الأخبار

مذكرات أحمد أبوالغيط.. مصر كانت على وشك توقيع «اتفاق» مع إيران فى 2003.. لكن مبارك تراجع فجأة

13

 

كان الجميع يتحدث عن القوى الصاعدة لتركيا وإيران. كان العالم يتناول تأثيرهما فى المنطقة وما حققتاه من تقدم اقتصادى وسياسى جعلهما فى مركز الصدارة الإقليمية حتى مع الاختلاف الأمريكى مع إيران. وكان المجتمع المصرى ينظر إليهما ويعتبرهما «قدوة» يتمنى لو احتذى بها نظامه فيما حققتاه. ولكن كيف كانت العلاقة بين هاتين القوتين مع مصر؟ ولماذا تراجع مبارك عن تحسين العلاقات مع إيران عام 2003؟.. ولماذا ساءت العلاقة بينه وبين أردوغان رئيس الوزراء التركى؟.. تلك التفاصيل يرويها هذا الجزء من كتاب «شهادتى».

 

يعترف أبوالغيط فى مقدمة هذا الجزء بانتمائه الفكرى لتلك المدرسة الدبلوماسية التى تؤمن بأهمية مثلث التعاون النشط ويضم «مصر- تركيا- إيران» لا لخدمة إقليم الشرق الأوسط وتحقيق السلام والاستقرار والتنمية له وحسب، بل أيضاً لتأمين هذا الإقليم الإسلامى الكبير ضد التدخلات الخارجية. ويحكى لك فى إطلالة سريعة تطور تلك العلاقات من المرحلة الناصرية التى ساءت فيها العلاقة بين القاهرة وطهران وأنقرة بسبب رفض النفوذ الأمريكى والإيمان بجدوى العلاقة مع المعسكر الشرقى، ثم تحسنها فى عهد السادات حتى بدء الثورة الإيرانية التى جمدت العلاقة بين القاهرة وطهران طيلة سنوات الرئيس السابق مع تحسنها مع تركيا إلى حد ما حيث حكمتها ولسنوات طويلة الصعوبات التاريخية بين سوريا وتركيا والحذر المصرى تجاه ما يمكن أن يهدد سوريا. يقول أبوالغيط: «كثيراً ما قدرت، فى سنوات نشأتى الدبلوماسية، أهمية إقامة محور مصرى- إيرانى- تركى، يفرض ثقله فى مواجهة إسرائيل، وبخاصة بعد هزيمة مصر فى عام 67.. ومع ذلك.. للأسف، فقد كان يغيب عنى المنطلقات التى تحكم هذين الطرفين تجاه ليس فحسب الإقليم باعتباره المنطقة الإسلامية، ولكن أيضاً فى مواجهة القوى العظمى التى كانت تحكم تأثيراتها وسياساتها تصرفات تركيا وإيران فى مواجهة بقية القوى الإسلامية».

«طهران» عرضت تطوير الاتصالات الثقافية والسياحية.. فقال مبارك: «إيران تريد إرسال الآلاف من السياح الشيعة لاختراق المجتمع المصرى»

يوضح أبوالغيط تلك الرؤية بالقول إن «إيران الصفوية» كانت تتنافس مع «تركيا العثمانية» على النفوذ والسلطان فى أواسط آسيا، والعراق والقوقاز. وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، عرف العالم الحرب الباردة وسياسة الأحلاف ومن ثم انغماس إيران وتركيا فى سلسلة من الارتباطات الرئيسية مع القوى الغربية بشكل لا يسمح بتعاون مصرى- إيرانى- تركى بالمفهوم الذى يمكنه تشكيل قوى إسلامية بالمنطقة لمواجهة إسرائيل والقوى الغربية. وهى التحالفات التى اختلفت وتبادلت أماكنها مع اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979 وتوقيع مصر معاهدة كامب ديفيد مع إسرائيل وبرعاية أمريكية.

يتحدث أبوالغيط عن كواليس المحادثات التى شهدتها الدبلوماسية المصرية والإيرانية فى المحافل الدولية من أجل استعادة العلاقات وما يتبعها من تعامل تجارى واقتصادى واستثمارى. وكيف فشلت تلك المحادثات بسبب الكثير من المشكلات التى كان فى مقدمتها الفكر الثورى الإيرانى الذى قاوم فكرة تطوير العلاقة مع مصر لإقامتها علاقات سلام مع إسرائيل وفقا لاتفاق كامب ديفيد، إلا أن أبوالغيط يتحدث عن اقتراب البلدين من تحقيق هذا الهدف عام 2003 عبر مشروع اتفاق توصل إليه الجانبان، وأوشكا إعلانه بشكل رسمى، إلا أنه توقف فجأة بعد إحساس الرئيس المصرى أن إيران لن تغير مناهجها تجاه مصر.

كانت تلك مرحلة حساسة فى تاريخ المنطقة العربية والإسلامية، بسبب الغزو الأمريكى للعراق ووجود القوات الأمريكية فى عاصمة الرشيد والتهديدات التى كانت تستشعرها سوريا من هذا الوجود الغربى عبر الحدود العراقية- السورية، ومن ثم استمرار التعاون السورى- الإيرانى فى هذه المواجهة مع الولايات المتحدة التى أصبحت هى الأخرى على حدود إيران سواء من الغرب مع العراق أو فى اتجاه الشرق مع أفغانستان، وهو ما دفع بالملف النووى الإيرانى للبروز بكل تعقيداته. لم تكن تلك القضايا وحدها التى أثرت على رفض الرئيس المصرى لتطوير العلاقة مع إيران، ولكن كان العنصر الحاكم فى إمكانية تطوير هذه العلاقة من عدمها، هو البعد الأمنى والتجربة الشخصية للرئيس والأجهزة المخابراتية المعنية بالموضوع.

صورة أرشيفية

وهو ما يقول عنه أبوالغيط: «كانت الأجهزة الأمنية تتشكك دائماً فى النوايا الإيرانية ورغبتها فى اختراق مصر لحساب توجهاتها التقليدية الثورية. كما أن تجربة الرئيس المصرى على مدى عقود تؤشر إلى تراجع الإيرانيين، نتيجة لتصارع رؤاهم الداخلية، عما يتفقون فيه مع مصر التى حاولت لسنوات إخلاء المسرح الإيرانى من عناصر مصرية تطالب بهم أجهزة الأمن، دون طائل».

ولكن لا شىء يدوم فى السياسة التى لا تعرف سوى لغة المصالح. فمع الغزو الأمريكى للعراق وتهديد الأمريكيين لسوريا، والمسار الذى أخذته إيران فى تطوير إمكانياتها النووية، أصبح الإيرانيون يعبرون عن رغباتهم المستمرة فى تطوير العلاقة مع مصر وتهدئة خواطرها لعلهم يستطيعون توظيف إمكانياتها الدولية فى تأمين خط دفاعى إضافى على مستوى الإقليم وفى إطار حركة عدم الانحياز وأفريقيا.

يحكى أبوالغيط عن واقعة لقائه فى فيينا أثناء زيارة لها فى شهر أكتوبر 2005 بالدكتور محمد البرادعى، الذى نقل له رسالة من وزير خارجية إيران منوشهر متقى تؤكد أن إيران على استعداد لمناقشة تسليم العناصر المصرية المتطرفة ومسألة جدارية الإسلامبولى واسم الشارع فى طهران، مقابل إزالة علم الشاه من داخل قبره الموجود بالقاهرة، وتسوية قضايا التخابر المحكوم فيها على دبلوماسيين إيرانيين. بالإضافة لمعاودة مناقشة ما كان مطروحاً بين الطرفين على مدى سنوات واقتربا من تسويته فى عام 2003 ثم فشلا فيه. يقول أبوالغيط فى كتابه: «أدركت وقتها أن عضوية مصر فى مجلس محافظى وكالة الطاقة الذرية هو الدافع للإيرانيين للتحرك فى اتجاهنا. وكان الدكتور البرادعى قد اقترح أن نقوم بدفع شخصية مثل الدكتور مصطفى الفقى للتحرك بين الجانبين. وأعرض الأمر على الرئيس الذى يرفض أى تحرك».

«البرادعى» نقل لى رغبة إيران فى تسليم العناصر المتطرفة والنظر فى اسم شارع «الإسلامبولى» مقابل إزالة عَلم الشاه من فوق قبره بالقاهرة وتسوية قضايا التخابر

ظل رفض الرئيس لأى تقارب إيرانى ملازما له رغم كافة المحاولات التى خفضت سقف مطالب الإيرانيين إلى حد المطالبة بتطوير الاتصالات الثقافية والسياحية. وهو ما رفضه مبارك مبررا ذلك بقوله: «الإيرانيون يرغبون فى إرسال الآلاف من السياح الشيعة.. ثم يخترقون المجتمع المصرى». وهو ما يعلق عليه أبوالغيط قائلاً: «كان الحديث وقتها يدور فى أوساط عربية كثيرة عن عمليات تشييع تتم فى سوريا ومصر والحزام الأفريقى المجاور لدول شمال أفريقيا العربية، بما فيها السنغال والنيجر وأفريقيا الوسطى وغيرها. وهو ما دفع الرئيس لطلب أخذ رأى الأجهزة الأمنية التى ردت بعدم الموافقة».

ولا يمل الإيرانيون من طلب الوصال مع مصر فيعرض الرئيس الإيرانى نجاد رغبته فى لقاء مبارك لتسوية الخلافات، فى إطار لقاء يمكن ترتيبه على هامش القمة الإسلامية الاستثنائية بجدة فى ديسمبر 2005. ولا يميل مبارك لهذا الطرح، فيوفد وزير خارجيته لحضور القمة ولكنه يحضر فجأة فى الساعات الأخيرة لها، كمجاملة للسعوديين، على حسب قول أبوالغيط، ثم يغادر فوراً.

كان المسئولون الإيرانيون يتحدثون دائما عن موقف بلادهم من مسألة الوقود النووى ويؤكدون أنهم لا يرغبون فى إنتاج الوقود النووى ولكنهم يسعون لامتلاك المعرفة البحثية الكاملة فى دورة الوقود، وهو الأمر الذى لم تصدقه مصر.

يتحدث أبوالغيط عن أسباب تغير الموقف المصرى من الملف النووى الإيرانى وكيف تحول من الحياد إلى تأييد مشروع قرار قدمته الدول الغربية أمام وكالة الطاقة الذرية فى سبتمبر 2006 يقضى بإحالة الملف الإيرانى النووى إلى مجلس الأمن، بعد ورود تقارير ومؤشرات أظهرت امتلاك إيران لمشروع نووى متكامل يستهدف الحصول على دورة وقود كاملة دون ربط ذلك بالتعاون الكامل مع الوكالة أو الالتزام بالبروتوكول الإضافى واتفاقات الضمانات.

لم يكن هذا هو سبب التغير المصرى من إيران وحسب، ولكن كانت مصر تراقب الدور الإيرانى فى معركة حزب الله مع إسرائيل فى أغسطس 2006، وما تقوم به فى غزة مع حركة حماس. ويعلق أبوالغيط على تلك الجزئية بالقول: «كانت مصر تنطلق فى مواقفها من مسألة منع الانتشار النووى بالشرق الأوسط، من اقتناع بأن هناك مؤشرات لا ريب فيها بأن لدى إسرائيل قدرات نووية عسكرية أو أنها تستطيع الحصول عليها فى مدى أسابيع قليلة إن قررت ذلك. من هنا أخذت مصر تتقدم منذ عام 1974، وبالتنسيق مع إيران عندئذ، بقرار أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة يطالب بإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية بالشرق الأوسط، واستمر صدور هذا القرار سنوياً بدون نتيجة فعلية أو إجراءات لتطبيقه. ورغم ذلك، قررت مصر فى عام 81 التصديق على معاهدة منع الانتشار بعد أن كانت قد وقعت عليها فى عام 1970، وانطلقت مصر فى موقفها عندئذ من نقطتين أساسيتين، أولاهما أن هذا التصديق المصرى سيساعد مصر فى مساعيها من أجل إنشاء مشروع نووى سلمى مصرى وبناء مجموعة من المفاعلات البحثية ومفاعلات الطاقة، والثانية أن الولايات المتحدة كانت تؤكد لمصر طوال الوقت أنها ستفرض على إسرائيل الانضمام إلى معاهدة منع الانتشار خلال فترة زمنية قصيرة، وهو الأمر الذى لم ينفذ».

«نجاد» طلب لقاء الرئيس السابق على هامش القمة الإسلامية بـ«جدة» ولكن مبارك حضر متأخراً وغادر مسرعاً

ورغم الموقف المصرى من إيران، فإن مصر كانت تتمسك بحق إيران فى ممارسة الاستخدامات السلمية للطاقة الذرية تحت مظلة إشراف الوكالة الدولية للطاقة. كانت مصر ترفض ازدواجية المعايير التى تحكم مواقف القوى الغربية تجاه هذا الملف النووى. وطالبت بمعاملة إسرائيل بنفس معاملة إيران وغيرها. بينما كانت دول الخليج تعطى اهتماماً للملف النووى الإيرانى بما يفوق النظرة إلى الملف النووى الإسرائيلى أو الوضع العام فى الشرق الأوسط.

يحكى أبوالغيط عن واقعة يقول فيها: «اطلعت فى يوليو 2007 على حديث لشخصية سورية ذات حيثية مع سفيرنا بدمشق ينتقد فيها مواقفنا من الملف النووى الإيرانى وتصميمنا على المطالبة بإخلاء الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل. وكان يقول لنا إن إيران تطور فعلاً قدرة نووية عسكرية، وإن هذا لصالح التوازن الاستراتيجى مع إسرائيل ولا ضرر على العرب. ولم يهتم هذا المصدر السورى أن يدقق فى أن هذا الجهد الإيرانى لا يعنى سوى أن إيران ستكون قادرة نووياً وأن سلاحها النووى، مثله فى ذلك مثل السلاح النووى الباكستانى، سيخدم فقط مصالح إيرانية وباكستانية وليس عربية أو إسلامية».

ورغم الموقف المصرى المتشدد من إيران، يكتب وزير الخارجية الأسبق تقريرا لرئيس البلاد يؤكد فيه تفهمه لتعقد العلاقات مع إيران، ولكنه يؤكد عليه ضرورة الحوار معها فى ظل وجود قواسم مشتركة فى السياسات المصرية والإيرانية. مطالبا بفتح الاتصالات التليفونية بين البلدين، وتسهيل مشاركة إيران فى المعارض الدولية المقامة فى مصر والندوات التى تعقد بالقاهرة. فى ذات الوقت الذى تحدث فيه الإيرانيون عن عقد قمة ثلاثية مصرية- سعودية- إيرانية لمحاولة تسوية أى مشكلات عالقة. وهو ما رفضه مبارك بدعوى أن الملك عبدالله لن يقبل الفكرة.

 

الوطن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى