نتنياهو أمام الكونجرس: كدت أموت في حرب الاستنزاف..لذلك أقدر أهمية السلام

كتب : عبدالعزيز الشرفي
في حديثه أمام الدورة المشتركة للكونجرس الأمريكي في 2011، ذكر نتنياهو بشكل غير متوقع ومقتضب ليلة لم يستطع أن ينساها حتى بعد أن أصبح رئيسا لوزراء إسرائيل، فيقول “أتذكر جيدا تلك الليلة، أتذكر كيف كان الأمر قبل أن نوقع اتفاقيات السلام، كدت أُقتل يومها، وأنا أعنيها حرفيا”.
دخل رئيس الوزراء الإسرائيلي فترة تجنيده بعد نهاية حرب 1967، والمعروفة بحرب الأيام الستة، بشهرين أو أقل فقط، ثم عاد مرة أخرى إلى الجيش للمشاركة في حرب أكتوبر 1973، أو حرب عيد الغفران كما يسمونها. رئيس الوزراء الإسرائيلي أصيب مرتين في معارك مع الجيش المصري، ولكنه لم يكن أقرب إلى الموت إلا في ليلة واحدة، فقبل 43 عاما، وتحديدا في 13 مايو من عام 1969، غادر الرقيب الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في طريقه إلى سيناء، حيث كان يجلس في المدرعة، وهبط الليل على نتنياهو الذي لم يكن يتوقع أن يكون رئيسا لوزراء إسرائيل في يوم من الأيام، ليفاجئ بعد ذلك وكتيبته بمعركة في قناة السويس.
تقول صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إنه من الصعب التأكيد على أن تلك الليلة كانت عاملا حاسما في حياة نتنياهو كقائد سياسي، أو أنها صنعت منه الرجل الذي هو عليه الآن، ولكن بالتأكيد كانت تلك المعركة الطويلة في مياه القناة، ومكافحته للخروج من مياه القناة التي سقط فيها، عاملا هاما في حياته.
وتتابع الصحيفة الإسرائيلية “مر الزمن وتآكلت الذكريات لمن أنقذوا هذا الرجل، ودائما ما تتناقض تفاصيل القصة والمهمة التي كانوا يؤدونها، وهناك تناقضات في قصة كل واحد منهم، فأحدهم على سبيل المثال، يتذكر الانسحاب بشكل غير منظم والمدافع التي تبعتهم، في حين يقول آخرون إنهم انسحبوا باستخدام المدرعات الخاصة بهم، ولكن جميعهم يتذكرون جيدا اللحظة التي أضاءت فيها مدافع المصريين ظلمة الليل، ويتذكرون اللحظات البطيئة بشكل مخيف التي مروا بها، والتي كاد فيها أن يغرق نتنياهو في قاع قناة السويس التي حفرها الفرنسي فرديناند ديليسبس”.
أنهى نتنياهو دراسته الثانوية في مدرسة شلتنهام بـ “بنسلفنيا”، وعاد بعد ذلك إلى إسرائيل ليلتحق بالجيش الإسرائيلي، وتطلع للالتحاق بوحدة الاستطلاع الخاصة بقيادة الأركان الإسرائيلية، وبالفعل رشحت إحدى جنود الوحدة ليلتحق بها، والتقاه عوزي يعاري، قائد الوحدة آنذاك، ووافق على قبوله في الوحدة.
وبعد خمسة أشهر، في يناير 1968، بعد إنهاءه لتدريبات الجنود المظليين مع الكتيبة 202، التقى هو و19 آخرين من مجموعته، بالضباط عميرام ليفين، الذي أصبح نائبا لرئيس الموساد فيما بعد، ورافي بر ليف، ابن أخ رئيس الأركان العامة، وتم تقسيمهم لمجموعتين في ذلك اليوم.
كانت كل مجموعة من المجموعتين بقيادة أحد الضباط الذين التقوا بهم. ويقول دورون سالزبيرج، مدير محطة غاز قريبة من كيبوتس عنات وواحد من خمسة باقيين من فريق نتنياهو، إن نتنياهو كان متحمسا جدا وبشكل لا يمكن تصديقه، وكان قويا جدا أيضا، ولم يكن يترك أي فرد يساعده حينما كان يحمل النقالة.
وفي ديسمبر 1968، وبعد أن اتهمت السلطات الإسرائيلية الفلسطينيين بتنفيذ هجمات على طائرات العال الإسرائيلية وراكبيها، قام الجيش الإسرائيلي بتنفيذ مهمة، وصفتها الصحيفة الإسرائيلية بـ “الغريبة”، حيث تم نقل عدد من الجنود المظليين إلى مطار بيروت الدولي، وهناك أجلوا ركاب 14 طائرة مدنية مملوكة للعرب، وقاموا بتفجير تلك الطائرات، إلا أنهم ومع ذلك، لم يواجهوا نيران “العدو” إلا في مايو 1969.
وفي 11 مايو 1969، توجه عددا من جنود الوحدة التي تمركزت في قرية “بالوظة” بشمال سيناء، إلى قناة السويس، حيث عبروا في عمق الليل، ونصبوا عدة كمائن للجيش المصري، حيث كانت حرب الاستنزاف في ذروتها، وواجه جنود الجيشان بعضهما بعضا على جانبي القناة، وتكبد كل جانب خسائر مادية ومعنوية، ونصبت قوات الكوماندوز المصرية كمائن متعددة، وهو ما دفع الإسرائيليين للرد بنفس الطريقة.
ونجحت القوات الإسرائيلية في نصب كمين لإحدى شاحنات الجيش المصري، واستطاعت قتل سائقها، وهو ما أسعد قادة الجيش الإسرائيلي بشكل كبير آنذاك، وبعد يوم واحد من الراحة، خرج جنود وحدة الاستطلاع والضفادع البشرية الإسرائيلية، إلى قناة السويس مرة أخرى، ولكن هذه المرة لم يكن هناك قمر في الساعات الأولى من الليل، وتجمع الجنود على الضفة الشرقية للقناة، وبدأت الضفادع البشرية في العمل، وعلى الجانب الآخر، راقب الجنود المصريين تحركات الإسرائيليين، وألقوا مرساة في القناة، لسحب الحبل الرفيع الذي ربطه جنود الضفادع البشرية الإسرائيليين حولهم، لسحبهم بعد الانتهاء من مهمتهم، ولكن الجيش المصري استطاع سحب الحبل ببطء، لسحب نتنياهو ورفاقه غلى خارج المياه.
انتظر الجنود المصريين حتى اقتربت القوارب الثلاثة الخاصة بالإسرائيليين من مرمى نيران الكمين الذي نصبوه لهم، وفور أن أصبح القارب الأول على بعد 30 مترا من شاطئ القناة، أطلق المصريون النيران تجاه الجنود الإسرائيليين، ونظرا لتدافع النيران، هرع نتنياهو إلى مؤخرة القارب، وسرعان ما انقلب القارب بسبب ارتفاع مقدمته، فسقط نتنياهو إلى جانب الجنود الثمانية في قاع القناة.
حاول نتنياهو إلقاء الرشاش الخاص به بأي وسيلة، ولكنه لم ينجح في ذلك لثقله، إلى جانب المعدات الأخرى التي كان يحملها، وبمجرد أن سقط الجميع في المياه، عاد القارب لطبيعته، وعلى الجانب الإسرائيلي، ألقت القوات الإسرائيلية أدوات تضيء مياه القناة، لمحاولة معرفة مكان سقوط الجنود، وما أن أضاءت المياه، حتى قام قائد الجنود بعد من سقطوا في المياه، حتى وصل إلى الرقم 7، ليدرك بعدها أن أحد الجنود مفقودين.
أسرع بعدها إسرائيل عساف، قائد وحدة نتنياهو، لمحاولة إنقاذ الجندي المفقود، والذي اتضح بعدها أنه نتنياهو، وما أن وصل إليه، حتى وجده جثة هامدة لا تتحرك، فقام بجذبه وسحبه لخط الإنقاذ، ولولا أن الكوماندز الإسرائيليين قطعوا الحبل الذي رُبط به الجنود، لما نجحوا في إنقاذ الجنود.
وعلى الرغم من اختلاف بقية القصة من شخص لآخر، إلا أن الجميع يتفق على أنهم لم يفعلوا شيئا ما مميزا لإنقاذ نتنياهو. وتشير صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” إلى أنه رغم عدم وجود دليل على تأثير تلك الليلة في حياة نتنياهو بشكل عام، إلا أن تصريحاته أمام الدورة المشتركة للكونجرس الأمريكي في العام الماضي، بشأن السلام، دليل على أنه يقدر السلام كثيرا.
الوطن