الأخبار

حول حقيقة انتشارالجهاديين على حدود إسرائيل

يزداد القلق الإسرائيلي من احتدام القتال على الحدود الشمالية في الجولان السوري المحتل بين الجيش النظامي والمعارضة المسلحة السورية. وبعد خطف جنود من مجموعة حفظ السلام وعبور طلقات وقذائف طائشة رفع الجيش الإسرائيلي حالة التأهب وأكد قادته أن الرد سيكون حازما على مصادر النار. وفيما تحصن إسرائيل حدودها وتدرس إقامة منطقة عازلة يبحث الخبراء في التأثيرات قصيرة وبعيدة المدى على أمن إسرائيل وكيفية التعامل مع الأزمة السورية ونتائجها المتوقعة خصوصا في ظل سيطرة مجموعات جهادية على مناطق واسعة قرب خط فصل القوات وفي المناطق منزوعة السلاح وذات التسليح الخفيف. وفي ظل اجماع الخبراء والمحللين الإسرائيليين على زوال خطر الجيش السوري، فإن الانتباه ينصب  في الشهور الأخيرة بالإضافة إلى الجهاديين في سورية، إلى مصير الهدنة الهشة مع حماس في غزة، وتصاعد  نشاط الجهاديين في سيناء، وكذلك لردة فعل حزب الله اللبناني في حال فقدانه حليفه السوري، وكذلك ماذا يمكن أن تفعله إيران.    ربح استراتيجي ومع أن إسرائيل هي أكثر الرابحين الإقليميين من الأزمة السورية التي تحولت حربا أهلية أضعفت كثيرا قدرات الجيش السوري العملياتية وجهوزيته القتالية لمحاربة إسرائيل، ودمرت معظم البنية التحتية في سورية، إلا أنها تستشعر خطرا متزايدا. وتنطلق المقاربات الإسرائيلية من الخوف من حالة الفوضى واستغلالها من المجموعات المسلحة أو حتى المواطنين العاديين والأهم المجموعات الجهادية لتوجيه ضربة إلى الجبهة التي عاشت عقودا طويلة من السكون عقب حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973. كما تراقب إسرائيل عن كثب مصير الأسلحة الكيمائية والأسلحة الإستراتيجية الصاروخية وإمكانية نقلها إلى حزب الله، أو وقوعها في أيدي الجماعات الإسلامية أو الجيش الحر. رئيس مركز الشرق للدراسات الاستراتيجية الدكتور سمير التقي أكد أن أي خسارة  لسورية هي مكسب لإسرائيل. وفي اتصال مع موقع “روسيا اليوم” قال الخبير الاستراتيجي السوري متحسرا إن “إسرائيل كسبت كثيرا نتيجة ما يجري في سورية… فنحن الآن لا نستطيع في غضون عقود التحضير لحرب مع إسرائيل مثل حرب تشرين في العام 1973…. الحالة الاستراتيجية العربية تداعت ولا يمكن ترميمها في عقود”. مخاوف من انهيار الدولة السورية ومخاطر أمنية  الدكتور التقي أوضح أن السياسة الإسرائيل تنطلق من مخاوف “انهيار الدولة وانعدام قدرتها في السيطرة على المناطق الحدودية”. ويرى أن إسرائيل تنطلق في حساباتها من أن “تواجد المقاتلين الجهاديين على الحدود هو قضية أمنية لأنه لا يوجد أي تقدير استراتيجي أو تكتيكي أو أي أساس علمي وسياسي في أن هذا التواجد يمكن أن يؤدي إلى اختلال التوازن الاستراتيجي، ولا يوجد أي أساس للاعتقاد بأن قواعد الحرب غير المتناظرة قد تغيرت. وخلص التقي إلى أن ا”لإسرائيليين لا يواجهون في الوقت الحالي خطرا وجوديا، بل مخاطر أمنية لن تغير واقع الحال كثيرا”. تقديرات الدكتور التقي لتداعيات وانعكاسات الحرب في سورية تقترب كثيرا من تصريحات أطلقها قبل نحو شهر الرئيس السابق للاستخبارات العسكرية في الجيش الإسرائيلي عاموس يادلين، وأشار فيها إلى إن الحرب للحفاظ على حكم الرئيس الأسد “استنفدت قوة الجيش السوري وجاهزيته ومعنوياته وأضعفت بذلك التهديد الذي يمثله عدو إسرائيل الأكثر قوة. وأكد يادلين حينها أن الأسد كان “أكثر خطورة بكثير من بعض الأنشطة التي تقوم بها جبهة النُصرة في الجولان”. وأوضح أنه “بغض النظر عمن يخلف الأسد، فإن إسرائيل تمتلك قدرة وفعالية كبيرة على التكيف مع التهديد العابر للحدود”، وسوف تؤسس “ردعاً مماثلاً” لما أنجزته الدولة ضد الأسد و حزب الله وحماس”. جدل حول خطر الجهاديين على أمن إسرائيل…. الخبير الإستراتيجي اللبناني العميد أمين حطيط قلل بدوره من المخاطر التي تشكلها التنظيمات الجهادية التكفيرية على أمن إسرائيل. وأشار في اتصال مع موقع “روسيا اليوم” إلى أن”هذه التنظيمات (القاعدة وغيرها) نشأت في حضن المخابرات الأمريكية، وتجاهر واشنطن أنها وراء انشاء هذه الحركات منذ نحو 30 عاما… هذه التنظيمات لم تطلق رصاصة واحدة على إسرائيل، بل قدمت لها خدمات جلى، فانتصار هذه الحركات في جوار إسرائيل لن يؤدي إلى زعزعة أمن الدولة العبرية… قيادة هذه التنظيمات مرتبطة بالمخابرات الأمريكية والغربية”. ولفت حطيط إلى أن” بعض عناصر القاعدة والتنظيمات الجهادية صادقون في كره وعداء إسرائيل، لكن بما أنهم يلتزمون بأوامر القيادة وهذه القيادة تعمل بأمر من أمريكا فإنهم لن يشكلوا خطرا على إسرائيل”. ويرى الجنرال اللبناني المتقاعد أن” إسرائيل حاليا مرتاحة من خطر الجيوش التقليدية، والتنظيمات الجهادية لم ولن تشكل خطرا عليها لارتباطها بأمريكا… ويبقى الخطر من المقاومة الإسلامية اللبنانية أو الفلسطينية”. ولا يتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح الوطنية الدكتور عبد الستار قاسم مع نظرة العميد حطيط. اذ قال الدكتور قاسم في اتصال هاتفي مع موقع “روسيا اليوم” إن ” صعود الإسلاميين على الحدود الإسرائيلية خطر حقيقي على أمن إسرائيل لأنهم لا يمكن أن يهادنوها”. ويجزم الأكاديمي الفلسطيني بأن “التغيرات الجارية في البلدان العربية على المدى المتوسط والبعيد لا تصب في مصلحة إسرائيل”. ويشير قاسم إلى أن “الأوضاع بالنسبة لإسرائيل غير مريحة لان التوجه بصورة عامة يسير باتجاه أسلمة القضية الفلسطينية وهذا يشكل خطرا على أمن إسرائيل … القاعدة وجبهة النصرة هم أكثر عنفا في مواجهة إسرائيل”. ويدلل على ذلك بأن” اسرائيل باتت تتحوط وتبني جدارا وتبحث في إقامة منطقة عازلة على الحدود مع الجولان…. إسرائيل لم تكن قلقة بالمطلق من الأنظمة العربية ومن ضمنها السوري الذي لم يحارب طوال 40 عاما وكان يحارب إسرائيل بالآخرين”. لكن قاسم يرى أن مشكلة الجهاديين تكمن في أنه “لا يوجد عقل علمي في مواجهة العدو على مبدأ اضرب كما اتفق هذا يحدث الرعب في صفوف العدو ولا يؤدي إلى نتائج”. عين على الصراع وأخرى على مصير الأسلحة الكيمائية والاستراتيجية… ومن الواضح أن الجانب الإسرائيلي لا يبدي قلقا كبيرا في الفترة القريبة من حرب شاملة من جبهة الجولان نظرا لتراجع قدرة الجيش السورية، وانشغال الجيش والمعارضة المسلحة في معركة لحسم الصراع الداخلي. ورغم سخونة الجبهة على حدود الجولان السوري المحتل، واستيلاء المعارضة على مناطق واسعة متاخمة للهضبة المحتلة منذ العام 1967 إلا أن المخاوف تنطلق من إمكانية تسرب الأسلحة الكيمائية والاستراتيجية، إضافة إلى عدم وضوح البرامج طويلة الأجل للمعارضة، وتنظر إسرائيل وحلفاؤها الغربيون بقلق إلى ما تم تداوله من أشرطة فيديو منذ نهاية العام الماضي في مواقع التواصل الإجتماعي، يظهر فيها مقاتلون يؤكدون أنهم لن يتوقفوا بعد اسقاط الأسد: “سوف نواصل سيرنا إلى مزارع شبعا وكفار شوبا، وسوف نعبر مرتفعات الجولان وصولاً إلى القدس”. وفي بداية الشهر الحالي ظهر فيديو آخر لأحد أفراد المعارضة المسلحة في سورية يقول فيه إنه  “على مدار 40 عاماً، لم تُطلق طلقة رصاص واحدة على هذه الأرض باتجاه إسرائيل… سوف نحرر الجولان وسوف تعود إلى الشعب السوري الحر، بعون من الله”. تخوف من ضعف الأنظمة العربية وفرص لأوضاع أفضل… نقلت صحيفة “هآرتس” في 31 مارس/ آذار 2012 عن البروفيسور آشر ساسر من مركز ديان لبحوث الشرق الأوسط في جامعة تل أبيب قوله “إن إسرائيل عاشت عدة عقود في قلق من قوة الدول العربية، أما الآن فهي تضطر إلى مواجهة الضعف العرب ومن هذا تخاف”. وفي ذات اليوم حددت صحيفة “يديعوت أحرنوت” المخاطر والفرص” الناشئة في إسرائيل نتيجة التطورات في المنطقة. وتصدر الملف الإيراني سلم الأولويات لأن ” الإيرانيين يواصلون السباق نحو القنبلة رغم العقوبات”. ورأت الصحيفة أن التهديد من سورية يأتي أساسا من انتشار حركات الجهاد العالمي على حدود الجولان، وكذلك إمكانية “تسلل السلاح الكيمائي والاستراتيجي إلى المجموعات الإرهابية” وفي المقابل فإن الصحيفة تشير إلى أن “جيش الأسد منشغل بالأزمة الداخلية، ولم يعد يشكل تهديدا حقيقيا”. وفيما يخص التهديدات على جبهة غزة فإن الصحيفة تخشى من انهيار الهدنة في أي لحظة، لكنها مرتاحة لأن المصريين يبذلون ما في وسعهم لمنع تهريب الأسلحة إلى القطاع من السودان وليبيا. ومع إشارتها إلى أن التطرف الديني يتعزز في اوساط البدو في سيناء فإنها مرتاحة لأن الجيش المصري لا يشكل تهديدا رغم مرور وقت على الثورة في مصر. “يديعوت أحرنوت” قالت إن “لدى حزب الله عشرات ألوف الصواريخ التي تصب إلى كل نقطة في إسرائيل تقريبا، لكن القوة السياسية لحزب الله ضعفت وفي الظروف الحالية ليس له نية للشروع في مواجهة”. نحو معادلات جديدة في الصراع… وبعد أكثر من سنتين على انطلاق الثورات العربية يبدو أن طبيعة المواجهة مع إسرائيل مقدمة على تغيرات كبيرة تتطلب وقتا كافيا لدراستها وانتظار ما سوف تؤول إليه الأمور. فقد استطاعت إسرائيل احتواء خطر الجيوش العربية التقليدية بعد التوقيع على اتفاق كامب ديفيد وإخراج مصر من معادلة الصراع العسكري المباشر. ويرى العميد حطيط أنه “بنتيجة الحرب في العام 1973 ونوعا ما 1982 توصلت إسرائيل إلى رسم العلاقة مع الجيوش التقليدية تحت عنوانين، الأول عقد معاهدات صلح لإخراج هذه الجيوش من معادلة الصراع، وهو ما جرى مع مصر والأردن. أو احداث اختلال في التوازن الاستراتيجي مما أدى إلى الغاء خطر المواجهة مع الجيوش التقليدية”. وفي العقود الثلاثة الأخيرة تركز الصراع بين إسرائيل وحركات المقاومة في فلسطين ولبنان. واستطاعت هذه الحركات تحقيق انتصارات مهمة ووقفت في وجه أكثر من عدوان إسرائيلي. ففي العام 2000 انسحبت إسرائيل من لبنان مجبرة تحت الضربات الموجهة من المقاومة اللبنانية المدعومة من سورية وحزب الله. وبعدها اضطرت إسرائيل إلى تنفيذ انسحاب أحادي الجانب من غزة في العام 2005، وفي 2006 صمد حزب الله أكثر من شهر في وجه العدوان الإسرائيلي في حرب تموز. وفي نهاية 2008 بداية 2009 تصدت حماس والأجنحة العسكرية للتنظيمات الفلسطينية للآلة الإسرائيلية وصمدت في وجه العدوان في حملة “الرصاص المصبوب”. ويؤكد الدكتور قاسم أن “الخطر الأكبر على إسرائيل في السنوات الأخيرة صدر أساسا عن حركات المقاومة مثل حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي… هذه الحركات أثارت قلق إسرائيل”. ويتفق الدكتور التقي مع الأكاديمي الفلسطيني، لكنه يشير إلى أن “هذا الخطر خطر غير وجودي … الحروب مع هذه التنظيمات هي حروب غير متناظرة  كما أن التغيرات في المنطقة جعلت إسرائيل تتكيف مع المخاطر الناجمة عن هذه الحركات بعدما أصبحت حاكمة وحكومية، فحزب الله جزء من الحكومة اللبنانية، وكذلك حماس تحكم غزة منذ سنوات وهذا يجعلهم مضطرين لضبط نوع من السلام على الحدود…. ” الإخوان والجهاديون والحركات المقاومة… وعن السيناريوهات المستقبلية فإن العميد حطيط في اتصاله مع موقع “روسيا اليوم” دعا إلى التفريق بين ما يجري في غزة وما يمكن أن يحصل في لبنان. ويرى أن “ما أسمي ربيعا وهو حقيقة حريق عربي، وما أفرزه من تغيرات في مصر يشير إلى أن نظام الإخوان في مصر وعلاقته العضوية والبنيوية مع حماس وطموحه لعلاقة مستقرة مع الغرب يتجه إلى تكبيل حركة حماس والطلب منها ممارسة الضغوط على أجنحة المقاومة الأخرى” ويشير إلى أن “هناك تنظيمات مقاومة لا تأتمر بأمر الإخوان وسوف تواصل النضال ضد إسرائيل، وفي لبنان فإن المقاومة مستمرة”. لكن العميد حطيط شدد على ان “استراتيجية حزب الله في الوقت الحالي دفاعية وليس من المتوقع أن يبادر إلى ضرب إسرائيل، لكنه سيرد في حال أقدمت إسرائيل على أي هجوم، ولن تثنيه عن ذلك التوازنات الداخلية في لبنان”. ومع تأكيده على أن الجهاديين في سورية لن يحاربوا إسرائيل فإن حطيط يقسم الحركات الجهادية في سيناء إلى “قسمين الأول يندرج تحت عنوان حركات المقاومة الحقيقية الخارجة عن سيطرة الإخوان، وهي تنظيمات تمثل خطرا فعليا على إسرائيل لأنها سوف تواصل العمل المقاوم. فيما لا تشكل الحركات الجهادية المستوعبة والمسيطر عليها من قبل الإخوان أي خطر. فالإخوان قدموا خدمات كبيرة لإسرائيل عبر إغلاق الأنفاق وهدمها، والتدقيق على الحركة في المعابر، ووقف تهريب الأسلحة ومصادرة بعض الشحنات”. مناطق عازلة وانحراف في حلقة الصراع المركزية… الدكتور سمير التقي أوضح أن “حالة الفوضى دفعت إسرائيل إلى التفكير بانشاء مناطق عازلة شرقي خط الفصل بذريعة أن هذه المناطق غير آمنة وخاصة بعد غياب دور الدولة، وتركز بعض الحركات غير الحكومية قرب الحدود إضافة إلى حادثة اختطاف جنود حفظ السلام، وربما تكون حالة الفوضى ذريعة مناسبة لإسرائيل لاختراق حدود الفصل”. ويربط التقي بين ما تقوم به إسرائيل ومخططات جميع بلدان الجوار التي بدأت “التفكير في إنشاء مناطق عازلة وآمنة ضمن الأراضي لتمنع انتقال الفوضى إليها”. ويقلل من “إمكانية خوض إسرائيل لحرب إقليمية، ورجح أن تشهد المنطقة حروبا ومواجهات بين الدول وحركات وتنظيمات، فمهمة الجيش المصري، على سبيل المثال، باتت محاربة ومكافحة الإرهاب بالدبابات، وإيران غير جاهزة لدعم حرب إقليمية”. وحذر التقي من أن “الحلقة الرئيسة في الصراع في المنطقة تنتقل من الصراع العربي الإسرائيلي إلى محاولة اشعال مواجهة عربية إيرانية”. ورغم ازدياد سخونة الأوضاع على جبهة الجولان يبدو أن إسرائيل لن تعمد إلى دعم طرف على حساب آخر. وسوف تواصل تقوية دفاعاتها لمواجهة أي أخطار أمنية من قبل الجهاديين، وتكثف من أعمالها الاستخباراتية في جمع معلومات لهدفين، الأول احباط أي هجوم من المجموعات الجهادية. والثاني، وهو الأهم، معرفة أوضاع وتحركات الأسلحة الكيمائية والاستراتيجية من أجل تدخل سريع لاحباط محاولات نقلها إلى حزب الله أو وقوعها في أيدي الحركات الجهادية.

روسيا اليوم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى