الفيلمُ المسىءُ إلى نفسه

  بقلم   فاطمة ناعوت    ١٧/ ٩/ ٢٠١٢
بدايةً، أرفضُ تسمية تلك «الركاكة الكارتونية» بـالفيلم «المُسىء للرسول»، أو «للإسلام». فلو أن الإساءةَ بتلك البساطة، «ماكنش حد غُلُب». لكان كلُّ أحدٍ يكره أحدًا، أمطره بوابل بذاءات، فيصيبُ رذاذُ الدنس ثوبًا نظيفًا، ولوّثه! كلاّ. أنا من المدرسة المؤمنة بأن الإساءة لشخص، أو لفكرة، مستحيلٌ أن تنبع إلا من ذلك الشخص، أو تلك الفكرة، لا من خارجهما. فإن سبّنى أحدٌ أو ألفُ أحدٍ، فما أساء لى أحدٌ، إلا أن أزلَّ أنا بالقول أو بالفعل، فتُطلُّ الإساءةُ برأسها فى ساحتي. ولو هاجم رهطٌ نظريةً ما، ما نال النظريةَ سوءٌ، إلا أن يكون بالنظرية عوارٌ أو نقصٌ أو صدوع.

مَن بوسعه أن يسىء لرجل، شهد له، لسانُ الغرب، لا لساننا، بأنه أولُ الخالدين الأكثر تأثيرًا فى التاريخ؟ فى كتاب: «The ١٠٠ Most Influential Persons in History»، جاء محمدٌ بن عبد الله (ص)، على رأس قائمة الخالدين المائة، بوصفه أعظمَ عقلية سياسية ودينية فى آن، على صفحات المدونة الإنسانية. جمع بين الدين والدنيا وأنشأ أكبر إمبراطوريات الأرض، وامتد أثرُه بعد موته أربعةَ عشر قرنًا حتى الآن. يتلوه إسحق نيوتن، عالمُ الفيزياء الفذّ، ليتوالى الخالدون، انتهاءً بعظماءَ كبارٍ مثل: أفلاطون، بيتهوفن، فرانسيس بيكون، هوميروس، فولتير، بيكاسو، وغيرهم. وكلُّ عظيم من أولئك، هو مجرّةٌ من النور والعلم والفن. أما مؤلفُ الكتاب، مايكل هارت، فهو يهودىُّ الديانة، أمريكىُّ الجنسية، وعالمٌ فى الفلك والفيزياء.

ذاك هو الشاهدُ من أهلها، كما تقول العربُ. وأما صنّاعُ هذا الفيلم الركيك، فنيًّا وروحيًّا، فليسوا إلا جماعةً من مصدوعى الروح، فقيرى العقل. مصدوعو الروح إذ تعمّدوا جرح مشاعر إخوة لهم فى الإنسانية، وإن اختلفوا معهم فكريَّا وعَقَديًّا، غافلين أن ما فعلوه إنما هو لونٌ من «الإرهاب المعنوىّ». فليس الإرهابُ بالسيف المعقوف، وفقط. إنما الإرهابُ النفسىّ أشدُّ وطأةً على الروح.

لا مانع من الرفض، ولكن بالتظاهر السلمىّ المتحضّر. إنما أساء لصورة المسلمين، مسلمون يُقتِّلون ويحرقون ويروّعون الناس. ولماذا لم يخرج السعوديون، مواطنو الرسول الكريم، لإحراق سفارة أمريكا بالسعودية؟ هل وصلهم ما فاتنا؟ أنه لا شىء ينال من الإسلام، إلا ما صنعت أيادينا نحن المسلمين؟ وفى الأخير، لابد أن أحيى أقباطَ مصرَ على وقفتهم الاحتجاجية الراقية أمام الكاتدرائية، تنديدًا بالفيلم الهابط. وأسجّل حزنى من وجدى غنيم، الذى جرّح عقيدة المسيحيين بأبشع القول، وأبو إسلام، الذى أحرق الإنجيل وداسه بالحذاء! ولا أرى فيهما إلا النسخةَ المسلمة من «موريس صادق».

ليت ثلاثتهم تعلّموا الدرس المتحضّر من المسلمين الحق، والمسيحيين الحق، ممن أدركوا أن مصيرنا، كمصريين، مشتركٌ. وأن الشوكةَ التى تخِزُ المصرىَّ المسلمَ، تخِزُ المسيحىَّ، فى نفس اللحظة، وفى القلب ذاته. فبأى منطق يخزُ الأخُ أخاه، بيده لا بيد عمرو؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى