الإخوانيّان الشاطر وغزلان اجتمعا سرّا وأقرّا استخدام القوة ضد المتظاهرين

كشف خبير اسرائيلي وقائع اللقاء السري، الذي عقده قادة جماعة الاخوان المصرية قبل ساعات من مواجهات دامية بين معارضين ومؤيدين لمرسي قُبالة قصر الاتحادية الرئاسي، واوضح الخبير اسباب شق الصف داخل جماعة الاخوان بعد الاحداث، ومُعضلة الرئيس امام تفادي مصير سلفه مبارك.
محمد نعيم من القاهرة: تراقب اسرائيل باهتمام بالغ ما يجري على الساحة السياسية وربما الامنية المصرية، وتضاعفت المراقبة الاسرائيلية في اعقاب المواجهات العنيفة الاخيرة، التي اندلعت بين مؤيدين ومعارضين للرئيس المصري محمد مرسي امام قصر رئاسة الاتحادية بالقاهرة.
خطورة حالة الشارع
تعليقاً على تلك الحالة وما آلت اليه الاوضاع السياسية في مصر، قال الكاتب والمحلل السياسي الاسرائيلي تسيبي بارئيل، ان الرئيس المصري اقحم نفسه في ازمة، لا تختلف كثيراً عن نظيرتها التي اطاحت بسلفه حسني مبارك، ورغم ان عنصر الوقت للازمتين يختلف كثيراً، الا ان السبب فيهما واحداً وهو غضب المصريين، لذلك فإنه اذا لم يفطن الرئيس المصري لخطورة حالة الشارع على منصبه السياسي، وخطورتها التي قد تقود بلاده برمتها لحرب اهلية، فسيصبح المشهد الراهن اكثر دموية وانفلاتاً.
في تلميح متعمد، اشار الخبير الاسرائيلي في مقال مطول، نشرته صحيفة هاآرتس العبرية الى انه بالاضافة الى مؤسسة الرئاسة المصرية، تباينت وجهات النظر داخل جماعة الاخوان المسلمين حول كيفية تهدئة خواطر الجماهير المصرية الثائرة، وعلى خلفية هذا الجدل عقدت الجماعة اجتماعاً سرياً الثلاثاء الماضي بفندق “فرمونت” في القاهرة، واستمر الاجتماع منعقداً حتى تباشير يوم الاربعاء، وحضر الاجتماع نائب المرشد العام، مرشح الجماعة السابق للرئاسة، ومحمود غزلان المتحدث الرسمي باسم الاخوان المسلمين في مصر.
اكدت الاطراف المشاركة في الاجتماع الذي يدور الحديث عنه، ضرورة استخدام القوة ضد عناصر المعارضة، وكان الشاطر وغزلان اول المبادرين لفكرة ايفاد شباب الاخوان المسلمين للتظاهر امام قصر الاتحادية، الذي كان في الماضي ومنذ عام 2019 تابعاً لشركة “جراند هوتيل”، حيث كان اول فندق فرنسي فاخرة يقيمه الفرنسيون في افريقيا.
وبحسب رواية الخبير الاسرائيلي، وما نقلته عنه الصحيفة العبرية، شكك المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين محمد بديع في نجاعة اقتراح استخدام القوة ضد المتظاهرين المعارضين لقرارات الرئيس مرسي، الا انه في نهاية المطاف وافق الجميع على الفكرة، وقام الشاطر وغزلان بالتوجه في ساعة مبكرة من صباح الاربعاء الى منزل الرئيس مرسي بحي التجمع الخامس بالقاهرة الجديدة لعرض الاقتراح عليه.
نتائج كارثية للمواجهات
ليس من المعروف ما اذا كان الرئيس المصري ايد الاقتراح، او عارض خروجه الى حيز التنفيذ، الا ان الواقع الدراماتيكي الذي شهدته الساحة الامامية لقصر الاتحادية، يؤكد ان مرسي كان على علم بكافة تفاصيل المهمة، التي قام بها شباب الاخوان المسلمين ضد المعارضين، وربما صادق الرئيس على الجزء المتعلق بتظاهر شباب الاخوان في منطقة تبعد عن المعارضين تفادياً للاحتكاكات، ولم تكن اوامر الصدام موجهة منه بشكل مباشر بحسب الصحيفة العبرية.
بعد اتضاح النتائج الكارثية لمواجهات شباب الاخوان مع المعارضين امام قصر الاتحادية، سادت اجواء من السخط داخل صفوف الجماعة، وهدد فصيل كبير من الشباب بالانشقاق عن صفوف الجماعة، كم قدم العشرات من الشباب استقالتهم فعلياً، اعتراضاً لما وصفوه بـ”استباحة الدم”، وانسحب هذا الموقف على عدد من كبار حاشية الرئيس المصري، إذ قدم عدد من مستشاري الرئيس استقالتهم، فضلاً عن استقالة الدكتور القبطي رفيق حبيب، احد كبار مستشاري المرشد العام لجماعة الاخوان المسلمين.
هتافات المتظاهرين بشعارات “الشعب يريد اسقاط النظام”، طغت بقوة على هتافاتهم السابقة بشعار “الشعب يريد اسقاط الدستور”، وادركت قيادة الاخوان المسلمين في مصر حجم الخطر، الذي بات يلاحقها ويهدد بقائها في الحكم، فللمرة الاولى صدرت اوامر من مكتب الارشاد باخلاء ميدان قصر الاتحادية الرئاسي من شباب الاخوان على الفور للحيلولة دون استمرار المصادمات مع المعارضين لقرارات الرئيس.
وفقاً للخبير الاسرائيلي تسيبي بارئيل، لم ينجح انسحاب شباب الاخوان من ميدان قصر الاتحادية في حل الازمة، وانما اضحت الازمة اكثر تفاقماً، فلن يستطيع مرسي اجراء استفتاء شعبي على الدستور، الامر الذي سيعرقل اسابيع طويلة اجراء الانتخابات التشريعية، كما ان هرولة الرئيس المصري لصياغة الدستور من خلال اللجنة الدستورية، كان خوفاً من مداولات المحكمة الدستورية العليا، التي كانت ستُفضي في نهاية المطاف الى بحل اللجنة الدستورية، والحكم بتشكيل لجنة جديدة للهدف عينه، وهو الامر الذي اعتبره مرسي ومستشاروه مبرراً ونذيراً بانتزاع الحكم منه، وانتقاله الى مجلس عسكري يدير شؤون البلاد مجدداً.
تعاون مثير للدهشة
لم تعد ازمة الرئاسة المصرية مقتصرة على الدستور، او الاعلان الدستوري الذي اتخذه مرسي، وانما بات بقاء النظام نفسه مهدداً، خاصة عندما اتحدت المعارضة وشكلت ما يُعرف بجبهة الانقاذ الوطني، فشخصيات مثل الدكتور محمد البرادعي، حمدين صباحي، وعمرو موسى، تضافرت جهودهم وتعاونهم بشكل مثير للدهشة، وجندوا مؤيديهم وصاغوا هجوماً شرساً من خلال المليونيات الشعبية ضد الرئيس مرسي وشرعيته، غير ان احداً منهم لم يدعوا لاجراء انتخابات رئاسية في البلاد مجدداً، واقتصرت دعواتهم على الغاء الاعلان الدستوري الصادر عن مرسي، وتعديل بنود مشروع الدستور بما يتسق مع قيم الديمقراطية، واتاحة مساحة اوسع من الحريات قبل التصويت على مسودة الدستور الوليد.
المعارضة المصرية الصلبة رأت في الرئيس مرسي قائداً متسرعاً في قراراته، وليس جديراً بالثقة، كما انه لا يزن ما يجري حوله من اعتراضات عنيفة، خاصة انه لم يُرجئ موعد الاستفتاء على الدستور داخل مصر، والمح مساء الجمعة انه ارجئ الاستفتاء على الدستور خارج البلاد فقط، فضلاً عن تلميح لا يقل اهمية في خطابه الاخير الى استعداده التراجع عن المادة السادسة من اعلانه الدستوري، وهى المادة التي تمنحه صلاحيات سياسية وامنية غير محدودة.
فيما يتعلق باصرار الرئيس المصري على التمسك باعلانه الدستوري وتمرير الدستور الجديد عبر التصويت الشعبي عليه، راى الخبير الاسرائيلي ان مرسي بات في معضلة كبيرة، شقها الاول يتجسد في رغبته في تهدئة الشارع وتحييد المعارضة للحفاظ على بقاء نظامه، اما الثاني فيدور حول رغبة مرسي التي – لا تقل اهمية – وهى حفاظه على تطلعات جماعته “الاخوان المسلمين”، وذراعها السياسي حزب “الحرية والعدالة”، إذ ترى الجماعة والحزب ان تعديل مسودة الدستور الجديد سيضر تنفيذ ايدلوجية الجماعة، وسينعكس ذلك بالضرورة على مرسي عينه، خاصة انه اذا قدم تنازلات تتعلق ببعض بنود الدستور، سيصطدم بجماعة الاخوان، ويفقد الصلاحيات التي فاز بموجبها في انتخابات الرئاسة بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير.
ايلاف