«القائم مقام» بطريركاً
مدحت بشاى
وفق الثقافة الإسلامية ومعارفها التى هى واحدة من أهم ثقافات المواطن المصرى، فإن مفهوم البيعة فى الإسلام كمثال هى عهد على الطاعة من الرعية للراعى، وإنفاذ مهمات الراعى على أكمل وجه، وأهمها سياسة الدين والدنيا على مقتضى شرع الله. فإذا كان الأمر كذلك وبالمصرى أعلن مبايعتى كمواطن مصرى أرثوذكسى لنيافة القائم مقام الأنبا باخوميوس بطريركاً للكنيسة الأرثوذكسية المصرية.. الآن تتم مؤامرات للأسف لإبعاد نيافته لصالح أسقف مرفوض من جموع المسيحيين عبر حملات ومؤتمرات وندوات، ولكن أعتقد أنه لن يكتب لها النجاح، نعم أعلم اعتذار نيافته عن عدم قبوله الصعود للكرسى البابوى، وأن الأمر شبه مستحيل إلا إذا عاد من بيدهم الأمر لقراءة الواقع والحالة غير الطيبة التى عليها أمر تنافس الأساقفة وما نراه من شهوة البعض لاعتلاء الكرسى المرقسى (رغم نص قرار المجمع المقدس للكنيسة القبطية المنعقد سنة 1865 قبطية ميلادية، الذى صدر عقب نياحة الأب البطريرك الأنبا ديمتريوس المائة والحادى عشر: «كل من يطلب رتبة البطريرك من الأساقفة أو المطارنة أصحاب الكراسى أو سعى فيها أو رضى بها أو أحد سعى له فى شأن يطلبوه لها، كاهنا كان أو رئيس كهنة، أو علمانى – يكون محروماً»).
فى حوار للقائم مقام فى جريدة الأهرام، بتاريخ 11 مايو 2012، بخصوص رأيه فى أن يأتى بابا من الرهبان، قال إن إيمانه هو أن الروح القدس يسـتطــيع أن يـمـلأ فــراغ قــلـة خـــبــرة الـــرهـــبـان فـى الأمــور العــالـمـيـة، ومن المـمكــن أن يـكـون هناك مطـران قــديـم لـكـن تنـقـصه أشـيـاء كثـيـرة، وأكد نيافته أن الكنيسة ليست مؤسسة سياسية ولا اجتماعية ولكن مؤسسة روحية، والذى يفصل فى هذا الأمر أنه ممكن أن يكون راهبا ويمنحه الله نعمة الروح القـدس فيـعطى لـه حـكمة.. نعم قد يكون هناك تغير فى موقف نيافته لأن المجمع المقدس فى النهاية يضغط للأسف، وهو فى النهاية كبير أساقفة لا بد أن يعود لرأى جموع الأساقفة، ولكن يظل أمل الإنقاذ موجوداً.
وبالخروج من إطارالانتخابات، أبايعه لمواقفه الجادة الوطنية السريعة فى مواجهة الأزمات، ولعل بيان الكنيسة بشأن الفيلم المسىء لرسول الإسلام وصياغته البديعة وخروجه للرأى العام بالسرعة المطلوبة خير شاهد على ذلك. إننى أرى أن الأقباط معه كانوا سيغادرون حكاية حكمة الصمت، والاعتكاف، أو الاتصال بالسلطات، أو خروج أحدهم فيقول إنه مستشار الكنيسة ثم تتبرأ الكنيسة منه ومن غيره، ويتضح أنه كان يسترزق على حساب صمت الكنيسة، أو يخرج أحد الأساقفة ثم تصرح الكنيسة أنه لا متحدث باسم الكنيسة سوى قداسة البابا.
على سبيل المثال أيضاً، للتدليل على مواقفه الإيجابية تجاه كل ما يمس أمن الوطن، فقد أبدى الأنبا باخوميوس تعجبه من تصريح اللواء أبوبكر الجندى، رئيس الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، أن عدد المسيحيين فى مصر 5 ملايين و130 ألفا، وتساءل الأنبا باخوميوس ساخرا: «هل هذه إحصاءات أقباط شبرا (ضاحية بالقاهرة) أو مصر؟ وما مدى حقيقة هذه الأرقام؟»، مطالبا بتقديم إحصاءات مفصلة لعدد المسيحيين فى كل محافظة للرد عليها وتوضيح المعلومات المغلوطة. وتساءل الأنبا باخوميوس فى تصريحات لـ(إم سى إن) عن دلالة هذه التصريحات فى هذا التوقيت الذى تمر به مصر بتحولات مهمة، وشهدت بعض التوترات الطائفية، مؤكدا أنها معلومات غير صحيحة رغم التزام المسيحيين دائما بتحديد النسل، وأضاف: «هل يعنى هذا التصريح أن مصر أصبحت طاردة لأبنائها المسيحيين، وأن الأعداد تقل نتيجة هجرتهم، وأنه يقدم رسالة للعالم أن مصر تتسبب فى تهجير أبنائها؟».
وتابع الأنبا باخوميوس: «هذه التصريحات غير محسوبة وليس من الحكمة تفتيت الوطن بتقديم معلومات غير موثقة، ويمكن الرد عليها إذا ما تقدم بإحصاءات تفصيلية عن المحافظات المختلفة، ويجب النظر فى المقام الأول لمصلحة الوطن وبنائه فى هذا التوقيت، لأن فى النهاية المسيحيون مواطنون مصريون».
وفى تصريحات مسئولة وجادة، علّق باخوميوس على قرار النائب العام المصرى بوضع 9 من أقباط المهجر بينهم القمص مرقص عزيز كاهن الكنيسة «المعلقة» التابعة إدارياً له، قائلا: «إذا ثبت تورطه فى الفيلم سيعاقب كنسياً».
أذكر أنه وفى تمام الساعة الثامنة من مساء الثلاثاء 27 مارس، استقبل قائم مقام البطريرك الأنبا باخوميوس أربعة أعضاء من التيار العلمانى.. يوم مشهود حسبوه (من وجهة نظرهم على الأقل) تاريخياً، وابتهلوا إلى الله أن يكون اللقاء نهاية لما كان يحدث من قبل.. نهاية لعبارات تصفهم بأنهم «هاموش» و«بوم ينعق فى سماء الكنيسة»، والرد على جهودهم بأنهم «حفنة قليلة لا تمثل ملايين العلمانيين فى الكنيسة»… إلخ.
حدثتُ نيافته عن النهج الإعلامى للكنيسة، والمؤسسات الإعلامية التابعة لها، والاختراق الإعلامى من قبل فرق الفبركة الصحفية من هواة الإثارة، كان يمكن تلاشى دورهم عبر توفير المعلومات فى حينها وبتعامل مهنى، وأبدى تفهما عظيماً، ورأيت لنيافته رؤية موضوعية فى هذا الصدد.. ولعل موقف نيافته الإعلامى حول تهجير العائلات المسيحية من رفح، معلنا بوضوح أن ما أعلنه أسقف الأبرشية ونفيه للحدث كان بفعل ضغط عاشه إبان تلك الأزمة – خير دليل على ذلك التفهم للتعامل مع الإعلام.
الأنبا باخوميوس شخصية رائعة، ومثل بديع لابن مؤسسة دينية عتيدة، أب يمتلك قيم الاحتواء والحنو والتفهم، وإدارى دارس وصاحب تجربة إدارية ناجحة فى أبرشيته.. قال: «أعتقد أننى لم أرد صاحب طلب فى مقابلتى على مدى زمن عملى»، وأنا شاهد، فتلبية طلب مقابلته كانت رائعة وسريعة وحانية ومقنعة.. أبايعك قداسة القائم مقام بطريركاً، فهل يتنازل أصحاب الشهوات، أو على الأقل تتوقف الانتخابات لحين تعديل لائحة 1957 وإقرارها من البرلمان المقبل؟
المصدر : الوطن