطريق يؤمل أن تجنب الاقتصاد العالمي الهش أخطار السقوط الوشيك لأكبر لاعبيه في «الهاوية المالية» الأميركية التي ليست عملياً سوى أضخم حالات التقشف في الاقتصادات المتقدمة والصاعدة على حد سواء.

وتصطدم مخاوف الاقتصاد العالمي إزاء التقشف الأميركي بحقائق تضعها على نقيض صارخ مع المصالح الدولية، فموازنة الولايات المتحدة تعاني عجزاً مدمراً تجاوز حاجز الترليون دولار في السنة المالية 2012 وللسنة الرابعة على التوالي، مضاعفاً الدين الأميركي الإجمالي إلى أكثر من 16 تريليون دولار، ويشمل هذا الرقم نحو ستة ترليونات دولار من استثمارات عشرات الدول المهمة، أبرزها الصين واليابان والسعودية، في سندات الخزانة الأميركية. وفعلياً، لم يعد في واشنطن والأوساط المعنية بالشأن الأميركي المالي والاقتصادي سوى قلة ينكرون حقيقة أن الولايات المتحدة لا تملك خياراً سوى أن تخوض تجربة تقشفية جدية وحاسمة، إن لم يكن بدافع الحرص على مصالح المستثمر العالمي الذي ناهزت قيمة الأصول الاستثمارية والمالية الأميركية التي يمتلكها نهاية العام الماضي 25 تريليون دولار، فأقله بدافع تجنب مصير دولة منكوبة مثل اليونان.

واللافت أن مصير اليونان ساهم في المقابل في دفع الساسة والاقتصاديين الأميركيين إلى الإقرار بخطورة التقشف المالي على الاقتصاد الأميركي حالياً وعلى انتعاشه المتعثر والاعتراف بأخطاره على الاقتصاد العالمي، ولكن على النقيض من دول متقدمة وصاعدة أصرت على ركوب موجة التقشف على رغم آثاره الاقتصادية الخطيرة، لم يكن هذا الإقرار الأميركي محرجاً أو صعباً، إذ بررته قناعة أكيدة بأن المستثمر في عالم مملوء بالأخطار لا يملك إلا أن يثق باقتصاد الولايات المتحدة ويتحمس لتمويل عجوزاتها مهما انخفض العائد.

ولا أحد أكثر دراية بخيارات المستثمر العالمي من رئيس مجلس الاحتياط الفيديرالي بن برنانكي، الذي ابتكر عبارة «الهاوية المالية» وما انفك يتحدث باستفاضة عن أخطارها منذ شباط (فبراير) الماضي. وفي إطار حملته المحمومة حذر برنانكي في كلمة أمام النادي الاقتصادي في نيويورك أول من أمس من أن إخفاق البيت الأبيض والكونغرس في التوصل إلى اتفاق حول الزيادات الضريبية وخفض الإنفاق الوشيك، قد يدفع الاقتصاد الهش إلى السقوط في هاوية الركود العام المقبل.

ومع التشديد على أهمية العمل في الأمد البعيد على خفض المديونية الفيديرالية الثقيلة «لضمان النمو والاستقرار»، ذكّر برنانكي الكونغرس بالحاجة إلى رفع سقف الدين الحكومي المشرف على النفاذ، محذراً من أن التلكؤ في اتخاذ القرار في شأن الهاوية المالية ورفع سقف الدين وما قد يعنيه بالنسبة الى قدرة الحكومة على الوفاء بمتطلبات خدمة ديونها، خلق حالاً من الضبابية تعيق حركة الإنفاق والاستثمار، التي يحتاجها الاقتصاد الأميركي للنمو وتوفير الوظائف، ما تثير قلق المستثمرين العالميين.

لكن تصريحات أطلقها مسؤولون كبار وقادة المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين، توحي بقوة بأن التوصل إلى اتفاق تفادي السقوط في الهاوية المالية لم يعد أكثر من مسألة وقت بعدما رسمت معالم رئيسة لطريق يُفضي إلى تبني الكونغرس، قبل حلول عطلة الميلاد أو نهاية السنة، أي في اليوم الأخير من جلسة «البطة العرجاء» الانتقالية الحالية، مشروع قانون يتضمن سلسلة من البنود الإنفاقية والضريبية البديلة أو المعدلة ويضمن التوصل إلى اتفاق نهائي طويل الأجل لمسائل العجوزات المالية والمديونية والإصلاح الضريبي بحلول منتصف العام المقبل على الأرجح.

وتعززت فرص التوصل إلى الاتفاق المطلوب بمخاوف من تحذيرات برنانكي وأيضاً بخشية مكتب الموازنة في الكونغرس من أن تكون تبعات الهاوية خسارة الاقتصاد الأميركي نحو أربعة في المئة من الناتج المحلي نهاية السنة المالية 2013 نتيجة ركود حاد في الفصلين الأول والثاني، إلا أن هناك مزيداً من الدعم من مغريات لا تشمل فقط اعتقاد خبراء المكتب المستقلين حزبياً أن إلغاء أو تعديل السياسات المفضية إلى السقوط يُزيل الكثير من معوقات النمو، بل تشمل أيضاً الانخفاض التاريخي في كلفة الاقتراض الحكومي.

إضـافة إلى ذلك هــناك عامل يراه مراقبون حاسـماً يتـمثل في أن الانتصار الـساحق الذي حـققه الرئـيـس بـاراك أوبـامـا في الانتخابات الرئاسية منحه فرصة ذهبية لإبداء شـيء من المرونة في مفاوضات الهاوية الماليـة، لا سيـما بعد نجـاح حزبه الديـموقـراطي في الاحتـفاظ بمجلس الـشــيوخ ثـم تعزيز غالبـيته ونـجاح الحـزب الجمهوري في الاحتفاظ بمـجلـس الـنـواب ثم تعرضه لـخسـائر مؤلمة في عدد مقاعده وسمعته.

 

الحياه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى