مواطنون على رأسهم ريشة

 

 

 

 

خالد فؤاد

نسر أو ميزان العدالة على اللوحة المعدنية، كان دائما هو تصريح العبور من أى كمين أو لجنة تفتيش فى أى مكان، وفى حالات أخرى كان الكارنيه بديلا لرخصة القيادة أو رخصة السيارة أو تصريح حمل السلاح وكل الاوراق التى يمكن أن يحتاجها الضابط المسئول عن الكمين.

 

شعارات الشرطة أو الجيش أو القضاء هى فقط المسموح لها بعبور القانون، وتجاوزه، إن صح التعبير، تلك هى القاعدة التى اعتاد عليها الناس فى مصر، لكن فى بعض الأوقات كانت القوى الثلاث تتصارع إذا ما أصر أحدهم على معاملة أعضاء تلك المؤسسات على أنهم مواطنون عاديون.

 

«رخصة سعادتك»، هو الطلب الثقيل دائما على كل قائد سيارة، وهو الأثقل على ضابط الشرطة وضابط الجيش والقاضى، الذى يرى كل منهم فى الغالب أن منصبه هو الحصن المنيع ضد الاجراءات الروتينية والتقليدية للحفاظ على أمن المواطنين.

 

وإن كانت السيارة دون لوحات، أو تتجاوز السرعات المقررة، أو تخالف قواعد المرور، فإنه ليس من حق أحد أن يخضعها للقانون، لأن قائدها يحمل على رأسه «ريشة» المنصب.

 

فى 2009 علت الهتافات «حربية حربية»، أمام قسم شرطة 15 مايو، حيث تجمع العشرات من طلاب الكلية الحربية أمام القسم، وأمطروه بالحجارة وحطموا سيارة المأمور وسيارة شرطة، وموتوسيكلا خاصا بالشرطة، واعتدوا على بعض أفراد القسم.

 

الحكاية بدأت عندما كان بوكس قسم شرطة 15 مايو بحلوان يقوم بجولة معتادة فى المنطقة، أوقف الضابط وأمين الشرطة مجموعة من الشباب العائد من المسجد وطلبوا بطاقاتهم، وكان فيهم طالب من الكلية الحربية، رفض إعطاء الكارنيه للضابط، معللا ذلك بأن الأوامر التى لديه لا تسمح له بإبراز الكارنيه لأحد. قاده الضابط إلى القسم، حيث تعرض للضرب والإهانة بحسب ما تردد.

 

اتصال بسيط بالزملاء جمع العشرات منهم أمام القسم ثأرا لزميلهم ولكرامة الحربية التى أهدرتها الشرطة، استخدم الطلاب الأسلحة النارية والصواعق الكهربائية والأحجار، وحدثت خسائر مادية جسيمة وإصابات بين أفراد الشرطة.

 

الناشط الحقوقى، حازم منير، يرى أن تلك الوقائع لا يمكن اعتبارها سلوكا جماعيا، انما هى انحرافات شخصية، بدليل أنها لا تحدث كل يوم أو كل شهر، وإنما تحدث على فترات متباعدة، مما يؤكد أن هذا السلوك لم يكن اتجاها أو سياسة عامة تنتهجها مؤسسة بأكملها، وإنما بعض الخارجين على القانون سواء من ضباط الجيش أو الشرطة أو من القضاة.

 

ويعتبر منير أن تلك التجاوزات تحدث بسبب اعتقاد البعض أن مناصبهم تسمح لهم بتجاوز القانون، وتخطيه، والشرطة عليها مسئولية كبيرة تجاه هذا السلوك لأن السماح لهم بممارسة تلك التجاوزات هو ما شجعهم عليها، وتسبب فى الاعتقاد بأنها أصبحت قاعدة وليس استثناء.

 

ودعا منير جميع المؤسسات إلى احترام القانون، فهيبة القاضى وهو على منصته، وهيبة الصحفى وهو يكتب موضوعه، وهيبة الضابط وهو يمارس عمله، ولكن ما يحدث ان كل فرد يحاول أن يحصن نفسه فى كل المواقف الحياتية، وهذا غير مقبول بالمرة.

 

ويرى الناشط الحقوقى، أن حل تلك الإشكالية، يعتمد على تطبيق القانون بشكل صارم وحازم، حتى يستطيع منع كل من تسول له نفسه التأثير على هيبة الدولة، والقضاء على حصانته الأكبر التى تتمثل فى القانون والدستور.

 

أزمة أخرى نشبت فى أكتوبر 2010 بين رجال الشرطة ونادى قضاة الفيوم، بسبب قيام شرطة النجدة بمحاولة تفتيش سيارة قاض، عندما اشتبهت فى حمله سلاحا ناريا فيها، أصر رئيس طاقم دورية النجدة على تفتيش السيارة وحرر محضرا ضد القاضى بأنه كان يحمل سلاحا آليا فى حفل عرس بحى الحادقة بمدينة الفيوم.

 

أعلنت مديرية الأمن بالفيوم وقتها أن أمينى الشرطة لاحظا قيام أحد الأشخاص بحمل سلاح آلى بالقرب من حفل عرس بشكل يدعو للخطورة، ما جعلهما يتدخلان لضبط السلاح.

 

وتبين أن الذى يحمل السلاح قاضٍ بمحكمة بمحافظة بنى سويف، لكن طاقم الدورية أصر على اتخاذ الإجراءات وتسليم السلاح لمدير أمن الفيوم شخصيا، وقالت المديرية إن المعلومات المبدئية لضباط إدارة البحث الجنائى حول الحادث كشفت أن السلاح يخص أحد أصدقاء رئيس المحكمة، وحصل عليه بدعوى التصوير وهو يحمل السلاح كنوع من أنواع التذكار بمناسبة حفل العرس.

 

«القاضى ده فى المحكمة، هو كل ما نكلم حد يقول أنا قاضى؟»، هكذا كان رد أمين الشرطة وفقا لرواية القاضى، وهو ما يعكس أزمة نفسية لدى الشرطة من الحصانة التى تضعها المناصب على أصحابها، لكن ماجد سرور رئيس مؤسسة عالم واحد للتنمية وحقوق الانسان، يعتقد أن «السبب فى تلك الأزمات هو أن بعض رجال الشرطة مازال ينتهج نفس أسلوب نظام مبارك فى قمع المواطنين وترهيبهم، ومازال التعذيب قائما فى السجون وبشكل أكبر عما كان يحدث قبل الثورة، فهناك بقايا غل لدى بعض الفئات داخل جهاز الشرطة تجاه المواطن».

 

وطالب سرور بضرورة هيكلة جهاز الشرطة بأكمله وعدم الاكتفاء بتطهير المراكز القيادية فيها، حتى لا يقوم الشعب بثورة ثانية تجاه جهاز لم يتغير، وتساءل إذا كان هذا يحدث مع طالب بالكلية الحربية، فماذا يحدث مع المواطن العادى الذى ليس له حول ولا قوة؟.

 

ويرى سرور أن دولة البلطجة أصبحت تطارد المصريين، «نحن الآن أصبحنا نعيش فى غابة، كل من يريد أن يفعل شيئا فليفعله دون احترام لهيبة ومكانة القانون».

 

وتعليقا على أحداث قسم القاهرة الجديدة التى وقعت أمس الأول يقول سرور «ما قام به طلبة الكلية الحربية من الاعتداء على القسم، هو نتاج ما أوهمهم به المشير محمد حسين طنطاوى أنهم هم من قاموا بالثورة وحموا الشعب، بالتالى فلديهم شعور بالكبرياء، واعتبروا أنفسهم هم أسياد الشعب».

 

ويرى سرور أن علاج تلك الأزمة يجب ان يتجاوز مرحلة المصالحة بين ضباط الجيش والشرطة، وإنما علينا المصارحة بينهم ومعرفة من المخطئ ومعاقبته عقابا رادعا، حتى لا يحدث هذا الفعل مرة أخرى، داعيا إلى الحفاظ على مكتسبات الثورة وتحقيق أهدافها وعلى رأسها العدالة الاجتماعية.

 

وطالب سرور بالنظر على المناهج التعليمية التى تدرس لضابط الشرطة، ومقارنتها بسلوكهم فى الشارع مع المواطن العادى، «سنجد أنه لا يوجد أى تناقض بين ما يدرسونه وبين تصرفاتهم، لأن الطلبة تدرس فى الكلية أنهم أسياد الشعب، وانهم هم القانون ذاته، وليسوا خاضعين له»، مستشهدا بالكليب الخاص بمدير أمن البحيرة الذى نشرته مواقع الكترونية وكان يقول فيه للضباط «احنا أسيادهم، ومن غيرنا ما يعرفوش يعيشوا».

 

انتشرت قوات الشرطة العسكرية، فى محيط قسم ثان التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة، وفى وجود العديد من كبار ضباط الجيش، لمنع خروج ضابط الشرطة الذى قام بإطلاق النار على قدم أحد رجال الجيش، إثر مشادة وقعت بينهم عند كمين أمام مقر أكاديمية الشرطة.

 

«الحكاية دى مش هتعدى»، قالها أحد ضباط الجيش المتواجدين فى محيط الاشتباكات، فى الوقت الذى حاصرت فيه الداخلية قسم الشرطة لحماية زميلهم الذى قام بإطلاق النار.

 

قام عدد من ضباط الجيش بتهدئة الوضع بعد زيادة عدد ضباط الشرطة العسكرية، طالبوا الضباط بالابتعاد عن المنطقة، وتعهدوا بإخراج ضابط الشرطة، فيما أصر ضباط الجيش على البقاء حتى يخرج لهم، ثم انتهت الأزمة بين الكبار فى غياب القانون.

 

بوابة الشروق

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى