«فورين بوليسى»: «المحاكم الإسلامية» تتحكم فى سيناء.. والحكومة تنكرها
بعنوان «العدالة الإسلامية فى سيناء» أعدت مجلة «فورين بوليسى» تقريرا عن الوضع الأمنى فى سيناء قالت فيه إنه بعد أن أصبح سكان سيناء محبطين من عدم قدرة الحكومة على السيطرة على جرائم العنف بها، وبعد تخلى الدولة التى تتعامل معهم كمواطنين من الدرجة الثانية عن مسؤولية الأمن، أخذت القبائل البدوية فى سيناء تتعامل مع المسائل الأمنية بأيديهم، وتتولى إقامة العدل عن طريق المحاكم غير الرسمية التى أصبحت تعتمد بشكل متزايد على الشريعة الإسلامية.
المجلة ترى أنه فى حين أن السلفيين المتشددين يشكون من أن الدستور المصرى الجديد ينص على دور ضعيف للشريعة الإسلامية، امتدت المعركة على الطابع الدينى للإطار القانونى فى المستقبل أكثر فى سيناء، حيث إن الإسلاميين يستغلون الفراغ القانونى لتنظيم المحاكم غير الرسمية التى تقوم على المفاهيم الإسلامية الخاصة بهم للعدالة. واعتبرت أن ظهور نظام العدالة الإسلامية الموازية الذى ينافس نظيرتها الحكومية يشير إلى أن سيناء تسير ببطء نحو أبعاد إسلامية داخل الدولة.
وفقا ليوسف عوف، القاضى المصرى، فإن هذه اللجان هى فى الوقت الراهن ظاهرة محدودة تجريبية، ولكن أنشطتها أصبحت أقوى بشكل كبير منذ الثورة، وذلك لأن جهاز الأمن فى الدولة أصبح مختلا بالفعل، ويكافح لاحتواء تفشى الفوضى. وذكرت المجلة أن واحدة من لجان الشريعة فى العريش قالت إن عدد قضاياها ازداد إلى ثمانية أضعاف فى غضون عامين. الشيخ بيك، الذى يرأس المحكمة، يقول إنها قد استوعبت 75% من عدد الحالات كانت تقدم فى السابق إلى المحاكم الرسمية فى سيناء.
رسميا الحكومة المصرية أنكرت وجود هيئات العدالة غير الرسمية. وقال أحد القضاة -الذى فضل عدم ذكر اسمه- «لم أسمع يوما عن محاكم غير تلك المحاكم الرسمية المدنية والجنائية للدولة، وإذا وجدنا محاكم من هذا النوع سيتم القبض على القائمين عليها ومحاكمتهم». ومع ذلك، أعرب المصدر نفسه عن تحذيره من زيادة التيار الدينى المتشدد فى سيناء، وهو اتجاه يعتبره رد فعل على تدهور الأمن المادى والاقتصادى واستغلال الشباب غير المتعلمين من قبل الاتجاهات السلفية.
سواء كانت السلطات المصرية تعلم أم تجهل وجود المحاكم غير الرسمية، فهى سمة لا يمكن إنكارها. وفقا للشيخ مرعى عرار، زعيم الحركة السلفية فى مدينة رفح، هناك ما لا يقل عن ست لجان شريعة تعمل حاليا فى شمال سيناء، ويعمل بها نحو خمسة رؤساء قبائل معروفة باسم «المشايخ». هذه المحاكم تشبه قليلا المحاكم الرسمية ويتم عقدها فى أماكن غير متوقعة. ولكن القضايا التى تتناولها هى فى نفس خطورة القضايا التى تتناولها المحاكم الرسمية، تتراوح بين السرقات البسيطة والنزاعات على الأراضى والقتل. العقوبات المقابلة، مستمدة من الفقه الإسلامى، وتشمل «الدية» المستحقة لعائلة ضحية القتل، وفترات الصيام، أو الغرامات المدفوعة عن طريق الجمال بدلا من النقد.
فى حين أن هذه العقوبات خفيفة نسبيا، وبعض المشايخ يقولون إنهم يتطلعون إلى تنفيذ الحدود الإسلامية. أشارت الصحيفة إلى أن اللجان الإسلامية الآن قوية فى إنفاذ أحكامها، دون الاعتراف أو الدعم القضائى الرسمى، ويوضح الشيخ عرار أن اللجان الإسلامية لا تعتمد على سلطات الدولة لتنفيذ الأحكام، لأنهم مدعومون من قبل آليات وقوانين خاصة بالقبائل. ورغم أن الشيخ عرار قال إنهم لا يعتمدون على السلطات الرسمية فإنه يعمل على تحسين علاقتهم مع الشرطة. حسب المجلة، هناك على الأقل واحد من شيوخ القبائل حاول إقناع وزارة الداخلية بالسماح لضباط الشرطة المحليين بتنفيذ الأحكام الإسلامية.
المجلة الأمريكية ذكرت أن التسويات غير الرسمية للمنازعات ليست جديدة على سيناء، ولكن تزايد الطابع الإسلامى فى العدالة القبلية هى ابتكار جديد. فأوضحت أنه لعدة قرون، كان حل النزاعات لدى البدو خارج نظام العدالة الرسمية من خلال المحاكم التقليدية المعروفة باسم «العرفية» التى لديها أصول ما قبل الإسلام. تاريخيا، القانون القبلى لم يستمد من الفقه الإسلامى، رغم أن معظم البدو من المسلمين. «فورين بوليسى» أوضحت أن هناك تفسيرين لزيادة الطابع الإسلامى على المحاكم البدوية. أولا بسبب أن عديدا من البدويين أصبحوا أكثر تعاطفا مع الفكر الإسلامى بعد سنين من القمع السياسى والتهميش فى ظل نظام مبارك. والتفسير الثانى يمكن أن يكون بسبب تحسن العلاقة المتوترة تاريخيا بين قبائل سيناء والجماعات السلفية.
وفقا لشيخ عرار، السلفيون قدموا أنفسهم للبدو من خلال إظهار اهتمام حقيقى لشكاواهم الاقتصادية والسياسية. وهذا ما جعل البدو يلجؤون إليهم فى المحاكم الشرعية. حتى إن غير المسلمين يرون أن لجان الشريعة هى أفضل من المحاكم التقليدية. الشيخ حمدين أبو فيصل، الذى يتولى إدارة لجنة الشريعة فى بلدة الشيخ زويد، يقول إنه قد تولى النظر فى أربعة قضايا متورط فيها مسيحيون.
المجلة الأمريكية قالت إنه رغم أن مشايخ القبائل مصرون على أن اللجان الإسلامية هى قوة للعدالة فقط وغير متطرفة، لكن هناك تخوفات فى مصر. والمنطقة من أن التطرف فى سيناء يكون له أبعاد دولية، حيث إنه فى أوائل يناير حذر مسؤول إسرائيلى من أن مئات من الجهاديين الأجانب تسللوا إلى سيناء، فى أعقاب مقتل أحد المسلحين فى غارة بالقرب من بلدة حدودية إسرائيلية وكان مواطنا سعوديا. وفى الوقت نفسه، أعلن أحد شيوخ السلفيين فى تونس أن سيناء هى «أفغانستان الجديدة». وأشارت المجلة إلى أن العلاقات الأخوية بين الزعيم السلفى محمد الظواهرى وشقيقه الأكبر، قائد تنظيم القاعدة أيمن الظواهرى، أدت إلى مخاوف من أن سيناء يمكن أن تصبح ملجأ للخلايا الإرهابية.
كما أن محمد وأيمن الظواهرى على مقربة من الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل. وأشارت إلى شريط فيديو نشر يوم 24 أكتوبر 2012، حث أيمن الظواهرى فيه أبو إسماعيل لإطلاق ثورة إسلامية للوفاء بالمطالب الشعبية لـ«الحكم القائم على الشريعة».
المجلة الأمريكية أنهت التقرير بالقول إنه «فى حين أن شيوخ يصرون على أن لجان الشريعة هى جزء من الحل للتطرف الإسلامى، منتقدوهم يتساءلون ما إذا كان أى إطار قانونى يستند على الدين يمكن أن يكون متوافقا مع القيم الديمقراطية والتعددية والتسامح. ولكن ما دام النظام القضائى الرسمى ما زال مشوها من قِبل إرث من الفساد وعدم الكفاءة، ستبقى اللجان الشرعية. وإلى أى مدى نجحوا فى إرساء دولة إسلامية فى سيناء يعتمد على ما إذا كان يمكن لحكومة مرسى إعادة الثقة فى أجهزة الأمن والعدالة لمؤسسات الدولة».
التحرير