
سبعة أشهر هى مدة حكم الرئيس مرسى، لم يتخذ فيها- فى رأيى ورأى كثيرين- أى قرار لصالح شعبه، بل عكف على إصدار قرارات تنفذ مخطط تمكين جماعته من بلادنا، وسد كل منافذ الحوار بينه وبين من يعارضونه، فلم يجد المعارضون بديلاً سوى النزول للشارع للتعبير عن مطالبهم، لتواجههم ميليشيات جماعة الرئيس، تقتل وتصيب العشرات. ثم جاء دور وزير الداخلية الجديد ليصدر أوامره باعتقال وتعذيب وهتك عرض كل من تجرأ وقال كلمة حق فى وجه سلطان جائر! وأتى بعده دور النائب العام الذى عينه الرئيس ليرد الجميل بالضغط على رجال النيابة من أجل تجاهل اتهام الجانى، ومعاقبة المجنى عليهم! وأدت هذه الطريقة فى الإدارة إلى فتح الطريق أمام العنف، كبديل للدفاع عن النفس ضد إرهاب الدولة وميليشيات الجماعة الحاكمة. ولكن خلال الأسبوع الماضى طوّر أهالى بورسعيد أساليب مواجهة دولة الاستبداد، ووجهوا إليها ضربة موجعة، أجبرت رأس السلطة على محاولة استرضائهم بأى شكل، وفتحت باباً جديداً أمام الثوار بديلاً عن العنف. وما إن أعلنت بورسعيد العصيان المدنى حتى طلب الرئيس- الذى لم يحرك ساكناً طوال سبعة أشهر- من مجلس الشورى خلال 24 ساعة، إصدار قانون يعيد بورسعيد منطقة حرة، وأصدر قراراً بتخصيص 400 مليون جنيه من دخل قناة السويس لتطوير مدن القناة، فى محاولة لرشوة أهالى بورسعيد وأهالى القناة خوفاً من انتقال عدوى العصيان المدنى!. إذاً، فالرسالة واضحة! نحن أمام سلطة تحاول بناء دولة الخوف، ولا تستجيب لدعوات الحوار الجاد، وتقتل معارضيها وتسحلهم وتعذبهم وتهتك أعراضهم، وتواجه عنف الدفاع عن النفس بمزيد من عنف الميليشيات وإرهاب الدولة بكل ما تملكه من آليات قمع. لكنها سريعاً ما تركع أمام تهديد حقيقى بتعطيل مصالحها، وتحاول تقديم التنازلات أياً كانت! وبالتالى فالطريق مفتوح أمام القوى الثورية لتعريف المصريين بحقيقة العصيان المدنى، وقوة تأثيره، لفتح المجال مرة أخرى أمام تغيير تكتيكات الحركات الثورية لاستكمال مطالب الثورة. خاصة بعدما اكتسب النظام بعض المناعة ضد التحركات التقليدية مثل المظاهرات والاعتصامات. والمعروف أن العصيان المدنى أعلى درجات سلم التغيير السلمى، وقد بدأه المهاتما غاندى مطلقاً عليه اسم «ساتياجرا» أى التمسك بالحقيقة. وتقوم فلسفة العصيان المدنى على أن القوة الرئيسية لأى سلطة ليست أدوات بطشها لكن طاعة المحكومين لها، فإذا نزعت عنها تلك الطاعة سقطت سلطتها. وهو ما أوضحه غاندى حين قال متحدثاً عن الهند إبان الاحتلال الإنجليزى: «كيف يمكن لمائة ألف جندى السيطرة على 350 مليون مواطن؟».
فإذا زاد استبداد السلطة، وأغلقت جميع طرق الحوار الديمقراطى، تلجأ الشعوب لعصيان كل أوامر وقرارات السلطة- باعتبارها سلطة غير شرعية- من خلال عدد من الإجراءات مثل:
1ـ الإضراب والامتناع عن أداء الأعمال.
2ـ الامتناع عن سداد مستحقات الدولة مثل الضرائب، ورسوم المرافق كالكهرباء والمياه والصرف الصحى وتجديد رخص المركبات وخلافه.
3ـ التظاهر بشكل سلمى لحث المواطنين على المشاركة، واستخدام الطرق السلمية لتعطيل المرافق التى تدر دخلاً تستخدمه السلطة فى شراء أسلحة القمع بدلاً من تحسين حياة المواطنين.
4ـ الامتناع عن التعامل مع المصالح الحكومية، أو التعاون وطاعة ممثلى السلطة فى قراراتهم حتى فى أبسطها، مثل إظهار بطاقة الهوية لرجال الشرطة!
5ـ مقاطعة البضائع والمنتجات التى تنتجها شركات مملوكة لرجال النظام الذى يواجهه الشعب، ومقاطعة الشركات التى تقدم لها الخدمات إذا لم تقم بقطعها عنها.
6ـ كسر جميع القرارات والقواعد والقوانين التى تصدرها السلطات، لإظهار عدم اعتراف جماعى بشرعيتها.
إلى غير ذلك من الوسائل التى تنزع الشرعية عن السلطات الحاكمة، وتهدد بقاءها كسلطة حاكمة فى البلاد. فلا قيمة للسلطة دون طاعة من تمارس عليه تلك السلطة. وعلينا أن ندرك أن نزع الشرعية عن الحاكم بالعصيان المدنى ليس نهاية المطاف، بل بدايته. وإذا أصر الحاكم على التشبث بممارساته القمعية، يكون أمام رجال المؤسسات القمعية- مثل الشرطة- اختيار من اثنين: إما حماية الحاكم ومواجهة الشعب الذى يرفض طاعة الأوامر، أو الانضمام للعصيان المدنى وعدم طاعة أوامر السلطة التى فقدت شرعيتها. وعادة ما يلحق العصيان المدنى خطوة أخرى، وهى لجوء الشعب لإعلان سلطة أخرى مؤقتة، يلتزم الشعب والمؤسسات التى يعمل بها أبناء الشعب بقراراتها، لإدارة شؤون البلاد بشكل مؤقت- حفاظاً عليها من الانهيار- لحين انتخاب سلطة جديدة فى أسرع وقت، تعبر عن أحلام وطموحات الشعوب التى تحلم بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية. ويعيد ما حدث فى بورسعيد إلى الأذهان، السؤال الذى سأله «غاندى» مع تطبيقه على الواقع المصرى: «كيف يمكن لثلاثمائة ألف إخوانى السيطرة على ثلاثة وثمانين مليون مصرى إذا لم يستجيبوا لقرارات السلطة؟».
المصري اليوم
زر الذهاب إلى الأعلى