إبراهيم عيسى يكتب: زمن بلا أنصار

 

رغم وصية الرسول الكريم للمسلمين جميعا «استوصوا بالأنصار خيرا» فإنه بنبوّته ورؤيته وأبوته كأنه كان يعرف ماذا سيحدث لهم، فخاطبهم ذات مرة: «إنكم ستلقون بعدى أَثَرة فاصبروا حتى تَرِدُوا على الحوض».

 

والحقيقة التى يحاول الباحثون إخفاءها فى هوامش الكتب أن الأنصار نالوا من الأذى كثيرا، كأنها كانت تصفية سياسية لهؤلاء النبلاء، فالذى جرى بعد أن بايع الأنصار سعد بن عبادة خليفة لرسول الله فى سقيفة بنى ساعدة بعد وفاة النبى بيومين، أن جاءهم الصحابة المهاجرون الكبار، أبو بكر وعمر وأبو عبيدة بن الجراح، وبعد مناظرة حادة وملاسنات وصلت إلى التشابك بالأيدى وكادت تتجاوز ذلك، تمّ الاتفاق على أن من المهاجرين أميرا ومن الأنصار وزيرا مشيرا، ثم تغلبت كفة الصدِّيق أبى بكر فترك الأنصار بيعة سعد إلى أبى بكر، وقيل إن الأنصار أحس بعضهم ندما بعدها، لكن من يومها بدا أن التنافس لعب دورا فى حفر فجوة ظلت محدودة جدا كأنها الشرخ غير المنظور بفضل عظمة وروعة ومجد الصدِّيق والفاروق.

 

لكن اتسع الشرخ وتعمقت الفجوة فى عصر عثمان بن عفان رضى الله عنه حين تولى بنو أمية مقاليد الأمور فاندلعت ثورة ضد عثمان كان للأنصار فى المدينة دور كبير فيها، ولاحظ أن قليلا منهم، بل النادر جدا، مَن ترك مدينة رسول الله إلى الشام والعراق ومصر.

 

ومن ثم ظلوا على حالهم المالى فى الوقت الذى كان فيه رجال الغزو والفتح والأمراء على البلدان الإسلامية الجديدة يزدادون غنًى وثراءً وممتلكات خاصة من بنى أمية، الدم الذى أريق من سيدنا عثمان حمّل بنو أمية مسؤوليته للأنصار خصوصا وقد كان الأنصار من أكبر مؤيدى سيدنا على بن أبى طالب إمام المتقين فى مواجهته لمعاوية، وكان معظم شيعة علىّ من أنصار النبى صلى الله عليه وسلم ومن أولادهم، الأمر الذى جعل ثأرا سياسيا يغلى لدى بنى أمية، وتم اضطهاد كثيرين منهم فى عهد معاوية وتعنت أميره معهم إلى حد لا يحتمله رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه.

نصروا الرسول وانتصروا للرسالة، لكن الوضع تفاقم فى عصر يزيد بن معاوية حتى إنه أحل دم وأعراض أهل المدينة من الأنصار ثلاثة أيام وليالٍ فى حادثة من أكثر حوادث المسلمين سوادا وعتمة فى ما عُرف بـ«الحَرَّة».

 

وراح ضحيتها عشرة آلاف من أهل المدينة، وقيل أقل، وسُفكت الدماء وأبيحت الأموال واغتُصبت النساء، ويقول البخارى: «ثم وقعت الفتنة الثانية (يعنى الحرة) فلم يتبقَّ من أصحاب الحديبية أحد»، وعن مالك بن أنس قال: «قُتل يوم الحرة مِن حملة القرآن سبعمئة»، وتصاعدت محنة الأنصار يوما بعد يوم حتى إن المفسر والمؤرخ الطبرى يذكر فى كتابه عن الحَجَّاج بن يوسف الثقفى واصفا ما فعله بالمدينة وأهلها من الأنصار: «فأقام بها ثلاثة أشهر يتعبث بأهل المدينة ويتعنتهم».

 

هذه المأساة الكبرى التى تعرض لها الأنصار تستوجب أن نتذكرهم ونذاكرهم ونعتذر إليهم عما حدث، وعن جهلنا بما حدث!

 

الدستور الأصلى

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى