خالد محمود يگتب من مهرجان أبوظبى: 11 دقيقة مع گلوديا گاردينالى .. لحظة عمر

 

بوابة الشروق

كنت شغوفاً لمشاهدة فيلمها الجديد «جيبو والظل» لأرى جميلة جميلات السينما الإيطالية كلوديا كاردينالى، وكيف ستكون طلتها أمام الكاميرا بعد أن وصل بها العمر إلى 74 عاماً، وتساءلت: ترى ماذا وراء إصرارها على مواصلة مشوارها فى السينما و استكمال حياة بدأتها قبل أكثر من نصف قرن قدمت فيها أجمل الأدوار، وكانت إجابة السؤال ترتسم فى نظرة عينيها و ابتسامتها الرقيقة: أنها لا تخجل من الحياة.. تعشقها.. كما تعشق البشر.

قبل حفل ختام مهرجان أبو ظبى السينمائى..وفى الليلة التى ستتسلم فيها جائزة إنجاز العمر، بقيت دقائق أنظر إليها أثناء جلوسها بالمقعد الأمامى بقاعة الاحتفالات..راقبت تحركاتها و سكونها.. ثم أخذت القرار: سوف أذهب إليها، فقد التقيت بها من قبل فى دمشق قبل عشر سنوات، حيث كنت أجلس فى المطعم الإيطالى أطلب وجبتى المفضلة من الاستيك بالليمون، وجدتها حينذاك تجلس بمفردها وسط إضاءة خافتة وبجوارنا عازف البيانو، كانت مندمجة مع الموسيقى، اقتربت و طلبت أن أتحدث معها، واستمر اللقاء نصف ساعة حدثتنى خلالها عن أهم محطات حياتها، وكيف كان بداخلها تحد كبير لأن تجعل من اتقانها التمثيل شئ أجمل من جمالها، وكيف أنها تعشق السينما الأوربية أكثر من الأمريكية.

هنا مرت السنوات العشر فى لحظة و تذكرت اللقاء، وقدرت و أنا فى مهرجان أبو ظبى أن اقترب منها و طلبت أن أجلس معها دقيقتين، ثم أصبحت الدقائق إحدى عشرة دقيقة.. وطوال المدة كنت حريصاً على ألا أتكلم أو أسأل كثيراً، كنت أريد أن أسمعها و كيف تحتويك بكاملك بكلماتها و نظرتها فى عينيك، قالت لي: أننى أعشق مصر، أعشق تاريخها.. فقد زرت المتحف المصرى بقلب ميدان التحرير، ووقفت طويلاً أمام إبداع الفراعنة فى تماثيل المرأة والرجل و أمام المومياوات.

وبعد لحظات صمت –وكأنها تعود إلى شريط الذكريات- أضافت: أيضاً عشقت الأهرامات و تجولت بين رحابها.

قلت لها: كيف تشعرين بإنجاز العمر الذى تحصلين على جائزة تتويجه اليوم؟ ..قالت: أنا راضية تماماً عن مشواري، فقد قدمت اشياء كثيرة حلمت بها ومازلت أحب الناس وأحب جمهوري، و أحب السينما و أحب عشاقها.. إنها لحظة جميلة ورائعة أن تشعر أنك تسعد من حولك، ويقدرون عطائك ..إنها لحظة عمر.

كان تعبيرها الساحر بمثابة زلزال مدوى للمشاعر، شعرت بقشعريرة بداخلي، وتذكرت كيف وصفها الكاتب الإيطالى البرتو مورافيا بأنها النموذج الأعلى للجمال بلمسة إيطالية برجوازية، يتلخص سحرها فى خجلها.. لها رأس طفلة وجسم إمراة قنوع، صادقة و جريئة. وهو التعبير الذى ينعكس بحق على شخصيتها فى فيلمها الجديد الذى عرض فى المهرجان «جيبو والظل» الحائز على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وأذكر لحظة أن أعلن الناقد الكبير سمير فريد الجائزة كونه عضو لجنة التحكيم «اللجنة منحت الفيلم هذه الجائزة بالإجمال، والجائزة شرف للجنة و شرف للفيلم، إنه عمل يتجاوز السينما المعتادة، وتعبير حكيم و عميق عن فن المسرح و التصوير والموسيقي»، والفيلم الذى يعد تحية للعواطف الإنسانية و الجمال إخراج البرتغالى مانويل دى أوليفيرا أكبر المخرجين عمراً فى العالم (104 عاماً) .

و يبدو أن أوليفيرا و كاردينالى قد توحد حلمهما فى تقديم عمل سينمائى طغت فيه لغة الحوار الإنسانى على إيقاع الصورة، ولكنه كان حواراً موجعاً وملهماً حول ماض لم يأت و حاضر نعيشه لحظة بلحظة ومستقبل نأمل أن يكون رحيماً..عشنا طوال 90 دقيقة مع لوحات مسرحية فى صورة سينمائية أبطالها كلوديا كاردينالى وجان مورو ومايكل لونسدايل وريكاردو تربا .

وعلى الرغم أن فيلم أوليفيرا بدا و كأنه يقترب من قضية الفقر فى أوائل القرن العشرين، وهى الحقبة التى كان يأمل فى تقديمها فى عمل سينمائى، فإنه عبر تساؤلاته وحيرة صورته بين ما هو واقع وما هو خيال يبقى صورة لأزمنة متعددة، فبطلنا عاش ومات فقيراً، لكنه كان راضياً، ونحن هنا نتوحد مع رواية فى انتظار جودو، وهو محاسب فقير عجوز لديه كرامة ونزيه، يعيش مع زوجته و ابنته على أمل عودة ابنهما الغائب وزوجته، ونرى الأم «كلوديا» تنتظر الأب ليحكى لها يومياً عن الابن، ويضطر إلى أن يؤلف أشياء و حكايات بعد أن أنهى كل ما يمكن أن يقوله، وعندما يعود الظل أو الابن، نشعر بتغير أشياء كثيرة، و ندرك بأن اختراع الأوهام و الظلال لا ينقذنا من قسوة و قتامة العالم و الزمن .

غادرت قاعة العرض لتراودنى بعض أدوارها وأعمالها التى ستظل خالدة فى تاريخ السينما العالمية ما بين الكوميدية المرحة و التراجيدية والاجتماعية وقدرتها مع فيللينى وريتشارد برو (ثمانية و نصف) ومع رينا سيلفاتورى (عصابات المافيا و رياح الجنوب) ومع بيرت لانكستر (المحترفون) ومع تشارلز لروتسون (حدث ذات مرة فى الغرب)، وكذلك أعمالها مع فيسكونتى.

 

 

بوابة الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى